وهم “الضربة النووية” وخبايا الـ 30 مليار دولار: ترامب يُطارد اتفاقًا مع إيران.. هل فاتورة غزة هي الثمن الخفي؟

وهم "الضربة النووية" وخبايا الـ 30 مليار دولار: ترامب يُطارد اتفاقاً مع إيران.. هل فاتورة غزة هي الثمن الخفي؟

تحليل خاص – 27 يونيو 2025

في دوائر الدبلوماسية الأمريكية، حيث تُصاغ السياسات أحياناً بتغريدة وأحياناً بضربة عسكرية، يواصل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إعادة تعريف قواعد اللعبة.

فبعد أيام من غارةٍ جوية استهدفت ما ادعاه البيت الأبيض تدميراً شاملاً للبرنامج النووي الإيراني، تتكشف حقائق مغايرة تماماً، دافعةً واشنطن نحو مفاوضات عاجلة، ومُسلّطة الضوء على لاعبٍ خفي أصبح محورَ إنهاء هذا الصراع المعقد.

وهم "الوميض": هل خدعت ضربة فوردو العالم؟

بعد الهجوم الذي شنته قاذفات B-2 الأمريكية على ما يُعتقد أنها منشآت نووية إيرانية، لا يزال فريق ترامب يستميت في الدفاع عن “الانتصار” المزعوم، مؤكدين أن البرنامج النووي الإيراني قد “خرج عن الخدمة وتم تدميره بالكامل”.

حتى أنهم وصفوا كيف شاهد الطيار “وميضاً وإشعاعاً ونوراً لم يشاهدوه في حياتهم” أثناء الضربة.

لكن هذا الوصف بالذات يُثير تساؤلات خطيرة حول مدى فعالية الهجوم.

فلو أن الطيار شاهد وميضاً بهذا الحجم، فهذا يعني أن الضربة كانت سطحية وليست عميقة. القنابل المصممة لاختراق التحصينات الشديدة والمنشآت الواقعة في عمق الأرض، مثل مفاعل فوردو داخل الجبل، يجب أن تصل إلى جوف الهدف ثم تنفجر دون أن تُحدث وميضاً هائلاً على السطح. مثل هذه القنابل تسبب غالباً زلزالاً خفيفاً (قوة 1-2 ريختر) نتيجة الانفجار تحت الأرض، وليس ضوءاً ساطعاً.

حتى الفيديوهات التي عرضها فريق ترامب بدت وكأنها تصور حفراً عادية، لا اختراقاً لجبل يضم منشأة حصينة.

هذا التناقض الصارخ بين رواية “التدمير الكامل” وواقع “الوميض الساطع” يدفعنا للتساؤل: إذا كان البرنامج النووي قد دُمر فعلاً، فلماذا تسعى أمريكا الآن لإجراء مفاوضات مستعجلة مع إيران؟

ولماذا يتم تهديدها بضربة ثانية؟

حقائق صادمة: اليورانيوم لم يُدفن، والمخزون سليم!

التقارير الأخيرة من شبكات مثل CNN وصحيفة “إسرائيل هيوم” تكشف عن تناقضات أعمق، مؤكدة أن الأهداف الاستراتيجية للضربة الأمريكية على منشآت إيران النووية لم تتحقق.

هذه التقارير تشير بوضوح إلى أن:

. إيران تمتلك أجهزة طرد مركزية في أماكن سرية ومنشآت احتياطية لإعادة تخصيب اليورانيوم.

. اليورانيوم المخصب لم يكن موجوداً في المنشآت التي استهدفتها الضربات المزدوجة الأمريكية-الإسرائيلية.

. المخزون الكامل لليورانيوم المخصب لازال بحوزة إيران في مخابئ سرية.

كل هذا يشير إلى أن نتيجة هذه “الحرب” قد تكون عكسية تماماً لما أراده ترامب: فبدلاً من إحباط طموحات إيران، يبدو أن الضربات قد زادت من إصرارها على تخصيب اليورانيوم وصنع قنبلة نووية.

هذا ما أشار إليه تقرير مفصل لـ CNN، والذي لخص ما سيتم التفاوض عليه مع إيران.

خلف الستار: مفاوضات سابقة، ورسائل ما قبل الضربة

قبل العملية العسكرية الإسرائيلية والأمريكية ضد إيران بحوالي أسبوعين، كانت الولايات المتحدة والإيرانيون قد عقدوا خمس جولات من المفاوضات السرية في محاولة للوصول إلى إطار لصفقة نووية جديدة.

قدمت الولايات المتحدة اقتراحاً لطهران، وكان من المتوقع أن تستجيب إيران خلال الجولة السادسة المخطط لها في عمان. هذه المحادثات كانت قد تعثرت بسبب هجمات إسرائيل على إيران.

وفي خطوة كشفت عن استراتيجية أمريكية معقدة، أبلغت إدارة ترامب إيران عبر الوسطاء، وتحديداً يوم السبت الذي سبق الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية، برسالة ذات شقين: أولاً، سيتم احتواء الضربات الأمريكية القادمة.

وثانياً، أن الشروط الأمريكية لاتفاق دبلوماسي مع إيران كانت واضحة وبسيطة: لا تخصيب لليورانيوم.

هذا السياق يوضح أن الضربات لم تكن لإنهاء البرنامج بالكامل، بل كانت جزءاً من عملية ضغط مكثفة لدفع إيران نحو القبول بالشروط الأمريكية.

صفقة العجائب: 30 مليار دولار لبرنامج "سلمي"؟

المفاجأة الكبرى التي فجرتها CNN ليلة الضربة هي وجود جهود دبلوماسية سرية لإعادة تشغيل المحادثات مع إيران، حتى وسط موجة الإضرابات العسكرية.

وقد ناقشت إدارة ترامب مقترحاً يهدف لمساعدة إيران على الوصول إلى ما يصل إلى 30 مليار دولار لبناء برنامج نووي مدني منتج للطاقة، بالإضافة إلى تخفيف العقوبات وتحرير مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المقيدة.

مسودة الاتفاق المسربة، التي وصفتها CNN، تتضمن حوافز ضخمة لإيران.

وتشير المصادر إلى أن اللاعبين الرئيسيين من الولايات المتحدة والشرق الأوسط، بمشاركة المبعوث الخاص الأمريكي ستيف ويتكوف وشركاء خليجيين، ناقشوا هذا المقترح خلف الكواليس. والأكثر إثارة هو فكرة أن الحلفاء المدعومين من الولايات المتحدة في الخليج هم من سيدفعون تكاليف هذا البرنامج الجديد غير المرتبط بالتخصيب، بما يقدر بـ 20 إلى 30 مليار دولار!

كما تم طرح فكرة أن يدفع الحلفاء لاستبدال منشأة فوردو (التي زُعم قصفها) ببرنامج نووي غير تفريغي.

في المقابل، يُطلب من إيران تسليم اليورانيوم المخصب الذي بحوزتها الآن في مخابئ سرية، وعدم استخدام أي قدرات لإنشاء قنبلة نووية مستقبلاً.

هذا العرض، الذي يتناقض تماماً مع تصريحات تدمير البرنامج، يؤكد أن الأهداف الاستراتيجية للضربة الأمريكية لم تتحقق. بل إنها تدور الآن حول نزع الردع النووي الفوري الفعال الذي تمتلكه إيران والذي يمكن أن يؤمن أجواءها وتحركاتها على الأرض.

هذا اليورانيوم لدى إيران الآن قادر فوراً على بناء برنامج ردع نووي إيراني فعال ضد أي تهديدات مستقبلية.

ترامب ونتنياهو: فاتورة "الجميل" تدفع في غزة؟

لقد أصبحت القاعدة الدبلوماسية لترامب واضحة: مقابل خدمة كبيرة، يُنتظر جميلٌ أكبر.

فوفقاً لوجهة نظر الكاتب هوارد فرينش في صحيفة هآرتس، يرى ترامب نفسه الرابح الأكبر في هذه “الحرب” الخاطفة ضد إيران، والتي يعتبرها “أنقذت إسرائيل”.

كل المعطيات كانت تشير إلى أن إسرائيل، التي لا تمتلك قاذفات استراتيجية فعالة للقضاء على البرنامج النووي الإيراني، كانت ستنجر إلى حرب استنزاف طويلة وربما خاسرة.

هنا، يضع ترامب نفسه في موقع المنقذ لإسرائيل من معركة كان يمكن أن تكلفها الكثير.

بعد هذا “المعروف الكبير” الذي أسداه ترامب لإسرائيل، يتوقع الكاتب أن ترامب سيكون له طلبٌ “غريب جداً” من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: وقف الحرب في غزة.

هذا الطلب ليس وليد اللحظة؛ فترامب قد أثنى على نتنياهو كثيراً بعد الضربة، حتى وصل به الأمر إلى المطالبة بعدم محاكمته بتهم الفساد في إسرائيل.

يرى ترامب أن نتنياهو مدين له “بحياته السياسية”، فلو خسر الحرب لكان سيواجه المحاكمة ويهدد مستقبله.

لذا، أصبح ترامب حريصاً على بقاء نتنياهو في السلطة لتنفيذ أجندته.

لماذا غزة؟ لأنها الملف الثاني الأكثر أهمية لترامب. فإذا توقف إطلاق النار في قطاع غزة، سيصبح ترامب “صانع سلام” ورجل السلام الأول في الشرق الأوسط، مما سيعزز من صورته ويمهد الطريق لطموحاته السياسية المستقبلية.

يتوقع الكاتب أيضاً أنه بعد وقف إطلاق النار في غزة، سيسعى ترامب لتوسيع اتفاقيات إبراهيم، وجلب دول أخرى للتطبيع مع إسرائيل، ليعمل على عملية سلام “مكتملة”.

يتوقع الكاتب أيضاً أنه بعد وقف إطلاق النار في غزة، سيسعى ترامب لتوسيع اتفاقيات إبراهيم، وجلب دول أخرى للتطبيع مع إسرائيل، ليعمل على عملية سلام “مكتملة”.

قد يتردد نتنياهو في بادئ الأمر بسبب معارضة اليمين المتطرف في إسرائيل، لكن الكاتب يرى أن حرب إيران أظهرت نتنياهو كبطل ومنتصر إلى درجة أنه يدرس إجراء انتخابات مبكرة، وربما هذا هو الوقت الأنسب لعقد اتفاق سلام في قطاع غزة دون معارضة كبيرة. نتنياهو هنا سيخدم ترامب وسيُخرج مشهداً للسلام بشكل كبير، دافعاً “فاتورة الجميل” في غزة.

عناد خامنئي وتهديدات ترامب: رقصة على حافة الهاوية

من جانبه، أكد خامنئي أن ترامب طلب من إيران “الاستسلام الكامل غير المشروط”، وهو ما رفضه بشدة، مؤكداً أن “هذا لن يحدث نهائياً”.

من جانبه، أكد خامنئي أن ترامب طلب من إيران “الاستسلام الكامل غير المشروط”، وهو ما رفضه بشدة، مؤكداً أن “هذا لن يحدث نهائياً”.

فرغم “نجاحات” الطرفين المعلنة، لم تكتمل الحرب بعد لتحديد المنتصر والمهزوم بشكل قاطع، ورغم النجاحات التكتيكية التي حققها كل طرف، يبدو أن الهدف النهائي بإنهاء البرنامج النووي الإيراني قد فشل.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن طلب وقف إطلاق النار (الذي سيطلبه ترامب من نتنياهو في غزة) قد حصل، لأن إسرائيل لم يعد لديها القدرة على تحمل حرب استنزاف طويلة، رغم إعلانها الاستعداد لذلك. كما تتضاءل مخزوناتها من الصواريخ الدفاعية.

من المثير للدهشة أن الحرب بدأت بينما كانت المفاوضات جارية مع إيران حول برنامجها النووي، ثم توجيه الضربات، والآن نجد تهديداً آخر باندلاع الحرب من جديد، بينما يصر ترامب أمام مجتمعه الأمريكي أنه لا يرغب في الدخول في حرب أخرى.

تضارب المواقف: مباشر أم وسطاء؟

في خضم هذه المفاوضات المعقدة، برز تضارب في الموقف الأمريكي حول كيفية التعامل مع إيران. فبينما أكد المبعوث الخاص ستيف ويتكوف أن هناك “علامات” على إمكانية التوصل لاتفاق وأن “محاورين عدة يتواصلون معنا” وأن الإيرانيين “مستعدون”، صرح وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يشغل منصب مستشار الأمن القومي، يوم الأربعاء أن أي صفقة من هذا القبيل تعتمد على استعداد إيران للتفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة، وليس من خلال الوسطاء.

هذا التصريح يُلقي الضوء على اختلاف في استراتيجيات واشنطن، حيث يفضل البعض المسار المباشر، بينما يرى آخرون، مثل ويتكوف، أن استخدام الوسطاء (مثل قطر) ضروري لدفع عجلة المفاوضات.

سباق تسلح وتغيير في التحالفات: دور قطر المحوري

المخاوف تتزايد الآن من أن ما حدث لإيران قد يدفع دولاً أخرى، مثل باكستان وكوريا الشمالية، إلى تسريع تعزيز قدراتها النووية للحفاظ على سيادتها كدول مستقلة، وفقدان الثقة في الوعود الأمريكية.

هذا يعني أن الضربات التي وُجهت لإيران قد أتت بنتائج عكسية، وأن النصر الحقيقي لإيران قد يكمن في نجاح برنامجها النووي في إنشاء ردع نووي فعال.

في هذا المشهد المضطرب، تبرز قطر كلاعب خفي ومحوري.

لقد لعبت دوراً رئيسياً في الوساطة لوقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران، وتعمل عن كثب مع الولايات المتحدة لضمان عدم استئناف القتال.

يتوقع الكاتب أن ترامب اعتمد على قطر للمساعدة في إنهاء الحرب وإقناع إيران بالمفاوضات، بينما تكفل هو بإقناع إسرائيل. وفي المقابل، تسعى قطر لإيقاف حرب غزة، وهو ما يمكن لترامب إنجازه. قطر يمكنها أن تساعد أمريكا في الحصول على صفقة نووية إذا نجحت في إقناع إيران بوقف الحرب، وقد تقنعها بمزيد من التنازلات أو تقريب وجهات النظر.

في الختام

في الختام، يمكن القول بأن إيران قد تكون هي الرابح الأكبر حالياً، حيث أن أغلب قواعدها لم تتعرض لضربات حاسمة، وسياستها لم تُخدش.

ويبدو أنها تستفيد من انشغال أمريكا في مفاوضات معقدة. إيران الآن ستعتمد على قطر ومجلس التعاون الخليجي أكثر من ذي قبل، ربما بعد أن فقدت بعض الثقتها في روسيا والصين كـ “رهان أخير”.

يبقى السؤال: هل ستنجح هذه الجهود الدبلوماسية المعقدة في نزع فتيل الأزمة، أم أن عناد خامنئي وامتلاك إيران لـ “القنبلة القدرة” سيجر المنطقة إلى صراع أوسع؟

المزيد من الكاتب

عمالقة السماء يتنبؤون بالمستقبل: بوينغ وإيرباص ترفعان سقف التوقعات لطلبات الطائرات العالمية!

تاريخ يُكتب في الرياض: كريستيانو رونالدو يمدد عقده مع النصر السعودي لعامين إضافيين!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *