سجال أمريكي حول تأثير قنابل ترامب على منشآت إيران النووية: تقارير استخباراتية تشكك في الجدوى، وترامب يصر على "التدمير الكامل"
الفصل الأول : ظلال الانفجار... والشكوك الأولى
كانت السماء فوق إيران قد هدأت بعد ليلة دوّت فيها أصوات الانفجارات، لكن صدى الصخب الإعلامي كان لا يزال يتردد.
عناوين الصحف العريضة أعلنت “ترامب يعلن النصر المدوي!” و”نهاية طموحات إيران النووية!”، مؤكدة أن “الضربات دمرت كل شيء!”.
كانت نبرة التوقعات عالية، والوعود الرئاسية مدوية.لكن خلف الأبواب المغلقة، وفي أروقة الظل، بدأت همسات تتسرب. همسات تشير إلى أن الصورة ليست بهذه البساطة.
تقييم استخباراتي أمريكي أولي، قادم من قلب البنتاغون، تحديداً من وكالة استخبارات الدفاع (DIA)، كان يحمل خبراً قد يقلب الطاولة: الضربات على المنشآت النووية الإيرانية… لم تُدمر شيئاً!
الفصل الثاني : حقيقة على المحك - تقييم DIA يكشف المستور
سبعة أشخاص مطلعين، أصواتهم محجوبة خلف ستار السرية، أكدوا أن النتائج الأولية كانت واضحة: المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني لم تُمس.
كل ما فعلته الضربات هو تأخيره لـ “أشهر قليلة على الأكثر”. الصدمة الأكبر كانت في أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب لم يُدمر، وأجهزة الطرد المركزي “سليمة” إلى حد كبير.
ثم جاءت المعلومة الأكثر إثارة للقلق: “المعلومات الاستخباراتية التي قيّمت اليورانيوم المخصب قد نُقلت من المواقع قبل الضربات الأمريكية.”
هل كانت إيران تعلم مسبقاً؟ وهل كانت العملية مجرد “تأجيل” بسيط لا “تدمير كامل”؟
الفصل الثالث : لعبة الظلال - إسرائيل، القنابل الخارقة، وأسرار الإحاطات الملغاة
قبل أن تدوي قنابل الـ B-2 الأمريكية في سماء إيران، كانت إسرائيل قد بدأت فعلاً بضربات على منشآت نووية إيرانية.

لكن المفاجأة كانت في طلبها: إسرائيل زعمت أنها بحاجة إلى قنابل أمريكية خارقة للتحصينات بوزن 30 ألف رطل لإنجاز المهمة.
أكثر من اثنتي عشرة قنبلة ضخمة سقطت من قاذفات B-2 الأمريكية على منشأتي فوردو ونطنز، لكن ما كشفه المطلعون على التقييم الاستخباراتي كان صادماً: حتى هذه القنابل المدمرة لم تُدمر بالكامل أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم عالي التخصيب. اقتصر التأثير على الهياكل فوق الأرض فقط.
حتى التقييم الإسرائيلي للضربات الأمريكية وجد أن الأضرار في فوردو كانت أقل من المتوقع، ومع ذلك ظل المسؤولون الإسرائيليون متمسكين برواية “التأخير لمدة عامين” للبرنامج الإيراني، وهي نفس المدة التي أعلنوها علناً حتى قبل العملية الأمريكية.
وزير الدفاع بيت هيغسيث خرج مجدداً على CNN بتصريحات حاسمة، مؤكداً أن “حملة القصف التي شنّيناها قضت على قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية”، مهاجماً المشككين.

ترامب لم يتراجع، مصرّاً على “التدمير الكامل”، وشن هجوماً نارياً على وسائل الإعلام، معترفاً للمرة الأولى بأن المعلومات الاستخباراتية “غير حاسمة” و”أولية”، وملمحاً إلى أن إسرائيل “ستقدم صورة أوضح قريباً بنتائجها الخاصة“.
من وكالة استخبارات الدفاع، أكدوا أنهم “لم يتمكنوا بعد من مراجعة المواقع الفعلية نفسها”، كاشفين عن تحقيق جارٍ لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في “الكشف غير المصرح به عن معلومات سرية”.
حتى رئيس هيئة الأركان المشتركة، دان كين، التزم الحذر، قائلاً إن “سيكون من ‘المبكر جداً’ التعليق على ما إذا كانت إيران لا تزال تحتفظ ببعض القدرات النووية“.
لكن الكشف الذي غير كل شيء جاء من النائب الجمهوري مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب.
ماكول قال بوضوح: “لقد أُطلعتُ على هذه الخطة في الماضي، ولم يكن الهدف منها تدمير المنشآت النووية بالكامل، بل إحداث أضرار جسيمة. لكن كان من المعروف دائماً أنها انتكاسة مؤقتة.
” جيوفري لويس، خبير الأسلحة، عزز هذه الرواية بتحليله لصور الأقمار الصناعية التجارية، مؤكداً أن “وقف إطلاق النار جاء دون أن تتمكن إسرائيل أو الولايات المتحدة من تدمير العديد من المنشآت النووية الرئيسية تحت الأرض.”
ومع كل هذه التناقضات، اتخذ الأمر منحى أكثر درامية: جلسات إحاطة سرية لمجلسي النواب والشيوخ بشأن العملية أُلغيت فجأة! النائب الديمقراطي بات رايان اتهم ترامب مباشرة: “ترامب ألغى للتو إحاطة سرية في مجلس النواب بشأن الضربات الإيرانية دون أي تفسير.
السبب الحقيقي؟
يزعم أنه دمر ‘جميع المنشآت والقدرات النووية’، ويعلم فريقه أنهم لا يستطيعون إثبات هراءه وتهديداته.”
الفصل الرابع : كشف المروع - قنابل بلا جدوى، نوايا خفية، وسباق نحو الهاوية
لطالما همست الأروقة الاستخباراتية بسؤال مؤرق: هل يمكن للقنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات الضخمة أن تُدمر حقاً المواقع النووية الإيرانية المدفونة في أعماق الأرض، خاصة في فوردو وأصفهان؟
جاء الرد صادماً: في أصفهان، لم تستخدم الولايات المتحدة القنابل الخارقة! بدلاً من ذلك، ضربتها بصواريخ توماهوك، في اعتراف ضمني بأن القنبلة لن تنجح على الأرجح في اختراق الطبقات السفلية من أصفهان.

مسؤولون أمريكيون أكدوا اعتقادهم بأن إيران تحتفظ أيضاً بمنشآت نووية سرية أخرى لم تُستهدف في الضربة، ولا تزال قيد التشغيل. صور الأقمار الصناعية لـ “ماكسار تكنولوجيز” أكدت الأضرار الخارجية المرئية في فوردو، لكنها لم تجب عن السؤال الأهم: هل وصل الدمار إلى قلب المنشأة؟
بينما يسرع الرئيس ترامب لوصف الضربات بأنها “نجاح عسكري باهر”، ترفع مصادر عسكرية غربية لـ CNN راية حمراء: “لا يزال من السابق لأوانه تقييم الأضرار.” المفارقة المأساوية: حتى لو ثبتت مزاعم ترامب بتدمير المنشآت، فإن هذا قد لا يعني نهاية التهديد النووي الإيراني، بل قد يدفع المتشددين لامتلاك سلاح نووي كرادع.
أحد أبرز مؤشرات هذا التحول هو التلويح العلني بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT).
الرعب يزداد: مسؤولون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية غير متأكدين من مكان المواد النووية الإيرانية المصنعة، بما في ذلك كميات كبيرة من اليورانيوم 235 المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة قريبة جداً من مستويات الأسلحة! وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية تزعم أن المواقع المستهدفة قد تم “إخلاؤها” مسبقاً، مما يثير احتمال نقل المواد إلى منشآت سرية.
ترامب، في خطابه الرئاسي، أمر إيران “أن تصنع السلام الآن”.
لكن الواقع المرير على الأرض يحكي قصة مختلفة. المنطقة بأسرها تستعد لمزيد من الضربات الانتقامية الإيرانية.
دبلوماسي أوروبي محبط لـ CNN أكد: “كانت محادثاتنا مع إيران فرصة حقيقية”، لكن هذه الفرصة “أغلقها الأمريكيون الآن
الفصل الخامس : قلب المعركة - حجم الضرر الحقيقي، وألغاز فوردو المدفونة
طائرات حربية، غواصات، صواريخ كروز، وقنابل تزن 13 ألف كيلوجرام. بعد أن فضّل ترامب الدبلوماسية في البداية، لجأ إلى استخدام استثنائي للقوة، ضارباً ثلاثة من أهم المواقع النووية الإيرانية: فوردو، نطنز، وأصفهان.

فوردو: أهم منشأة تخصيب نووي في إيران، مدفونة في عمق جبل. يُعتقد أن قاعاتها الرئيسية تقع على عمق 80 إلى 90 متراً تحت الأرض. مسؤول أمريكي صرح بأن 6 قاذفات B-2 أسقطت 12 قنبلة GBU-57 عليها.
تحليل CNN لصور الأقمار الصناعية أظهر ست حفر كبيرة في الموقع.
رافائيل غروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكد “تأثيراً حركياً مباشراً”، ولكنه شدد على أنه من السابق لأوانه الحكم على الأضرار الداخلية.
ديفيد أولبرايت، خبير الأسلحة، رأى في الصور “احتمال إلحاق ضرر كبير”، مشيراً إلى أن “الدمار الكامل للقاعة تحت الأرض قد حدث” ولكنه يحتاج وقتاً للتقييم الكامل.
صور الأقمار الصناعية كشفت أيضاً عن تغيرات في لون سفح الجبل (رماد رمادي) وعن تعزيز إيران لمداخل الأنفاق قبل الضربات.

ديفيد أولبرايت، خبير الأسلحة، رأى في الصور “احتمال إلحاق ضرر كبير”، مشيراً إلى أن “الدمار الكامل للقاعة تحت الأرض قد حدث” ولكنه يحتاج وقتاً للتقييم الكامل.
صور الأقمار الصناعية كشفت أيضاً عن تغيرات في لون سفح الجبل (رماد رمادي) وعن تعزيز إيران لمداخل الأنفاق قبل الضربات.
نطنز: أكبر مركز تخصيب نووي في إيران، استُهدف أيضاً في الهجوم الأمريكي بقنبلتين خارقتين للتحصينات، بالإضافة إلى 30 صاروخ توماهوك.
تحليل CNN أظهر حفرتين جديدتين فوق الأجزاء المدفونة. لكن مدى الضرر تحت الأرض ظل غير واضح.

أصفهان: أكبر مجمع للأبحاث النووية، والذي يعمل فيه 3000 عالم. ظهر ما لا يقل عن 18 مبنى مدمراً أو جزئياً في صور الأقمار الصناعية، واسود الموقع بشكل واضح.

أولبرايت أشار إلى تقارير أولية تفيد بأن الولايات المتحدة قصفت أيضاً مجمعات أنفاق بالقرب من الموقع “حيث تُخزن عادةً اليورانيوم المخصب”، مما يشير إلى سعي أمريكي للتخلص من مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و60%.

كما لوحظت أضرار في مداخل الأنفاق المؤدية إلى المجمع تحت الأرض، مع ردم المداخل بالتربة كإجراء احتراطي.

الجنرال دان كين أكد إطلاق صواريخ توماهوك على “أهداف رئيسية للبنية التحتية السطحية” في أصفهان.
الفصل السادس : عاصفة الداخلية - سجال المصداقية، لعبة الحقائق، ومستقبل مجهول
بينما كانت الهدنة الهشة بين إيران وإسرائيل تمر بيومها الثالث، انفجرت عاصفة سياسية مدوية في قلب واشنطن.
ترامب رفض بشكل قاطع التقييم الاستخباراتي الأمريكي المصنف “سري للغاية”، واصفاً إياه بـ “الخاطئ تماماً”، ومشبهّاً ضرب إيران بقصف هيروشيما وناجازاكي، ومصرّاً على أنه “دمره بالكامل“.

في خطوة غير متوقعة، وزع البيت الأبيض بياناً رسمياً باسم “لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية”، مؤكداً أن “الضربة الأمريكية المدمرة على منشأة فوردو دمرت البنية التحتية الحيوية للموقع وجعلت منشأة التخصيب غير صالحة للعمل بالكامل”.
هذا البيان، الذي أكد أن الضربات “عرقلت قدرة إيران على تطوير سلاح نووي لسنوات عديدة”، صدر عبر قنوات البيت الأبيض قبل نشره في الإعلام الإسرائيلي نفسه!
لكن السجال لم يقتصر على واشنطن وتل أبيب.
ففي طهران، وبعد تقليل مسؤولين إيرانيين من حجم الضرر، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، بكشف مثير: “إن المنشآت النووية الإيرانية تضررت بشدة بعد الهجمات الإسرائيلية والأمريكية المتكررة.”
خاتمة الفيلم : انعكاس على الواقع العربي - أصداء الحرية في زمن الكتمان
انتهى المشهد العسكري، لكن معركة الروايات والشكوك لم تنتهِ بعد. فبين إعلان ترامب عن “التدمير الكامل”، والتقييمات الاستخباراتية التي تشير إلى ضرر سطحي ووجود منشآت سرية، وادعاءات إيران بتخفيف الأضرار وحتى إخلاء المواقع مسبقاً، تظل الحقيقة ضبابية، مجزأة، ومشتتة كبقع الرماد فوق فوردو وأصفهان.
هل كان هذا مجرد استعراض للقوة، أم محاولة حقيقية لوقف برنامج نووي متسارع؟
في ظل هذه الفوضى المعلوماتية، كيف يشعر المواطن الأمريكي العادي، الذي يتلقى رسائل متضاربة من رئيسه ومؤسساته الاستخباراتية؟
هل يثق بالقيادة التي تتلاعب بالحقائق؟
وكيف يتفاعل العالم مع هذا التصعيد الذي يهدد السلام العالمي، ويدفع قوة نووية محتملة نحو امتلاك سلاح ردع؟
وبالنظر إلى المشهد الأوسع، فإن هذه الأحداث ليست بعيدة عن واقعنا.
ففي ليبيا، حيث تعيش الشعوب العربية تحت وطأة صراعات القوى الكبرى والتدخلات الخارجية، تتجلى هذه القصة كتحذير.
لقد رأينا كيف تطورت القصة في الولايات المتحدة: تقرير استخباراتي “سري للغاية” يشكك في رواية الرئيس، وتسريبات تضرب صميم ادعاءاته بالنصر.
رأينا الرئيس يغضب، ويهاجم الإعلام، لكنه لم يتعرض للصحف والقنوات للتهديد أو القمع أو الاعتقال.
بل اكتفى بالرد والتبرير، والدفاع عن وجهة نظره عبر الصحافة نفسها.
هذا يعكس واقعاً أساسياً في الأنظمة الديمقراطية: حتى أقوى الرؤساء لا يمكنهم إخماد صوت الصحافة الحرة، حتى لو كانت تنتقد أو تكشف ما يتعارض مع روايتهم الرسمية.
لكن ماذا لو أن إحدى الصحف الليبية أو العربية نشرت تقييماً استخباراتياً مشابهاً يتعلق برئيس الدولة أو الوزراء أو جهة عسكرية؟ الجواب، للأسف، قاسٍ ومرير.
ففي غالب الأحيان، ستتعرض تلك الصحف للانتهاك والضرر بقوة شديدة.
قد يواجه الصحفيون التهديد بالعنف، الاعتقال، أو حتى بالقتل والسجن.
ستكون الكلمة الحرة جريمة لا تغتفر، وستكون الحقيقة أسيرة للرواية الرسمية الوحيدة.
إن ما حدث في الولايات المتحدة هو درس حي في أهمية حرية التعبير والصحافة الحرة.
يوضح أن النقاش المفتوح، حتى لو كان ساخناً، هو صمام أمان للمجتمع، ووسيلة للمساءلة، وضمان لحق الشعب في معرفة الحقيقة.
على الجهات المسؤولة في ليبيا، وفي جزء كبير من الدول العربية، أن تدرس هذه المواقف بعمق.
يجب عليها السير قدماً نحو تقبل الرأي الآخر بكل واقعية، والرد عليه بالطرق السليمة والصحيحة، قبل فوات الأوان.
فالحرية ليست مجرد شعار، بل هي أساس بناء مجتمعات قوية، واعية، وقادرة على حماية نفسها وتحديد مستقبلها.
فمتى ستستمع أصوات السلطة لصوت الشعوب وتدرك أن قوة الدولة تكمن في قوة شعبها وحريته في التعبير عن الحقيقة؟