“هانيبال القذافي يغادر السجن: الدبلوماسية الليبية تفتح أبواب المصالحة بعد عقد في الظلام
🖋️عقد في الظلام وفجر الدبلوماسية
ليست كل قضية عالقة تدور حول القانون والعدالة فقط؛ بعضها يدور حول التاريخ، السياسة، وثمن الصمت.
فقصة احتجاز هانيبال القذافي في لبنان لمدة عقد كامل، بتهمة تتعلق بوقائع حدثت وعمره سنتان فقط، تمثل واحدة من أكثر المآسي تعقيداً في المشهد العربي.
لكن يوم الإثنين، 10 نوفمبر 2025، لم يكن مجرد يوم للإفراج بكفالة، بل كان نقطة تحول كبرى: إنه اليوم الذي أثبتت فيه الدبلوماسية الليبية قدرتها على كسر قيود الأزمات التاريخية، ليتحول الملف من مأساة فردية إلى انتصار للدولة الليبية ونافذة أمل للمصالحة.
💔مأساة المنفى – احتجاز لعقد على جريمة “عمره سنتان“
بدأت المأساة في ديسمبر 2015 في سوريا، عندما تعرض هانيبال (49 عاماً)، الذي كان يعيش في منفاه، للاختطاف.
ورغم أنه سُلِّم للسلطات اللبنانية، إلا أنه وُضع قيد الاحتجاز بتهمة إخفاء معلومات عن مصير الإمام موسى الصدر ورفيقيه، وهي قضية تعود لعام 1978.
هنا يكمن جوهر التراجيديا والظلم: هانيبال كان يبلغ من العمر سنتين فقط عند وقوع الجريمة.
لقد تحول السجن إلى مكان احتجاز تعسفي دام لعشر سنوات دون محاكمة، مثيراً استنكار منظمات حقوق الإنسان التي وصفت التهمة بأنها “واهية”.
وصل الضرر النفسي والجسدي إلى ذروته في عام 2023 عندما أعلن هانيبال إضرابه عن الطعام، محتجاً على الظلم الصارخ الذي استمر عقداً من الزمن.
⛓️الكفالة الخيالية تنحني أمام الحراك الدبلوماسي
رغم اعتراف القضاء اللبناني بأحقية الإفراج، ظل الأمر معلقاً بسبب شرطين أظهرا الأبعاد السياسية للملف: كفالة مالية خيالية بقيمة 11 مليون دولار ومنع من السفر.
هذا المبلغ، كما وصفه محامو الدفاع، لم يكن ثمناً قضائياً بل “عائقاً سياسياً“ يهدف لإبقاء هانيبال “ورقة تفاوض”.
لكن هذا السد المنيع انهار سريعاً أمام الإرادة الليبية. تحركت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، مدركة أن الملف يتجاوز القضاء إلى المصالح العليا للدولة.
🥉إنجاز للدولة – الدبلوماسية الليبية تقتحم المشهد بالوقائع
كان الإفراج تتويجاً لجهد دبلوماسي رفيع المستوى. زار بيروت وفد ليبي رفيع المستوى ضم وزير الدولة وليد اللافي والتقى بالرئيس اللبناني جوزاف عون.
بناءً على تصريحات الوزير وليد اللافي لوسائل الإعلام، لم يكن الإفراج حدثاً حكومياً، بل “إنجاز يُنسب للدولة الليبية وللدبلوماسية الليبية“، ويمثل جزءاً من استراتيجية أوسع لملف الموقوفين الليبيين في الخارج.
. جهود الإفراج الشاملة:
أكد اللافي أن هذا الجهد الشامل أسفر عن الإفراج عن نحو 35 موقوفاً ليبياً في الخارج هذا العام (من بينهم 19 حُكم عليهم في تونس بأحكام مشددة تتعلق بالتهريب)، وأن الدبلوماسية تعمل بجهد لإبرام اتفاقية لتبادل المسجونين مع إيطاليا، ومتابعة قضايا الهجرة، ومحاولات الإفراج عن موقوفين في الصين وآخرين من قبيلة أولاد سليمان في النيجر، بل ومواطن موقوف في كازاخستان (سامي زايد).
. المكاسب الاقتصادية والتاريخية:
أكد اللافي أن الإفراج تزامن مع تفعيل اتفاقية الصداقة والتعاون مع إيطاليا التي كانت معطلة منذ 15 عاماً، مشيراً إلى أن الوفد نجح في تحقيق “اختراق متوتر منذ 46 عاماً“ بين ليبيا ولبنان، أدى إلى وقف التصدير والاستيراد وقطع خط الطيران المباشر، وكل ذلك يقع في مصلحة الشعبين.
. الكفالة تنحني:
هذا الحراك السياسي أدى إلى تخفيض الكفالة إلى حوالي 900 ألف دولار، وهو تخفيض يمكن “وصفه بالإلغاء“، وتم دفعه فوراً من قبل الدولة الليبية، ليُطلق سراحه.
🥉إنجاز للدولة – الدبلوماسية الليبية تقتحم المشهد بالوقائع
في مساء اليوم، غادر هانيبال القذافي سجنه، منهياً محنة عشر سنوات. وفي دلالة ذات مغزى على التحول الداخلي في ليبيا، جاء تصريح اللافي حول وجهته ليرسم أفق المصالحة:
. الترحيب بالعودة للوطن:
أكد اللافي بوضوح: “من حقه الاختيار للدولة التي يريد الذهاب إليها وليس لدينا أي قيود حول ذلك في ليبيا“. لكن الأهم كان التأكيد بأن “إذا كان يريد العودة لوطنه ليبيا فهو مرحب به“.
. الموقف القانوني الوطني:
أشار اللافي إلى أن النائب العام الليبي كان شريكاً في هذه الإجراءات، وهو المسؤول عن تحديد موقفه القانوني في البلاد، مما يفتح الباب لعودته في إطار قانوني ووطني، ويعزز من جهود حكومة الوحدة الوطنية تجاه ملف المصالحة الشاملة.
🌟تفاؤل المرحلة المقبلة
إن الإفراج عن هانيبال القذافي لم يكن نهاية قضية، بل كان بداية فصل جديد. فمن منطلق المأساة الفردية، حققت الدبلوماسية الليبية إنجازاً سياسياً كبيراً، عاكساً قدرة الدولة الليبية على العمل بفعالية لحماية مواطنيها وتصفير الأزمات الخارجية.
وكما أكد اللافي، يمثل هذا الإفراج شهادة على أن التفاهم والتعاون يمكن أن يتجاوزا ركام التاريخ، وأن المستقبل سيكون أفضل لكلا الشعبين، متوجاً بالترحيب الليبي بعودة أبنائها إلى أحضان الوطن كخطوة مهمة نحو المصالحة الوطنية الشاملة.
