ليلة “مطرقة منتصف الليل”: الشرق الأوسط على صفيح ساخن واللعبة الكبرى تتكشف

مع دخول الصراع في الشرق الأوسط يومه الحادي عشر، تحولت المنطقة إلى برميل بارود يشتعل، كاشفاً عن فصول جديدة من المواجهة التي تجاوزت كل التوقعات.

كانت ليلة الثالث والعشرين من يونيو ليلة لا تُنسى، حينما اهتزت الأرض تحت أقدام الإيرانيين بفعل ضربات “مطرقة منتصف الليل” الأمريكية، التي استهدفت قلب برنامجهم النووي.

لم تكن مجرد ضربات، بل كانت إعلاناً صريحاً عن مرحلة جديدة من الصراع، أثارت إدانات دولية وتحذيرات من فوضى عالمية، بينما توعد الحرس الثوري الإيراني بردود “مؤلمة” كشفت عن أوراق جديدة في جعبته.

سر الشبح: كيف دقت "مطرقة منتصف الليل" الأبواب النووية الإيرانية؟

في ساعات الفجر الباكر، حلقت طائرات B-2 الشبحية، كأشباح صامتة قادمة من البعيد، في مهمة لم يشهدها التاريخ الحديث.

ست قاذفات انطلقت من القواعد الأمريكية في ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية، في رحلة استغرقت 37 ساعة متواصلة، قاطعة آلاف الأميال عبر المحيطات.

لم يكن اختيار المسافة من قبيل الصدفة؛ فقد كانت رسالة أمريكية واضحة: تجنب جر دول الخليج الحليفة إلى قلب المعركة، وإبقاء الصراع بعيداً عن أراضيها وقواعدها. هذا التكتيك يهدف إلى تقليل مخاطر أي تصادم قد يورط حلفاء واشنطن بشكل مباشر في رد إيراني محتمل.

هذه القاذفات، وحدها القادرة على حمل قنبلة GBU-57A/B Massive Ordnance Penetrator (MOP)، أو كما تُعرف بـ”أم كل القنابل الخارقة للتحصينات”، كانت تحمل معها قدرة تدميرية غير مسبوقة.

هذه القنبلة العملاقة، بوزنها الذي يقارب 14 طناً، صُممت خصيصاً لاختراق أعنف التحصينات، فهي قادرة على اختراق أكثر من 60 متراً من الخرسانة المسلحة، وما لا يقل عن 8 أمتار من الخرسانة فائقة الصلابة.

كانت “MOP” السلاح الأمثل لاستهداف منشأة فوردو النووية الإيرانية، المدفونة عميقاً داخل جبل وتحت مئات الأقدام من الأرض، والتي تُعد نقطة الارتكاز لبرنامج تخصيب اليورانيوم.

العملية، التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها “نجاح عسكري باهر وانتصار ساحق”، استهدفت أيضاً منشأتي نطنز وأصفهان، لتصيب قلب القدرات النووية الإيرانية.

أسقطت 12 قنبلة MOP على فوردو واثنتان أخريين على نطنز، بينما أطلقت غواصات أمريكية 30 صاروخ توماهوك كروز باتجاه نطنز وأصفهان.

أكد وزير الدفاع الأمريكي أن الضربات لم تستهدف الأفراد، بل “قضت على طموحات إيران النووية”، مشيراً إلى أن العملية استغرقت “أشهراً وأسابيع من التحضير الدقيق”.

الصور الفضائية التي التقطتها شركة ماكسار تكنولوجيز أكدت حجم الأضرار في فوردو، كاشفة عن ست حفر عميقة نتيجة اصطدام القنابل الأمريكية.

ولكن، وعلى الرغم من هذا الهجوم المباغت، أشارت تقارير إيرانية إلى أن المواد النووية الحساسة والقيمة قد تم إخلاؤها أو نقلها من المنشآت المستهدفة قبل الضربات.

هذا الأمر، إن صح، يقلل من حجم الضرر الفعلي ويطرح تساؤلات حول مدى نجاح العملية في تدمير البنية التحتية الحيوية للبرنامج النووي الإيراني بشكل كامل.

رد الفعل الهائل: غارات إسرائيلية عميقة تقابلها صواريخ إيرانية تدك "الجغرافيا"

لم يكد العالم يستوعب صدمة “مطرقة منتصف الليل”، حتى شهد يوم 23 يونيو تصعيداً عسكريًا غير مسبوق قلب الموازين في المنطقة.

في ساعات النهار، شن الجيش الإسرائيلي هجوماً جوياً هو الأشد والأعنف، شاركت فيه حوالي 50 طائرة مقاتلة، لتُلقي بظلالها على مواقع متفرقة وعميقة داخل إيران.

لم تكن هذه الضربات عشوائية، بل استهدفت بدقة مطارات حيوية: تبريز، قم، ومهر آباد في طهران، بالإضافة إلى مطار في منطقة يزد وسط إيران، ومطار مدينة إيلام، وعاودت استهداف المناطق الغربية في إيران، حيث تتركز القواعد العسكرية، الدفاعات الجوية، ومواقع إطلاق الصواريخ.

هذا الاستهداف المكثف للمطارات، الذي تكرر في سلسلة من الضربات، أكد تركيز إسرائيل على شل القدرة اللوجستية والجوية الإيرانية.

في هذا التصعيد الجديد، كشفت إسرائيل عن أوراق جديدة، معلنة أنها استخدمت صواريخ لأول مرة في هذه المواجهة المباشرة، لتدشن بذلك مرحلة جديدة من الاشتباك الذي يتجاوز الخطوط التقليدية.

من بين الصواريخ الإسرائيلية المستخدمة، كانت صواريخ عماد التي تحمل في طياتها قوة تدميرية هائلة: مدى يصل إلى 1700 كلم، سرعة خارقة تبلغ 11 ماخ (أي 11 ضعف سرعة الصوت)، وتحمل رأساً حربياً يزن 750 كجم.

كما ظهر صاروخ قدر، بقدرات مماثلة، بمدى يتراوح من 1350 إلى 1950 كلم، ويعمل بالوقود السائل والصلب مع رأس حربي يتراوح وزنه بين 110 و700 كجم. هذه الصواريخ الدقيقة كانت رسالة إسرائيلية واضحة بأنها قادرة على الوصول إلى أي نقطة داخل الأراضي الإيرانية.

في المقابل، كان رد إيران مدوياً وشاملاً، أشعل سماء إسرائيل بوابل من الصواريخ.

شهد اليوم ذاته دوي صفارات الإنذار في كامل أرجاء إسرائيل، من أقصى الشمال إلى الجنوب، لأكثر من ساعة ونصف، لتسجل بذلك أطول فترة إنذار تشهدها الحرب حتى الآن، في مشهد لم يعهده الإسرائيليون من قبل.

كانت تلك اللحظات اختباراً قاسيًا لسكان المدن والبلدات، الذين هرعوا مراراً وتكراراً نحو الملاجئ والأماكن المحمية، في سباق مع الزمن ضد صواريخ إيرانية بدأت تظهر فتكاً أكبر من ذي قبل.

كانت الصواريخ الإيرانية تسقط على دفعات متتالية، مسببة إرباكاً غير مسبوق للدفاعات الإسرائيلية.

أعلنت إيران عن إطلاق 40 صاروخاً باليستياً، بالإضافة إلى عشرات المسيرات التي زحفت نحو الأراضي الإسرائيلية.

من أبرز هذه الصواريخ كان صاروخ “خيبرشكان” (مدمرة القلاع) متعدد الرؤوس، وهو الجيل الثالث من صواريخ القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري.

هذا الصاروخ فائق السرعة، والذي يوجه التشويش الراداري، يتميز بقدرته الفريدة على مغادرة المجال الجوي بعد الإطلاق، ثم يتحرك أفقياً، وعند وصوله للهدف، ينفصل الرأس الانفجاري ويعود للمجال الجوي الفضائي، ما يجعله غير قابل للرصد.

وتكمن قوته المدمرة في امتلاكه ما يصل إلى 80 رأساً انفجارياً صغيراً، مما يعزز قدرته التدميرية بشكل هائل.

كما استخدمت إيران صواريخ فتاح من الجيل الثاني وصاروخ خيبر شكن بمدى 1450 كلم وسرعة 9 ماخ ورأس حربي يزن 500 كجم.

كانت الإصابات الإيرانية تبدو محققة ومباشرة، خاصة في المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية جنوب تل أبيب، على خط مباشر يمتد من الحدود الإيرانية الغربية وحتى شمال إسرائيل (حوالي 1000 كيلومتر) وإلى الجنوب (نحو 1200 كيلومتر)، وهي مديات تقع ضمن نطاق الصواريخ الإيرانية.

سجلت إصابات مباشرة قرب حيفا وجنوب تل أبيب وأسدود التي تعتبر استراتيجية بامتياز لما تحتويه من أهم منشآت الطاقة الكهربائية التي تغذي مناطق شاسعة، بالإضافة إلى وجود قاعدة عسكرية بحرية حيوية على البحر الأبيض المتوسط. هذه القاعدة، التي تنطلق منها البوارج الإسرائيلية وتُستخدم أيضاً في اعتراض السفن المتجهة لقطاع غزة والاستيلاء عليها، تعرضت لأضرار بالغة بسبب الاستهداف الصاروخي الإيراني المباشر.

أما في الشمال الإسرائيلي، فقد استهدفت الصواريخ الإيرانية مواقع حيوية مثل ميناء حيفا والمناطق المحيطة به، وأدت لإخراج واحدة من أهم شركات تكرير النفط عن العمل، والتي أوقفت عملياتها بشكل كامل بسبب الضربات الإيرانية.

وباتت هذه الضربات تهدد حقول النفط والغاز الطبيعي الواقعة غرب حيفا، من بينها حقلا تامر ولفيتان، واللذين خفضا أو أوقفا إنتاجهما كنتيجة طبيعية لتوقف شركة تكرير النفط في حيفا، مما ينذر بأزمة طاقة محتملة.

وفي رد مباشر، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بأن جيش الدفاع الإسرائيلي “يضرب حالياً بقوة غير مسبوقة أهدافاً للنظام وأجهزة قمع حكومية في قلب طهران”.

وأكد كاتس أن صور الأضرار سيتم نشرها قريباً، وتوعد بأن “مقابل كل صاروخ يُطلق على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، سيُعاقب الديكتاتور الإيراني بشدة، وستستمر الضربات بكامل قوتها”.

كما شن سلاح الجو الإسرائيلي موجة جديدة من الغارات على أهداف عسكرية في طهران، وهجوم إسرائيلي جديد استهدف منشأة فوردو النووية في منطقة قم بإيران، في محاولة لإعادة الكفة الميدانية.

حرب المسيرات: أشباح المراقبة تسقط وتكتيكات القتال تتغير

في ظل هذا التصعيد الجوي والصاروخي المحموم، برزت حرب الطائرات المسيرة كعنصر حاسم وغير متوقع، تزيد من تعقيد ساحة المعركة.

لوحظ تصاعد لافت في وتيرة إسقاط الطيران الإسرائيلي المسير من قبل إيران، في دليل على تحول تكتيكي بارز.

تعتمد إسرائيل بشكل كبير على طائرة إلبيت هرمز 900 المسيرة للمراقبة والتجسس وترحيل الاتصالات.

هذه الطائرة الإسرائيلية بدون طيار، متوسطة الحجم ومتعددة الحمولة، صُممت للمهمات التكتيكية في الارتفاعات المتوسطة ومدة التشغيل الطويلة (تصل إلى 30 ساعة في الجو، وتعمل على ارتفاع أقصى يبلغ 30,000 قدم).

مهمتها الرئيسية هي المراقبة والتنصت وترحيل الاتصالات، ولها قدرة على حمل مستشعرات كهروبصرية أو تحت حمراء، ومحدد أهداف أرضية متحركة، ومعدات استخبارات إلكترونية واتصالات، ومعدات حرب إلكترونية، ورادارات ذات فتحة اصطناعية ومستشعرات فائقة المطيافية.

إنها من طائرات الحرب الإلكترونية التي تؤمن استطلاعاً إلكترونياً ورصداً دقيقاً وحتى التجسس على وسائل الاتصالات والتصنت.

من مواصفاتها أنها تحلق بارتفاع متوسط إلى أقصى حد 30000 قدم وحجمها متوسط وقد تشاغل الرادارات الإيرانية لأنها ذات بصمة رادارية محدودة وسرعتها متوسطة.

وتستخدمها إسرائيل في إيران لأعمال التجسس الدقيق، ولديها قدرة مجسات إلكترونية بالإضافة إلى الأشعة تحت الحمراء لرصد نشاطات وفعاليات ومطاردة في بعض الأحيان للأهداف عبر ما يصدر من إشعاع سواء كان من أفراد أو معدات أخرى بما فيها العجلات، وهي في ذات الوقت تؤمن جهدًا استخباراتياً لا غنى عنه.

في الميدان، من الملاحظ أن إسرائيل تعتمد على الطائرات بأنواعها لفرض هيمنتها الجوية، بينما إيران تعتمد بشكل أكبر على قدراتها الصاروخية لتحدي هذه الهيمنة.

فالضربة الجوية تحتاج في كثير من الأحيان إلى المعلومة الاستخباراتية الدقيقة لتعويض التمويه والتشويش الذي يهدف لتضليل الأقمار الصناعية.

هذا يقتضي وجود مسح إلكتروني على مستوى منخفض، وعلى دقة عالية جداً يستعصي على الأقمار الصناعية، لذا تُسند لهذه الطائرة هرمز 900 هذه المهمة الاستخباراتية الحساسة.

لكن إيران بدأت تتصدى لهذه الطائرات بفعالية فائقة بواسطة الصواريخ الدقيقة المحمولة على الكتف، التي تباغت هذه الطائرات وتصيبها في مقتل. أصبحت إيران تسقط طائرات هرمز 900 بانتظام بواسطة هذه الصواريخ، بالنظر إلى أن مناورة هذه الطائرة بسيطة مقارنة بالطائرات الحربية الإسرائيلية الأخرى.

وتأكيداً على هذا التحول، أعلنت الشرطة الإيرانية عن اعتقال شبكة متورطة في إطلاق المسيرات من المناطق الجبلية شمال غرب طهران، ما يشير إلى جهود أمنية داخلية لمواجهة التهديدات من مصادر غير حكومية أو خلايا نائمة داخل البلاد، قد تكون مرتبطة بأنشطة التجسس الجوي.

الجغرافيا: عامل الحسم في هذه المواجهة الدامية

في هذا الصراع المتصاعد، تتضح الصورة: إيران بدأت تتحكم في مجريات العمليات العسكرية أكثر من إسرائيل.

فرغم أن كل طرف يستخدم أسلوباً معيناً مختلفاً عن الآخر حربياً وتكتيكياً، إلا أن عنصراً واحداً حاسماً يرجح الكفة عسكرياً: الجغرافيا ومساحة الدولتين.

تجمع الناس في ملجأ تحت الأرض في تل أبيب، 23 يونيو/حزيران 2025، بعد انطلاق صفارات الإنذار في عدة مناطق في أنحاء البلاد إثر إطلاق صواريخ من إيران

إنها ليست مجرد خرائط، بل هي عامل استراتيجي يحدد مسار المعركة.

فمساحة إيران المترامية الأطراف تمنحها قدرة هائلة على المناورة وتحريك أهدافها في مناطق نائية وبعيدة عن التجمعات السكانية الرئيسية.

تجمع الناس في ملجأ تحت الأرض في حيفا، 23 يونيو/حزيران 2025، بعد إطلاق صواريخ من إيران

هذا التكتيك يبعد الضربات الإسرائيلية عبر طيرانها عن المناطق المأهولة بالسكان والبنى التحتية الحيوية، جاعلاً من الجغرافيا نقطة قوة استراتيجية لا يمكن لإسرائيل مجاراتها بسهولة.

أما إسرائيل و”عقدة الجغرافيا”، فقد بدأت تتأثر بشكل متزايد مع تقادم الأيام وضعف ووهن القبة الحديدية.

تجمع الناس في ملجأ تحت الأرض في حيفا، 23 يونيو/حزيران 2025، بعد إطلاق صواريخ من إيران

لقد حاولت إسرائيل تعويض محدودية مساحتها الجغرافية بالتركيز على مستوى قتالي حربي عالٍ جداً عبر الطيران، لكن هذه النظرية بدأت تتراجع.

اليوم، تجد إسرائيل نفسها تتحول إلى وضع دفاعي، مع تزايد صعوبة التعامل مع هجمات صاروخية واسعة النطاق تستهدف مناطقها المحدودة، والتي أصبحت أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى.

في الوقت ذاته، وبعد استيعاب الصدمة الأولى، بدأت إيران تراهن بذكاء على الخواص الفنية المتقدمة لصواريخها الباليستية، مطبقة معادلة جديدة تقلب المفاهيم العسكرية: كلما قللت من الحشوة الدافعة للصاروخ، سيقل مداه، لكن في المقابل تعزز الرأس الحربي للصاروخ بقدرات تدميرية أكبر.

هذا التكتيك يأتي لأنها تحتاج لإصابة أهدافها لمسافات أقصر من المسافة القصوى للصاروخ، وهذا يؤدي إلى قدرات تدميرية أعلى وأقوى. هذه المعادلة المبتكرة جعلت الصاروخ الواحد يمتلك قوة تدميرية تعادل ثلاثة صواريخ تقليدية.

هذه الاستراتيجية أصبحت تعمل عليها إيران بإدخال صواريخ متوسطة لكنها أصبحت أقرب إلى بعيدة المدى مع تقوية قدرة الصاروخ التدميرية إلى ثلاثة أضعاف. إضافة إلى ذلك، تعتمد إيران على توزيع المساحات المستهدفة للصواريخ في جميع مناطق إسرائيل (الشمال والوسط والجنوب) في نفس اللحظة، وهذا التكتيك أربك القدرات الدفاعية لإسرائيل اليوم بشكل كبير، وجعلها في موقف صعب للغاية.

صراع المضائق: هرمز، باب المندب، وتحولات في لعبة القوى الكبرى

تتوقع التقديرات الأمريكية رداً إيرانياً على القوات الأمريكية قريباً خلال يوم أو يومين، خاصة بعد التفويض الذي منحه البرلمان الإيراني للهيئة الأمنية العليا في إيران فيما يخص إغلاق مضيق هرمز.

ولكن، قراءتنا الاستراتيجية في الحقيقة تشير إلى أن البرلمان قد حول صلاحياته للهيئة لاتخاذ القرار المناسب، وهذا يعني أن إغلاق مضيق هرمز مستبعد. هذا الإجراء، إن حدث، سيؤمن مبدئيًا للولايات المتحدة الأمريكية التموضع في المضيق لإحكام قبضتها عليه، وسحب منطقة الشرق الأوسط إلى صراع يتجاوز حدودها، ويربطه بـ”مضيق بنما”، ليشكل ورقة ضغط صينية على الولايات المتحدة الأمريكية في سلاسل تدفق البترول.

إيران تقرأ هذه المعطيات بدقة، وتدرك أن وضع قرار الإغلاق بيد الاستراتيجية العليا للدولة يؤكد الحرص على عدم استهداف حلفائها، وعلى رأسهم الصين، في لعبة القوى العالمية.

فالصراع الدائر هو جزء من نظام دولي جديد، تديره قوى عظمى كالولايات المتحدة وحلفائها (بريطانيا وفرنسا)، والصين وحليفتها روسيا.

هذا التوازن المعقد يفرض قيوداً على الإجراءات ومراعاة التوازنات الدولية.

لذا، فإن غلق هرمز سيؤثر سلباً أيضاً على دول الخليج والعراق، الحليفة لإيران، والتي تعتمد اقتصاداتها على تصدير النفول.

وبدلاً من ذلك، فإن الرد الإيراني المتوقع، والذي أكده رئيس الأركان الإيراني، سيكون حازماً ومتناسباً مع فعل المعتدي.

نتوقع أن ترفع إيران من ضغط العمليات في الجبهة الداخلية لإسرائيل، بهدف إنهاك إسرائيل وقبتها الحديدية وأنظمتها الدفاعية، وأيضاً إنهاك حلفائها الذين يشكلون خط دفاع وصد وردع للعمليات التي تقوم بها القوات المسلحة الإيرانية اتجاه إسرائيل.

ولربما تنتقل إيران إلى المعركة البحرية، ولكن ليس بإغلاق هرمز. ففي مضيق باب المندب، تملك إيران قدرة مناورة ومشاغلة عالية جداً، خاصة مع التموضع القوي للحوثيين وقدراتهم القتالية والصاروخية الفاعلة والمؤثرة في هذه المنطقة الساحلية الجبلية.

سيتركز الضغط على باب المندب كخيار بحري، مع استبعاد أي قصف للقواعد الأمريكية في الخليج، حرصًا على علاقاتهم بين دول الخليج وإيران لأنهم في قادم الأيام ومن الواضح أننا على أعتاب تسوية سياسية، وستحتاج إيران إلى دور دول الخليج كالسعودية وقطر ومصر، وسيكون دورها فاعلاً في القرار الأمريكي لإيجاد تسوية لإنهاء الصراع الجاري في الشرق الأوسط.

حصيلة صادمة للضحايا ورسائل ترامب النهائية

الضربات المتبادلة تركت حصيلة صادمة ومؤلمة.

أحصت منظمة حقوقية مقرها الولايات المتحدة، “وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان” (هرانا)، مقتل 657 شخصاً على الأقل في إيران، بينهم مدنيون وعسكريون، مستندة إلى مصادر وتقارير من داخل إيران.

وذكرت “هرانا” أن 263 مدنياً على الأقل قتلوا في جميع أنحاء إيران منذ أن بدأت إسرائيل هجومها في 13 يونيو/حزيران الجاري، من بينهم 20 طفلاً تم التحقق من هوياتهم، معظمهم في طهران.

كما قُتل 164 من أفراد الأمن، بينما لم تتمكن الوكالة من تحديد ما إذا كان الـ230 قتيلاً المتبقين مدنيين أم عسكريين.

وأفادت أنه حتى صباح الجمعة بلغ عدد المصابين أكثر من ألفين من المدنيين والعسكريين.

وأشارت الوكالة إلى أن الضربات الإسرائيلية استهدفت 21 محافظة من أصل 31 في إيران.

من جانبها، أعلنت السلطات الإيرانية يوم الأحد أن الضربات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل 224 شخصاً على الأقل، بينهم قادة عسكريون وعلماء نوويون ومدنيون.

لم تصدر حصيلة محدثة للقتلى منذ ذلك الحين. كما تسببت الضربات الإيرانية -التي شنتها طهران ردًا على الهجوم- في أضرار بإسرائيل، حيث قتل 25 شخصًا على الأقل وجرح المئات، وفقاً للسلطات الإسرائيلية.

في ختام هذا الفصل الدامي، أعلن الرئيس ترامب عن نجاح العملية وتهنئته “لمحاربينا الأمريكيين العظماء”، ليختم منشوره على “تروث سوشال” بعبارة “الآن هو وقت السلام! شكرًا لاهتمامكم بهذا الأمر”. ولكن، على الرغم من هذه الدعوة للسلام، فإن نذر الحرب تظل مخيمة على المنطقة، مع ترقب عالمي لما ستؤول إليه الأيام القادمة.

خلاصة درامية: "رقصة" الأشباح والنار على حافة الهاوية

في ليلة صيفية ملتهبة، انطلقت أشباح أمريكية من أقاصي الأرض، لا لترسم خطوطاً حمراء، بل لتُدق إسفيناً في قلب النووي الإيراني.

“مطرقة منتصف الليل” لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل كانت رقصة موت وتحدٍّ على إيقاع قنابل “MOP” التي اخترقت الجبال، ورسالة دبلوماسية خفية تجنبت الخليج.

لكن هذه الرقصة لم تمر دون ثمن، فسرعان ما اشتعلت السماء فوق تل أبيب بوابل من الصواريخ الإيرانية، وصواريخ “خيبرشكان” الفرط صوتية كشفت عن وجه جديد للردع يقلب موازين الحرب.

في هذه الملحمة الدموية، لم تعد القوة الجوية وحدها هي الحاسمة؛ فالجغرافيا لعبت دورها بامتياز ومنحت إيران المتسعة القدرة على المناورة، بينما كشفت محدودية إسرائيل عن نقطة ضعفها المتنامية.

وبينما يتأهب العالم لانتقال الصراع إلى “المعركة البحرية” في باب المندب، لا في هرمز، تظهر ملامح نظام دولي جديد، حيث تتصارع القوى العظمى على إيقاع المضائق، وتترقب تسوية سياسية قد تُنهي هذا الفصل المروع من تاريخ الشرق الأوسط. إنها ليست نهاية القصة، بل بداية لفصل جديد لا أحد يعلم إلى أين يقود، لكنه بلا شك سيُعيد تشكيل خريطة النفوذ في المنطقة والعالم.

المزيد من الكاتب

هجوم مفاجئ يهز الشرق الأوسط: ترامب يعلن ضرب منشآت نووية إيرانية وتصريحات حول الرهائن

يوم حول إيران: صدى “مطرقة منتصف الليل” يتردد في الدول المجاورة.. ترقب دولي وحراك دبلوماسي على وقع التصعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *