واشنطن العاصمة، 20 يونيو 2025 – في تطور خطير يهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط والعالم شنت إسرائيل ليلة 12 يونيو سلسلة من الضربات الجوية “الكبرى” ضد إيران، استهدفت منشآت نووية ومواقع صواريخ، وعددًا من كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين.
وبينما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نجاح العملية، توعدت طهران بالانتقام، مما يضع المنطقة على شفا صراع أوسع.
لفهم أبعاد هذه الضربات وتداعياتها المحتملة، تحدثت صحيفة “فورين أفيرز” مع دانيال ب. شابيرو، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط حتى يناير الماضي، وكان مكلفًا بدراسة سيناريوهات تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران إلى حرب شاملة، وإعداد خيارات الولايات المتحدة للرد.
إليكم حوار درامي يكشف خبايا الموقف الراهن:
نبذة عن دانيال ب. شابيرو
دانيال ب. شابيرو ليس مجرد محلل عادي؛ فخبرته العميقة في دهاليز السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي تمنح رؤاه وزناً خاصًا. قبل أن يشغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط حتى يناير 2025، كان مكلفًا بدراسة سيناريوهات تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران ووضع خيارات الرد الأمريكي، مما يعني أنه كان في قلب عملية التخطيط للطوارئ الأكثر حساسية في المنطقة.
كما شغل شابيرو سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، وهي فترة حرجة أكسبته فهماً لا يقدر بثمن للعمليات الداخلية للقيادة الإسرائيلية وديناميكيات علاقاتها مع واشنطن.
وقبل ذلك، عمل مديراً أول لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، حيث ساهم في صياغة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة على أعلى المستويات.
هذه المناصب المتعددة، بالإضافة إلى كونه زميلاً متميزاً في المجلس الأطلسي، تمنحه خلفية شاملة ومتكاملة لفهم الواقع الفعلي للأحداث وتفسيراتها، مما يجعل تحليلاته موثوقة وذات قيمة عالية في فهم التعقيدات الراهنة.
الحوار: حافة الهاوية النووية
دانيال بلوك (كبير محرري الشؤون الخارجية): دانيال، مساء الخير. هذه الضربات الإسرائيلية ضد إيران… ما مدى خطورتها؟ وكيف نقارنها بالهجمات السابقة في أبريل وأكتوبر 2024؟
دانيال ب. شابيرو: مساء النور دانيال. دعني أقول لك، ما زلنا نكشف المدى الكامل لهذه الضربات، لكن الواضح تماماً أنها تتجاوز بكثير ما حققته إسرائيل في هجماتها السابقة.
لقد تمكنوا من ضرب مواقع نووية رئيسية، مثل منشأة نطنز للتخصيب، ومواقع أبحاث التسليح المحتملة، ومواقع إطلاق الصواريخ الباليستية، والأهم من ذلك، استهدفوا عدداً من كبار قادة النظام والشخصيات المتورطة في البرنامج النووي الإيراني.
هذا أوسع بكثير مما توقعه أي شخص تقريبًا.
دانيال بلوك: هذا مذهل. وكيف سيؤثر هذا على إيران؟
دانيال ب. شابيرو: مع تكشف التفاصيل، سيزيد مدى اختراق إسرائيل للنظام الإيراني من إحراج طهران بشكل غير مسبوق.
إيران ستكون متحمسة جداً للرد، لكن الفوضى القيادية التي أفرزتها الضربات ستعيق قدرتها على القيام بذلك بفعالية على المدى القريب.
من المرجح أن تحاول إيران تعويض أي خسائر مُتكبدة في المجال المدني، بالإضافة إلى مهاجمة أهداف عسكرية واستخباراتية وقيادية إسرائيلية.
دانيال بلوك: إدارة ترامب نأت بنفسها بحزم عن هذه الضربات. لماذا برأيك؟
دانيال ب. شابيرو: ترامب سعى لمنح نتنياهو مزيداً من الوقت للمحادثات النووية، لكن نتنياهو لم يُعطِه إياه.
بنأيه بنفسه عن قرار نتنياهو، يسعى ترامب إلى ردع إيران عن توجيه أي رد فعل ضد الولايات المتحدة. قد يأمل ترامب أيضاً في إبقاء المفاوضات النووية قائمة. لكن حلمه بالتوصل إلى حل دبلوماسي يُنهي التخصيب النووي الإيراني يبدو وكأنه قد انتهى.
والآن أصبحت إيران أكثر ميلا إلى محاولة الانطلاق نحو امتلاك السلاح النووي، الأمر الذي يترك ترامب أمام معضلة ما إذا كان سيحتاج إلى التحرك عسكريا لمنع ذلك.
دانيال بلوك: وزير الخارجية ماركو روبيو وعد بحماية الأمريكيين، لكنه أغفل إسرائيل بشكل ملحوظ. ما رأيك في ذلك؟
دانيال ب. شابيرو: تصريح روبيو كان مقصوداً ليلفت انتباه إيران إلى أن الولايات المتحدة لم تكن متورطة، وأن إسرائيل تصرفت بشكل منفرد. إغفال إسرائيل مؤشر إضافي على أن واشنطن لا تريد أن يُنظر إليها على أنها أيدت العمل الإسرائيلي.
لكن دعني أكون صريحاً، من غير المعقول ألا يكون لدى المسؤولين الأمريكيين علم مسبق.
لا يعني تصريح روبيو أن الولايات المتحدة لن تساعد في دفاع إسرائيل. بل ستفعل.
دانيال بلوك: لماذا قررت إسرائيل توجيه ضربة الآن، رغم رغبة ترامب الواضحة؟
دانيال ب. شابيرو: نتنياهو وعد الإسرائيليين دائماً بأنه لن يسمح لإيران بتطوير سلاح نووي، وهذا كان محورياً في مسيرته السياسية.
أعتقد أنه شعر بأن إسرائيل قد لا تحظى بفرصة أفضل لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
تذكر، إسرائيل قضت على حزب الله، وكيل إيران اللبناني، في سبتمبر 2024.
ثم دمرت بطاريات الدفاع الجوي إس-300 التي زودتها بها روسيا لإيران في أكتوبر.
هذان النجاحان، بالإضافة إلى سقوط نظام الأسد في سوريا، أضعفا قدرة إيران على الدفاع عن مواقعها النووية أو الرد.
دانيال بلوك: كيف نتوقع أن يتطور الرد الإيراني؟ وكيف ستتطور دفاعات إسرائيل؟
دانيال ب. شابيرو: إيران قد تحاول إطلاق ما يصل إلى عدة مئات من الصواريخ الباليستية على إسرائيل.
هذا يتماشى مع ردها على الإجراءات الإسرائيلية السابقة.
بعد مقتل قائد إيراني رئيسي في دمشق في أبريل 2024، أطلقت إيران أكثر من 300 ذخيرة.
في أكتوبر، بعد القضاء على حزب الله، أطلقت ضعف عدد الصواريخ الباليستية.
دانيال بلوك: وكيف ستواجه إسرائيل ذلك؟
دانيال ب. شابيرو: إسرائيل، بدعم أمريكي، ستحاول تركيز دفاعاتها على مواقع حساسة معينة وسكان مدنيين لمنع تشبع دفاعاتها الجوية وتقليل الأضرار.
الولايات المتحدة نشرت بالفعل بطاريتي ثاد في إسرائيل للمساعدة، وهذا يكمل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “حيتس”، بالإضافة إلى السفن البحرية الأمريكية القريبة ذات القدرة الدفاعية الصاروخية.
لكن دعني أؤكد على نقطة مهمة: الصراع من غير المرجح أن ينتهي حتى لو تراجعت إيران بسرعة.

دانيال بلوك: هل سترد إسرائيل على رد إيران بمزيد من الضربات؟
دانيال ب. شابيرو: نتنياهو صرح بأن الضربات الإسرائيلية ستستمر حتى تقتنع إسرائيل بزوال خطر إيران النووية.
لذا، قد نكون بصدد حملة عسكرية، وليس هجومًا منفرداً. سيعتمد شعور إسرائيل بالحاجة إلى الرد على محاولات إيران الانتقامية بشكل كبير على مستوى الأضرار والخسائر التي تتكبدها.
الدفاع الناجح قد يكون له تأثير تهدئة، بينما الخسائر الكبيرة ستدفع إسرائيل، على الأرجح، إلى السعي لضرب إيران مرة أخرى.
دانيال بلوك: وماذا عن التنسيق مع واشنطن؟
دانيال ب. شابيرو: في أكتوبر الماضي، سعت إسرائيل إلى تنسيق ردها على هجوم إيراني مع واشنطن، مما أتاح للرئيس بايدن فرصاً لتشكيل الرد الإسرائيلي والحد منه.
لكن إسرائيل أبدت اهتماماً ضئيلاً بمثل هذا التنسيق هذه المرة، وقد يجد ترامب أيضاً أنه غير مجدٍ.
هذا قد يعني أن إيران تجد صعوبة أكبر في خفض مستوى التصعيد. أيضاً، إسرائيل يجب أن تتوقع سلسلة متواصلة من الهجمات غير المتكافئة، مثل العمليات الإلكترونية والهجمات الإرهابية ضد سفاراتها ومسافريها وشركاتها.
دانيال بلوك: وما هو احتمال أن تهاجم إيران القوات الأمريكية؟
دانيال ب. شابيرو: هذا يعتمد كثيرًا على الرسائل الصادرة من الولايات المتحدة.
أوضح ترامب أن واشنطن لم تكن متورطة في الضربات الإسرائيلية، وحذّر إيران من استهداف القوات الأمريكية.
إذا أدرك القادة الإيرانيون أن انخراطهم مع الولايات المتحدة أو جهات أخرى في المنطقة يعني أنهم يواجهون خطر هجوم أمريكي مباشر سيفاقم الضرر الذي ألحقته إسرائيل، فمن المرجح أن يحدوا من ردهم على الهجمات ضد إسرائيل.
قد يخفضون تعاونهم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويحاولون إعادة بناء بنيتهم التحتية النووية المتبقية، ودفنها، وتعزيزها.
لكن قد تختار إيران عدم مهاجمة جهات أخرى غير إسرائيل، لإبعادها عن الحرب.
دانيال بلوك: لنفترض أن إيران هاجمت الولايات المتحدة، أو أن واشنطن قررت التدخل بشكل مباشر لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
كيف يمكن أن يتطور أي هجوم أمريكي على إيران؟
دانيال ب. شابيرو: بعض الموارد التي تسهل توجيه ضربة أمريكية متوفرة بالفعل.
مجموعة حاملة الطائرات الهجومية يو إس إس كارل فينسون لا تزال منتشرة في المنطقة.
قبل أي ضربة، قد تبحر مجموعة حاملة طائرات هجومية ثانية. ومن المرجح أيضاً نشر طائرات إضافية، مثل أسراب المقاتلات وناقلات النفط ومروحيات البحث والإنقاذ، في قواعد بالمنطقة.
وتمتلك الولايات المتحدة قدرات فريدة يمكنها استخدامها إذا كانت تنوي استهداف منشأة فوردو المدفونة.
دانيال بلوك: كيف ستتعامل إيران مع التدخل الأمريكي المباشر؟
دانيال ب. شابيرو: لن تستوعب إيران الضربات الأمريكية دون رد. تمتلك إيران ترسانة من آلاف الصواريخ الباليستية قصيرة المدى والطائرات المسيرة التي يمكنها إطلاقها على قواعد أمريكية في البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقد استخدمت هذه الصواريخ لمهاجمة القوات الأمريكية عقب اغتيال قاسم سليماني عام 2020.
الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، المسلحة بطائرات إيرانية مسيرة، قد تطلق صواريخها على قواعد أمريكية.
وقد تستهدف أيضاً السفارة الأمريكية في بغداد.
ستحتاج الولايات المتحدة إلى الضغط على الحكومة العراقية لمنع الميليشيات الشيعية من الانضمام إلى القتال، والاستعداد لشن ضربات ضد أي ميليشيات تهاجمها.
وسيتعين على واشنطن وحلفائها دفع الحوثيين إلى عدم استئناف هجماتهم في البحر الأحمر والاستعداد لاستئناف الضربات إذا استأنفها الحوثيون.
كما ستحتاج واشنطن إلى الاستعداد لهجمات غير متكافئة في المنطقة وفي الولايات المتحدة نفسها.
دانيال بلوك: هل يمكن لإيران أو شركائها أن يقرروا مهاجمة الدول العربية، كما فعلوا في الماضي؟
دانيال ب. شابيرو: من المرجح أن تدين دول الخليج الهجوم الإسرائيلي لثني إيران عن ضرب أراضيها وممتلكاتها.
ولكن إذا تدخلت الولايات المتحدة، فقد تطلق إيران صواريخ باليستية قريبة المدى على مواقع مدنية أو بنى تحتية للطاقة في دول الخليج، لتحصيل ثمن ما قد تعتبره تواطؤاً مع هجوم أمريكي. ستدرس إيران أيضاً إغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط والغاز باستخدام حصار بحري، أو ألغام بحرية، أو مزيج من هذه الأساليب.
تمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات دفاعات جوية قوية، لكن جميع هذه الدول ستظل عرضة للضربات.
دانيال بلوك: ماذا تعني هذه الحرب لمستقبل البرنامج النووي الإيراني؟
دانيال ب. شابيرو: تشير معظم التقديرات إلى أن إسرائيل، بمفردها، قد تُؤخر البرنامج النووي الإيراني “لعدة أشهر”.
في المقابل، قدّرت التقارير العامة أن الضربات الأمريكية قد تُؤخر البرنامج النووي الإيراني “لمدة تصل إلى عام”.
لكن هذه الجداول الزمنية تفترض أن تبدأ إيران إعادة البناء فوراً، ولا تأخذ في الاعتبار أي تأخيرات إضافية قد تحدث بناءً على عوامل اقتصادية أو سياسية.
كما لا تأخذ هذه التقديرات في الاعتبار تأثير الردع أو إعادة الضربات المحتملة.
دانيال بلوك: وهل هذا يعني أن إيران ستسعى بشكل أسرع لامتلاك سلاح نووي؟
دانيال ب. شابيرو: من المرجح أن تُقدم إيران الآن على محاولة يائسة لتجاوز العتبة النووية.
سيواجه ترامب بدوره قراراً بشأن التدخل عسكرياً لمنع امتلاك إيران سلاحاً نووياً.
ومن شأن هذا القرار أن يؤدي إلى انقسام مستشاريه وقاعدته السياسية، نظراً لإصراره منذ فترة طويلة على إبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن حروب الشرق الأوسط.
تحليل معمق لتصريحات دانيال ب. شابيرو: الواقع الراهن والتوقعات المستقبلية
تُقدم إجابات دانيال ب. شابيرو، السفير الأمريكي السابق ونائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، رؤية ثاقبة ومعمقة للمشهد المعقد والمتوتر بين إسرائيل وإيران، وتداعياته المحتملة على المنطقة والولايات المتحدة.
يمكن تحليل إجاباته بشكل موضوعي ومنطقي وواقعي لفهم الخطورة المتزايدة للموقف، واستراتيجيات الأطراف الفاعلة، والتوقعات المستقبلية.
1 . خطورة الهجمات الإسرائيلية ومدى اختراقها
يؤكد شابيرو أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة “تتجاوز بكثير” الهجمات السابقة، مستهدفًا “مواقع نووية رئيسية، ومواقع صواريخ، وعدداً من كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين”.
هذا يوضح أن إسرائيل قامت بعملية واسعة النطاق لم يكن متوقعًا لها، مما يشير إلى تحول نوعي في استراتيجيتها الهجومية.
. الواقع الحالي: النجاح التشغيلي الإسرائيلي، كما وصفه شابيرو، يعكس قدرة استخباراتية وعسكرية متقدمة.
استهداف القيادات يشير إلى محاولة لتعطيل سلسلة القيادة والسيطرة الإيرانية، مما قد يخلق فوضى داخلية تؤثر على قدرة إيران على الرد الفوري والمنظم.
. التوقعات المستقبلية: الفوضى القيادية المذكورة ستعيق الرد الإيراني على المدى القصير، لكنها ستزيد من حافز إيران للانتقام على المدى المتوسط والطويل.
السعي الإيراني لتعويض الخسائر في المجال المدني، بالإضافة إلى استهداف الأهداف العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، يؤكد أن الرد سيأتي، وإن كان بطرق غير متوقعة.
2 . استراتيجية إدارة ترامب والمسعى النووي الإيراني
يعزو شابيرو نأي إدارة ترامب بنفسها عن الضربات إلى رغبتها في ردع إيران عن استهداف القوات الأمريكية وإبقاء باب المفاوضات النووية مفتوحاً.
ومع ذلك، يشير إلى أن حلم ترامب بالتوصل إلى حل دبلوماسي قد “انتهى”، وأن إيران “أصبحت أكثر ميلا إلى محاولة الانطلاق نحو امتلاك السلاح النووي”.
. الواقع الحالي: موقف إدارة ترامب يعكس رغبة في تجنب الانجرار المباشر إلى الصراع، مع الحفاظ على خيارات الردع. إغفال إسرائيل في تصريح روبيو يرسل رسالة واضحة لإيران بأن واشنطن ليست طرفاً مباشراً، لكنه لا يعني التخلي عن الدفاع عن إسرائيل.
هذا توازن دقيق يهدف إلى احتواء التصعيد دون التنازل عن المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
. التوقعات المستقبلية: سيكون قرار ترامب بشأن التدخل العسكري لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي هو النقطة الفاصلة.
هذا القرار سيؤدي إلى انقسام مستشاريه وقاعدته السياسية، مما يجعل الموقف الأمريكي معقداً وغير مضمون.
إيران، تحت الضغط، ستسرع على الأرجح برنامجها النووي، مما قد يدفع الولايات المتحدة نحو خيارات عسكرية لم لم تكن تفضلها.
3 . دوافع إسرائيل لتوجيه الضربة الآن
يشرح شابيرو أن توقيت الضربة الإسرائيلية مرتبط بوعد نتنياهو بمنع إيران من تطوير سلاح نووي، وشعوره بأن هذه “الفرصة الذهبية” قد لا تتكرر.
ويستشهد بتدمير إسرائيل لحزب الله وبطاريات الدفاع الجوي الإيرانية في أكتوبر 2024، وسقوط نظام الأسد، كعوامل أضعفت قدرة إيران على الدفاع أو الرد.
. الواقع الحالي: هذا التحليل يؤكد أن إسرائيل تعمل ضمن “نافذة فرص” استراتيجية، مستغلة ضعف إيران الإقليمي والعسكري. القضاء على حزب الله وتدمير أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية يمنح إسرائيل ميزة تكتيكية مهمة، مما يفسر حجم الضربات الحالية.
. التوقعات المستقبلية: هذه الضربات ليست مجرد رد فعل، بل هي جزء من حملة عسكرية أكبر تهدف إلى القضاء على التهديد النووي الإيراني.
من المرجح أن تستمر الضربات الإسرائيلية حتى تشعر إسرائيل “بزوال الخطر النووي”، مما يعني تصعيداً محتملاً ومستمراً، خاصة إذا تكبدت إسرائيل خسائر كبيرة في أي رد إيراني.
4 . توقعات الرد الإيراني والدفاعات الإسرائيلية-الأمريكية
يتوقع شابيرو رداً إيرانياً يشمل إطلاق “عدة مئات من الصواريخ الباليستية”، مشيراً إلى أن إيران قد تستهدف المنشآت النووية الإسرائيلية.
ويصف الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية بأنها قوية، لكنها قد تتعرض للتشبع.
. الواقع الحالي: الرد الإيراني المتوقع يعكس نمطاً سابقاً من التصعيد المحدود ولكن الكثيف.
نشر بطاريتي ثاد والسفن البحرية الأمريكية في المنطقة يعكس التنسيق الدفاعي بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتقليل الأضرار. ومع ذلك، اعتراف شابيرو بأن “الصراع من غير المرجح أن ينتهي حتى لو تراجعت إيران بسرعة” يشير إلى أن الحرب قد تتخذ أشكالًا أخرى، مثل الهجمات غير المتكافئة والإلكترونية والإرهابية.
. التوقعات المستقبلية: ستظل إسرائيل عرضة لهجمات غير متماثلة حتى لو تم احتواء الهجمات الصاروخية.
هذا يعني أن الحرب ستستمر على جبهات متعددة، تتجاوز المواجهات العسكرية التقليدية.
احتمالية استهداف إيران للمنشآت النووية الإسرائيلية ترفع من مستوى الخطورة بشكل كبير.
5 . احتمال مهاجمة إيران للقوات الأمريكية وتداعيات ذلك
يؤكد شابيرو أن مهاجمة إيران للقوات الأمريكية تعتمد على الرسائل الصادرة من واشنطن.
ويحذر من أن إيران “لن تستوعب الضربات الأمريكية دون رد”، متوقعاً استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة ضد القواعد الأمريكية في المنطقة والسفارة الأمريكية في بغداد.
. الواقع الحالي: التحذير الأمريكي الواضح لإيران بعدم استهداف القوات الأمريكية يهدف إلى رسم “خطوط حمراء” لتجنب الانجرار المباشر.
ومع ذلك، فإن التاريخ يظهر أن إيران وميليشياتها قد تتجاهل هذه التحذيرات، خاصة إذا شعرت بأنها في موقف حرج.
. التوقعات المستقبلية: التدخل الأمريكي المباشر سيشعل المنطقة بأسرها.
القواعد الأمريكية ستكون أهدافًا رئيسية، مما يستدعي من واشنطن الضغط على الحكومات الإقليمية لمنع الميليشيات من الانضمام للقتال والاستعداد لشن ضربات ضد أي ميليشيات تهاجمها.
كما أن التهديد بإغلاق مضيق هرمز سيؤثر بشكل كبير على أسعار النفط العالمية والاقتصاد العالمي.
6 . مستقبل البرنامج النووي الإيراني
يخلص شابيرو إلى أن الضربات الإسرائيلية قد تؤخر البرنامج النووي الإيراني “لعدة أشهر”، بينما الضربات الأمريكية قد تؤخره “لمدة تصل إلى عام”.
لكنه يؤكد أن إيران “من المرجح أن تُقدم الآن على محاولة يائسة لتجاوز العتبة النووية”.
. الواقع الحالي: هذا التقدير يشير إلى أن الضربات العسكرية، حتى لو كانت واسعة النطاق، لا يمكنها القضاء بشكل كامل على البرنامج النووي الإيراني، بل تؤخره. هذا يضع الكرة في ملعب ترامب، الذي سيواجه قراراً صعباً بشأن التدخل العسكري المباشر لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.
. التوقعات المستقبلية: الضغط المتزايد سيدفع إيران إلى تسريع جهودها لامتلاك السلاح النووي.
هذا السيناريو يزيد من احتمال المواجهة العسكرية الشاملة، التي قد تكون مدمرة للمنطقة وتجر الولايات المتحدة إلى صراع لا ترغب فيه.
الاستراتيجيات والمخاطر
. استراتيجية إسرائيل: تقوم على الضغط العسكري المكثف لتعطيل البرنامج النووي الإيراني وإضعاف قدرات طهران الدفاعية والهجومية.
توقيت الضربة يستغل نقاط ضعف إيران الحالية بعد سلسلة من الخسائر الإقليمية.
. استراتيجية إيران: تتركز على الرد، ولكن بشكل محسوب في البداية، مع السعي لتعويض الخسائر على المدى الطويل. قد تلجأ إلى الهجمات غير المتكافئة والوكلاء الإقليميين.
السعي الحثيث لامتلاك السلاح النووي سيكون أولوية قصوى.
. استراتيجية الولايات المتحدة: محاولة تحقيق توازن دقيق بين ردع إيران عن استهداف القوات الأمريكية، ودعم الدفاع الإسرائيلي، مع تجنب الانجرار المباشر إلى حرب شاملة.
قرار ترامب بشأن التدخل العسكري سيكون حاسماً وسيحدد مسار الصراع.
خاتمة: رؤية ثاقبة لمستقبل غامض في الشرق الأوسط
إن تحليل دانيال ب. شابيرو يرسم صورة قاتمة لمستقبل المنطقة، ويُعد الحوار معه مرجعاً بالغ الأهمية لفهم التعقيدات الجيوسياسية الراهنة في الشرق الأوسط.
فقد أوضحت الضربات الإسرائيلية الأخيرة، ورغم تحقيقها لأهداف تكتيكية، أنها قد دفعت إيران إلى حافة الهاوية النووية، مما يزيد من احتمالية المواجهة الشاملة.
إن الآراء القيمة التي قدمها شابيرو، المدعومة بخبرته الواسعة في أعلى مستويات صنع القرار الأمريكي، تكشف لنا صورة واقعية ومقلقة للتوترات المتصاعدة.
تتجلى الأوجه العديدة للاستفادة من تحليلاته في قدرتها على توضيح الخطوط الحمراء المحتملة لكل طرف، والسيناريوهات المحتملة للتصعيد، والدور المحوري للولايات المتحدة في هذه المعادلة.
لقد بيّن لنا شابيرو بوضوح أن هذه الضربات ليست مجرد حلقة عابرة، بل هي نقطة تحول قد تدفع إيران نحو “محاولة يائسة لامتلاك سلاح نووي”، مما يضع العالم أمام مفترق طرق خطير.
إن فهم هذه الديناميكيات، واستيعاب التوازن الدقيق بين الردع والدبلوماسية والعمل العسكري، أصبح ضرورياً ليس فقط لصناع القرار، بل لكل مهتم بالسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي.
فالتحليل المعمق الذي قدمه شابيرو يسلط الضوء على أن الصراع الحالي لن ينتهي بسهولة، وأن تداعياته ستتجاوز الحدود الجغرافية، مع خيارات الولايات المتحدة للرد التي ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الصراع سيتصاعد إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً، مصحوبة بتداعيات كارثية على الأمن العالمي والاقتصاد.
الوقت هو العنصر الأهم، والمنطقة تترقب الأيام القادمة بقلق بالغ.