مقال تحليلي معمق: "مبدأ بيغن" يلتقي "نقطة اللاعودة": لماذا ضربت إسرائيل إيران الآن؟ وهل تسعى لتغيير النظام؟
آخر تحديث: قبل 7 دقائق 03:10 بتوقيت ليبيا - 01:10 بتوقيت جرينتش
شهد اليومان الرابع والخامس من المواجهة المشتعلة بين إسرائيل وإيران تصعيداً غير مسبوق، انتقل بالصراع من حرب تبادل الضربات إلى حافة الهاوية النووية، ووضع العالم أمام تساؤلات جدية حول مستقبل الشرق الأوسط والعواقب المحتملة لهذه الحرب المتفاقمة.
اليوم الخامس: "إخلاء طهران" وتصعيد بلا حدود وسط تحركات دبلوماسية متسارعة
كان فجر اليوم الخامس، 17 يونيو 2025، هو نقطة التحول الأكثر خطورة في الصراع الإقليمي المتصاعد، حيث تزامنت التحذيرات غير المسبوقة من واشنطن مع استمرار الضربات الإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية، بينما تحاول الدبلوماسية إيجاد موطئ قدم.
أمر ترامب بـ “إخلاء طهران فوراً”: رسالة متعددة الأبعاد
هذا هو الحدث الأكثر إثارة للقلق والتحليل.
ما الذي يقصده الرئيس ترامب بهذا الأمر الصادم الذي تبعه ازدحام مروري كثيف في شوارع طهران؟
. دخول مباشر في الحرب؟ أحد التفسيرات هو أن هذا الأمر يمهد لضربة عسكرية أمريكية وشيكة وواسعة النطاق على طهران، قد تكون أكثر تدميراً من الضربات الإسرائيلية.
في هذه الحالة، فإن الإخلاء هو إجراء وقائي لحماية المدنيين قبل بدء الهجوم.
. الخوف من التسرب الإشعاعي/الأسلحة الكيميائية؟
التفسير الأكثر ترجيحًا، بالنظر إلى استهداف المنشآت النووية في اليوم الرابع والهجوم الجديد على “نطنز” في اليوم الخامس، هو أن الولايات المتحدة تخشى من كارثة إنسانية وبيئية وشيكة.
إذا استمرت الضربات الإسرائيلية على المواقع النووية، أو إذا ردت إيران بأسلحة غير تقليدية، فإن هناك خطراً كبيراً من تسرب إشعاعي أو كيميائي قد يؤثر على العاصمة المكتظة بالسكان.
أمر الإخلاء في هذه الحالة يكون بمثابة تحذير أخير للمدنيين للنجاة بأنفسهم من كارثة محتملة.
هذا التفسير يدعم رواية أن واشنطن ليست متورطة بشكل مباشر في الضربات ولكنها تستشعر الخطر الوجودي.
. ضغط نفسي و”حرب أعصاب“: قد يكون الإخلاء جزءًا من حرب نفسية مكثفة لكسر الروح المعنوية للقيادة الإيرانية والشعب الإيراني، ودفعهم نحو الاستسلام أو القبول بشروط معينة، خاصة مع حديث ترامب عن “توقيع اتفاق نووي”.
الهجوم على نطنز وتأكيد الموقف الأمريكي
تزامن أمر الإخلاء مع الهجوم الإسرائيلي على نطنز يؤكد أن إسرائيل تواصل استهداف برنامج إيران النووي بشكل مباشر.
هذا التطور يجعل فرضية التسرب الإشعاعي أكثر واقعية، ويزيد من الضغوط على طهران بشكل لم يسبق له مثيل.
وفي هذا السياق المتوتر، جاء تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاطع بأن واشنطن “لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي“.
هذه التصريحات تضع خطاً أحمر واضحاً للموقف الأمريكي وتزيد من تعقيد المشهد، حيث تربط بشكل مباشر بين الضغط العسكري والدبلوماسي وبين الهدف النهائي المتمثل في منع إيران من امتلاك هذه القدرات.
الأبعاد المستقبلية: هل هي نهاية اللعبة أم بداية جديدة؟
الوضع الراهن يشير إلى أن الصراع قد وصل إلى مرحلة حرجة. استهداف المنشآت النووية، والتهديد بقتل القيادات العليا، وأمر إخلاء العاصمة، والتصريحات الأمريكية الصارمة، كلها دلائل على أن كلا الطرفين يرفع سقف المواجهة إلى أقصى حد ممكن.
. المخاطر النووية: الخطر الأكبر يكمن في إمكانية وقوع حادث نووي، سواء متعمد أو نتيجة لضربات خاطئة.
هذا من شأنه أن تكون له تداعيات كارثية على المنطقة والعالم بأسره.
. التورط الإقليمي والدولي: مع تأهب القوات الأمريكية وتصريحات ترامب، يتزايد خطر توسع الحرب لتشمل أطرافاً إقليمية ودولية أخرى، مما يحول الشرق الأوسط إلى ساحة صراع عالمي.
. مصير الاتفاق النووي والدبلوماسية: حديث ترامب عن “اتفاق” في خضم هذا التصعيد يثير تساؤلات حول طبيعة هذا الاتفاق وما إذا كانت الولايات المتحدة تسعى لفرض شروطها بالقوة.
في المقابل، تشير تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون إلى وجود “عرض أمريكي قدم إلى إيران يتضمن اقتراحاً بوقف إطلاق النار“.
هذا يعطي بصيص أمل بأن هناك قنوات دبلوماسية لا تزال مفتوحة، وأن الهدف قد يكون احتواء التصعيد وصولاً إلى تسوية ما، وإن كانت الظروف الحالية تجعل أي اتفاق يبدو بعيد المنال.
إن الساعات القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه الحرب ستنتهي بانهيار أحد الأطراف أو بتدخل دولي واسع، أو، لا قدر الله، بكارثة قد لا يحمد عقباها.
“إخلاء طهران” ليس مجرد خبر، بل هو جرس إنذار عالمي ينبئ بخطورة الوضع ويدعو لتدخل عاجل لتجنب الأسوأ، في ظل محاولات دبلوماسية مكثفة.
اليوم الرابع: تصعيد مدروس على حافة النووي
كان اليوم الرابع، الموافق 16 يونيو 2025، يوماً محورياً عكس استراتيجية التصعيد الإسرائيلية التي تستهدف، على ما يبدو، ليس فقط القدرات العسكرية الإيرانية بل أيضاً برنامجها النووي.
. استهداف المنشآت النووية: إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تضرر أربعة مبانٍ حيوية في أصفهان، بما في ذلك محطات تحويل اليورانيوم، يشير بوضوح إلى أن إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء التقليدية.
هذا الاستهداف يرفع من مستوى التوتر بشكل كبير، لأنه يمس بقلب البرنامج النووي الإيراني، ويحمل في طياته مخاطر بيئية وإنسانية هائلة في حال وقوع تسرب إشعاعي.
. “قتل خامنئي سينهي الصراع“: تصريح نتنياهو لـ ABC News لم يكن مجرد تهديد، بل إشارة إلى استراتيجية “فك الارتباط” عبر استهداف القيادة العليا، وهي خطوة إذا ما نُفذت، فستشعل المنطقة بشكل لا يمكن التكهن بعواقبه.
هذا التصريح، إلى جانب استهداف التلفزيون الرسمي الإيراني، يؤكد أن إسرائيل تسعى لشل رموز السلطة الإيرانية.
. الرد الإيراني و”حرب الاستنزاف“: ردت إيران بإطلاق موجات متتالية من الصواريخ والطائرات المسيرة، متعهدة بمواصلة الهجوم “طوال الليل”.
هذا يشير إلى استراتيجية “حرب الاستنزاف” الجوية، ومحاولة إغراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وإن كان ذلك لا يوازي حجم الرد الإسرائيلي على البعيد الاستراتيجي.
. التأهب الأمريكي: تعزيز وزارة الدفاع الأمريكية لمواقعها في الشرق الأوسط يؤكد المخاوف من اتساع نطاق الصراع، ويدل على أن واشنطن تستعد لسيناريوهات أسوأ، بما في ذلك حماية قواتها في المنطقة التي قد تصبح ساحة صراع أوسع.
في ظل تسارع وتيرة الأحداث وتطوراتها المتلاحقة، نقدم لكم هذا التحليل الشامل، والذي سيتم تحديثه باستمرار ليواكب المستجدات.
القدس، 14 يونيو 2025 – شهد صباح الجمعة تحولاً جذرياً في ديناميكيات الصراع الإقليمي، مع إطلاق إسرائيل لعملية “الأسد الصاعد” غير المسبوقة ضد قلب إيران، التي تلاها رد إيراني بـ”الوعد الصادق 3″.
بعيداً عن مجرد الردع، يبدو أن هذا الهجوم يمثل تطبيقاً صارماً لمبدأ “بيغن” الأمني الإسرائيلي، مدفوعاً بإحساس بأن طهران وصلت إلى “نقطة اللاعودة” في برنامجها النووي والصاروخي، مما ترك إسرائيل في نظر قادتها، بلا خيار سوى التحرك الآن أو مواجهة تهديد وجودي لاحقاً.
وقد أثارت الضربات، بحسب مسؤولين أمريكيين لشبكة CNN، احتمال سعي إسرائيل لتغيير النظام في إيران.
مبدأ بيغن: دفاع استباقي بلا مساومة وتوقيت حرج

تعود جذور العملية الإسرائيلية إلى ما يُعرف بـ”مبدأ بيغن“، الذي صاغه رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن عام 1981 بعد ضربة إسرائيل لمفاعل أوزيراك النووي العراقي.
ينص هذا المبدأ على التزام إسرائيل بمنع أي دولة معادية تسعى لتدميرها من امتلاك أسلحة نووية أو أي أسلحة دمار شامل أخرى. لقد شكل هذا المبدأ حجر الزاوية في السياسة الدفاعية الإسرائيلية، ملهماً لعمليات سابقة مثل قصف المفاعل النووي السوري عام 2007.
وكما أوضحت المتحدثة باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، العميد إيفي دفرين، فإن إيران كانت على وشك “ليس فقط الحصول على المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية، بل أيضاً إتقان كيفية تصنيعها”، بالإضافة إلى مضاعفة ترسانتها من الصواريخ الباليستية. هذا الإحساس بالاقتراب من “نقطة اللاعودة” هو ما دفع إسرائيل للتحرك الآن، مدركة أن انتظار وشوك التهديد قد يكون مكلفاً للغاية.
استنزاف الخيارات و"الخدعة الاستخباراتية" المحكمة
لماذا الآن، بعد عقود من محاولات إسرائيل وحلفائها الغربيين احتواء البرنامج النووي الإيراني عبر العقوبات، والتخريب، والدبلوماسية، والعمليات السرية؟
التحليل يشير إلى أن إسرائيل شعرت بأنها استنفدت كل الخيارات الأخرى.
اغتيال العلماء، عمليات التخريب الدقيقة (مثل استهداف أجهزة الطرد المركزي بمكونات معيبة وهجمات ستوكسنت)، وحتى العمليات الأخيرة ضد حزب الله، كلها كانت تهدف لكسب الوقت، أملاً في تغيير الحسابات الإيرانية أو النظام نفسه.
لكن أياً من ذلك لم يحدث، ومضت إيران قدماً.
في ضوء ذلك، كشفت صحيفة جيروزاليم بوست عن “خدعة إعلامية محكمة” نفذتها إسرائيل لتمويه إيران قبيل الضربة.
فقد وصفت إسرائيل اجتماع مجلس الأمن القومي عمداً بأنه مناقشة لمفاوضات الرهائن، وأدعت إرسال مسؤولين إلى واشنطن لجولة نووية وهمية.
كما سربت أخباراً مضللة عن خلاف مع ترامب وخطة شخصية لنتنياهو لتضليل المراقبين، ونواياه إغلاق المجال الجوي لإسرائيل استعداداً لحفل زفاف ابنه.
هدف هذه الخدعة كان تعزيز عنصر المفاجأة وتأخير الرد الإيراني.
وقد تبين أن إسرائيل نجحت في خداع قادة سلاح الجو الإيراني للاجتماع في مركز قيادة تحت الأرض، حيث تم استهدافهم. هذا التكتيك أدى إلى رفض إيران للمفاوضات وتهديدها بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، مما يؤكد فعاليته في إحداث ارتباك سياسي. وقد أثار هذا النجاح الكبير في استهداف القيادات العليا احتمال أن تكون إسرائيل تسعى لتغيير النظام في إيران، وفقاً لمسؤولين أمريكيين لشبكة CNN

حرب شاملة: جوية، بحرية، سيبرانية، واستخباراتية - تفاصيل الهجوم وتحييد الدفاعات
العملية الإسرائيلية لم تكن مجرد ضربة جوية، بل حملة متعددة الأبعاد شملت:
التوغل الجوي العميق وتحييد الدفاعات:
. الطائرات المشاركة: أرسلت إسرائيل أكثر من 200 طائرة مقاتلة، وشملت هذه القوة طائرات متطورة مثل F-35 (الشبحية)، وF-16، وF-15. استخدام طائرات F-35 يشير إلى محاولة اختراق الدفاعات الإيرانية بأقل قدر من الكشف الراداري، مما يسمح لها بالوصول إلى أهداف ذات حماية عالية.
. المناطق المستهدفة وممر الطيران الإسرائيلي: تركزت الضربات على أهداف الدفاع الجوي الإيراني، وصواريخ أرض-أرض، في أنحاء غرب إيران، وخاصة المناطق الحدودية باتجاه العراق. هذه المنطقة حيوية بشكل خاص؛ فمن المعروف أن غرب إيران يمثل ممراً محتملاً لطيران المقاتلات الإسرائيلية التي تأتي من اتجاه العراق أو الأردن، نظراً لمسافته الأقصر نسبياً وتضاريسه التي قد توفر بعض الغطاء.
الهدف من استهداف هذه المناطق في الموجات الأولى كان تحييد أو شل قدرات الدفاع الجوي الإيراني هناك وفتح ممرات جوية آمنة للطائرات الإسرائيلية للتوغل في العمق الإيراني، وصولاً إلى أهداف مثل طهران، تبريز، ومنشأة نطنز النووية في أصفهان.
. هذا يشمل استهداف الرادارات، وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات (مثل S-300 الإيرانية)، ومراكز القيادة والتحكم الخاصة بالدفاع الجوي.
أشار خبراء عسكريون إلى أن عدم إقلاع الطائرات الإيرانية للدفاع عن الأجواء قد يكون نتيجة لتضرر المدارج أو ضرب الرادارات، مما شل قدرة الدفاع الجوي الإيراني على الاستجابة الفعالة في بداية الهجوم.
. تحديد الأهداف: تعتمد إسرائيل بشكل كبير على معلومات استخباراتية دقيقة للغاية، سواء من مصادر بشرية (الموساد)، أو الاستطلاع الجوي (طائرات مسيرة متطورة وطائرات تجسس)، أو الاستخبارات الإلكترونية (جمع إشارات الرادار والاتصالات). هذه المعلومات تمكنها من تحديد مواقع بطاريات الدفاع الجوي، نقاط ضعفها، وحتى التوقيتات المثلى لشن الهجوم لضمان عنصر المفاجأة.
عودة عمل الدفاعات الجوية في طهران (شمال وغرب ووسط): سر أم إصلاحات سريعة؟
. سماع أصوات تصدي الدفاعات الجوية لأهداف معادية في أجواء طهران (شمال وغرب ووسط) بعد الموجات الأولى من الهجوم الإسرائيلي يثير تساؤلات.
هذا يمكن أن يشير إلى عدة احتمالات:
1 . قدرة إيرانية على الإصلاح السريع/التحول إلى أنظمة احتياطية: قد تكون إيران تمتلك أنظمة دفاع جوي احتياطية متنقلة، أو قدرة على إجراء إصلاحات سريعة للأضرار الأولية، أو تفعيل بطاريات لم تُستهدف في الموجة الأولى.
2 . استخدام أنظمة دفاع جوي قصيرة المدى: من الممكن أن تكون الأصوات التي سُمعت هي لأنظمة دفاع جوي قصيرة المدى مصممة لحماية الأهداف الحساسة بشكل مباشر (Point Defense)، والتي قد تكون أكثر صعوبة في تحييدها بالكامل في ضربة أولى شاملة، أو أنها تفعّلت بعد الموجات الأولى للتعامل مع أي صواريخ أو مسيرات متبقية.
3 . تكتيك “استيعاب الضربة الأولى“: قد يكون جزء من العقيدة الدفاعية الإيرانية هو استيعاب الضربة الأولى ثم محاولة تفعيل ما يمكن تفعيله من الأنظمة الباقية أو الاحتياطية للرد على الموجات اللاحقة.
4 . سر أو خداع: لا يمكن استبعاد احتمال أن تكون هناك مفاجآت تكتيكية أو هندسية إيرانية، مثل تحريك سريع للبطاريات أو استخدام تكنولوجيات تمويهية، لكن الإصلاح الفوري لمثل هذه الأضرار الكبيرة (ضرب الرادارات ومراكز التحكم) يبدو صعباً للغاية. الأرجح هو تفعيل أنظمة لم تُستهدف أو أنظمة احتياطية كانت جاهزة للعمل.
عمليات الموساد السرية ودعم ميداني: قاد الموساد عمليات سرية معقدة في قلب إيران، استهدفت البنية التحتية الصاروخية وأنظمة الدفاع الجوي. وقد تم استخدام طائرات مسيرة وعملاء للموساد داخل إيران لتوجيه الضربات الصاروخية إلى بعض الأهداف. نشر الموساد لقطات نادرة لهذه العمليات، وهي خطوة استثنائية تُعد جزءاً من الحرب النفسية لتقويض معنويات النظام وإظهار ضعفه وقدرات إسرائيل على الاختراق العميق.
الردع البحري: اعتراض البحرية الإسرائيلية لطائرات مسيرة إيرانية فوق البحر الأحمر يوسع نطاق المواجهة ويُبرز قدرات إسرائيل الدفاعية في مناطق حيوية بعيدة عن حدودها المباشرة، ويُظهر التنسيق بين القوات الجوية والبحرية.
ساحة الحرب السيبرانية: حادثة اختراق كمبيوتر الصحفي إيهود يعاري بواسطة عملاء إيرانيين تبرز الأهمية المتزايدة للبعد السيبراني في هذا الصراع، وكيف تستخدم إيران هذه الوسائل لجمع المعلومات والتأثير، وكيف ترد إسرائيل على هذه التهديدات.

الوعد الصادق 3": تحليل الرد الإيراني وتداعياته
جاء رد إيران بعملية “الوعد الصادق 3” كخطوة محسوبة ولكنها قوية، تهدف إلى استعادة الهيبة الإيرانية بعد الاختراق الإسرائيلي لعمقها العسكري والنووي، وتغيير قواعد الاشتباك في المنطقة.
. حجم ونوع الرد: أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عن إطلاق عشرات الصواريخ من إيران باتجاه إسرائيل، بينما أفادت القناة 12 العبرية بإطلاق ما بين 150 إلى 200 صاروخ منذ بداية الهجوم. هذا العدد الهائل من الصواريخ، خاصة الباليستية، يمثل تصعيداً نوعياً غير مسبوق في الصراع المباشر بين الدولتين، ويتجاوز الضربات المحدودة التي كانت تحدث في السابق عبر الوكلاء.
. الأهداف الإيرانية المعلنة والدلالات: ذكر الحرس الثوري الإيراني أن عملية “الوعد الصادق 3” استهدفت “مواقع عسكرية ومراكز تصنيع حربي في إسرائيل، إضافة إلى القواعد الجوية التي انطلقت منها الطائرات التي هاجمت إيران اليوم“. وجاء في بيان للحرس الثوري أن “الوحدات الصاروخية والطائرات المسيرة التابعة لقوة الجو فضاء في الحرس الثوري، باستخدام مزيج من الأنظمة الذكية والدقيقة، استهدفت المراكز العسكرية والقواعد الجوية التي انطلقت منها الهجمات الإجرامية ضد إيران، وكذلك المراكز الصناعية العسكرية التي يستخدمها جيش الكيان الصهيوني في تصنيع الصواريخ والمعدات والأسلحة التي تُرتكب بها الجرائم ضد شعوب المنطقة المقاومة”.
هذا التركيز على القواعد العسكرية ومراكز التصنيع الحربي يشير إلى رسالة إيرانية واضحة بأنها قادرة على الرد المباشر على مصادر التهديد، وليس فقط الأهداف الرمزية.
. النتائج الميدانية وتحدي السردية الإسرائيلية:
.. أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية نجحت في اعتراض عدد من الصواريخ في سماء تل أبيب، وأن “فرق الإنقاذ والطوارئ تعمل في عدة مواقع بأنحاء البلاد التي وردت منها تقارير عن سقوط صواريخ”.
.. بينما أعلنت صحيفة “معاريف” أن نسبة نجاح اعتراض إجمالي الصواريخ بلغت أكثر من 95%، بمساهمة من عدة دول في الشرق الأوسط بالتعاون مع القيادة المركزية للجيش الأمريكي، وأن القوات الأمريكية شاركت في اعتراض الصواريخ.
.. على الرغم من نسبة الاعتراض المعلنة، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الهجوم الإيراني أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة أكثر من 60 آخرين. كما أشارت “القناة 12” العبرية إلى سماع دوي انفجارات قوية في تل أبيب والعديد من التجمعات السكنية وسط إسرائيل، وأن صاروخًا إيرانيًا سقط على مبنى يتكون من 50 طابقاً في تل أبيب.
.. هذا التناقض بين نسبة الاعتراض العالية والأضرار الميدانية المبلغ عنها يثير تساؤلات حول الفعالية المطلقة للدفاعات الجوية الإسرائيلية في مواجهة وابل مكثف من الصواريخ الباليستية، ويحاول الحرس الثوري الإيراني استغلاله لإظهار قدرته على اختراق الدفاعات المعادية، وإن كانت بمعدل نجاح جزئي. قد تكون بعض الإصابات ناجمة عن شظايا الاعتراض، مما يسلط الضوء على أن حتى الاعتراض الناجح لا يمنع بالضرورة كافة الأضرار.
. أهمية الرد لهيبة إيران: كان الرد الإيراني حاسماً لاستعادة “هيبتها” ونفوذها الإقليمي بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قلبها العسكري والنووي. الفشل في الرد كان سيعني ضربة قاصمة لمصداقية النظام وقدرته على الردع، ويفتح الباب أمام المزيد من الهجمات الإسرائيلية. الرد، حتى لو تسبب في خسائر محدودة لإسرائيل مقارنة بحجم الهجوم، كان ضرورياً لإيران لإظهار أنها لن تتوانى عن الرد المباشر، وتغيير قواعد الاشتباك.

تدمير جزئي لمنشأة نطنز وتعهد إسرائيلي بـ"ليلة من الجحيم"
أعلن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أن إسرائيل دمرت الجزء الواقع فوق الأرض من محطة نطنز النووية، حيث أنتجت إيران 60% من مجموع اليورانيوم المخصب لديها.
وأشار غروسي إلى أن البنية التحتية الكهربائية في الموقع ومحطة التوزيع الفرعية ومبنى إمداد الطاقة الرئيسي ونظام الطاقة الاحتياطي والمولدات الاحتياطية قد دُمرت.
ومع ذلك، لم تظهر أي دلائل على تعرض المنشأة الموجودة تحت الأرض لأضرار مادية.
وعقب الرد الإيراني، صرح مسؤول إسرائيلي كبير بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستشهد “ليلة من الجحيم” رداً على الهجوم الجوابي الذي شنته على إسرائيل، مما ينذر بمزيد من التصعيد.
تهديد إيران بإغلاق المضايق: صدمة للغرب والعرب؟

هددت إيران بإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب رداً على الهجمات الإسرائيلية، في خطوة قد تصدم الغرب وبعض الدول العربية وتحدث هزة في سوق الطاقة العالمية والتجارة البحرية.
. تهديد المضايق كـ”احتمال واقعي“: أفادت قناة IRIB TV3 الحكومية الإيرانية بأن إغلاق مضيق هرمز من قِبل إيران، ومضيق باب المندب من قِبل الحوثيين، “احتمال واقعي” رداً على التصعيد. ويعتبر هذان المضيقان ممرين بحريين استراتيجيين لنقل النفط والغاز.
. التهديدات الموجهة لمراكز الطاقة الإسرائيلية: صرح مصدر أمني إيراني لوكالة أنباء فارس بأنه “في حال تعرّضت منشآت الطاقة في إيران لهجوم، فسنرد فوراً بضربة مباشرة على مراكز الطاقة والاقتصاد الإسرائيلية”.
وفقاً لمصادر في طهران، تعد هذه التهديدات جزءاً من رد شامل على الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت أهدافاً عسكرية استراتيجية في جميع أنحاء إيران.
. تداعيات اقتصادية عالمية:
.. مضيق هرمز: يقع بين إيران وسلطنة عُمان، ويُعد أحد أهم طرق نقل النفط في العالم، حيث تمر عبره يومياً عشرات ناقلات النفط والغاز من إيران والسعودية والعراق ودول أخرى، ما يُمثل حوالي 20% إلى 30% من تجارة النفط العالمية. إغلاقه، ولو مؤقتاً، سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة، مما قد يخلق أزمة اقتصادية عالمية، وسيُشكل ضربة كبيرة لمصر وقناة السويس.
.. مضيق باب المندب: يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ممر بحري حيوي بين آسيا وأوروبا، وأحد أهم طرق التجارة العالمية للحاويات وناقلات النفط والغاز المسال.
منذ اندلاع حرب غزة، هاجم الحوثيون السفن في المنطقة بذريعة ارتباطها بإسرائيل أو حلفائها، لذلك سيؤدي إغلاق المضيق إلى اضطرابات واسعة النطاق في سلسلة التوريد العالمية.
. رسالة ردع استراتيجية: هذه التهديدات لا تهدف فقط إلى الردع الفوري، بل لإظهار أن إيران تمتلك أوراق ضغط استراتيجية يمكن أن تستخدمها لتهديد الأمن الاقتصادي العالمي، مما يجبر القوى الدولية على التدخل لخفض التصعيد.
اغتيال "عقل استخبارات طهران" وتفاصيل الضربة السريعة
كشف مسؤول إسرائيلي رفيع لإذاعة الجيش تفاصيل اغتيال القيادات الإيرانية، مشيراً إلى أن ما ألحقته إسرائيل بمسؤولي حزب الله الكبار في 10 أيام، ألحقته بإيران في 10 دقائق.
وأكد أن الضربة الأولى استهدفت أهدافاً للدفاع الجوي وصواريخ أرض-أرض، وعدداً كبيراً من كبار المسؤولين الإيرانيين بهدف تحييدهم، في توقيت دقيق استهدف هيئة الأركان العامة والعلماء النوويين في جميع أنحاء إيران.
ومن بين القتلى اللواء محمد حسين أفشردي المعروف بـ”محمد باقري“، الذي وصفته التقارير بـ”عقل استخبارات طهران” وأحد أبرز المشاركين في الحرب العراقية الإيرانية، وصاحب نفوذ قوي في رسم العقيدة القتالية الإيرانية الحديثة.
وقد حذر باقري قبل مقتله أن “الصدام القادم مع إسرائيل سيكون أشد وطأة وتدميراً”.

تداعيات واسعة وموقف دولي منقسم: لعبة المصالح الجيوسياسية
بينما يؤكد نتنياهو أن “للهجوم على إيران ثمناً تعمل إسرائيل على تقليصه”، داعياً لعدم الوقوع في نشوة الانتصار، يواجه النظام الإيراني تحدياً استراتيجياً كبيراً لاستعادة “هيبته” التي طالما تحدث عنها. يرى خبراء أن الفشل في الرد بقوة قد يحدث شرخاً في صفوف القوات المسلحة ويفقد الثقة بالنظام.
تغيرات القيادة الإيرانية: عقب الضربات، ردت إيران على الفور بتعيينات قيادية رفيعة المستوى، حيث تم تعيين اللواء محمد باكبور قائداً عاماً للحرس الثوري، واللواء عبدالرحيم موسوي رئيساً لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، مما يؤكد عزم طهران على استمرارية القيادة العسكرية رغم الضربات، لكنه يشير أيضاً إلى الحاجة لإعادة تنظيم الصفوف بعد الخسائر.
ماذا تبقى لإيران؟ كانت قوة إيران تستند إلى ثلاثة أعمدة رئيسية:
1.الجبهة المتقدمة (أذرعها الإقليمية): مثل حزب الله في لبنان الذي أعلن عدم دخوله المعركة ملتزماً باتفاقاته مع الحكومة اللبنانية، مما يشير إلى ضعف في هذه الشبكة بعد استهداف قياداتها.
2.القوة الصاروخية الباليستية: التي يصل مداها إلى آلاف الكيلومترات، وتُعد القوة الأساسية المتبقية لإيران بعد هذا الهجوم.
وقد أثبتت عملية “الوعد الصادق 3” أن إيران تعتمد على هذه القوة.
3.القنبلة النووية: التي لم تتمكن إيران من الوصول إليها بعد وفقاً للتقارير الحالية.
يعتقد المحللون أن الصمت الإيراني الأولي كان مؤشراً على الإعداد لرد فعل قوي ومحسوب.
عندما يقول ترامب إنها “ضربة ممتازة”، ويُظهر الشارع الإسرائيلي تفاؤلاً، بينما يدعو الرئيس الإيراني شعبه إلى التماسك، فإن النظام الإيراني يجد نفسه في موقف حرج يتطلب تحشيداً داخلياً، ربما بالاعتماد على المشاعر القومية.
تهدد هذه المواجهة بوقوع المنطقة بأكملها في خطر، بما في ذلك التجارة العالمية والمضايق البحرية.
يؤكد خبراء أن الصراع تجاوز مجرد “تحسين شروط التفاوض” وأصبح “معركة وجود” للنظام الإيراني. ومع إعلان الحرس الثوري الإيراني عن إطلاق صواريخ باليستية على تل أبيب، فإن السؤال الآن ليس ما إذا كانت إيران سترد، بل إلى أي مدى يمكن أن تتصاعد هذه المواجهة في الشرق الأوسط الذي يغلي بالفعل.
سيناريوهات الرد الإيراني وتحديات الهيبة وتغيرات القيادة
مع تصاعد النيران والدخان، يترقب العالم بحذر شديد الخطوات التالية في هذا الصراع الذي يتجاوز الحدود ويحمل في طياته مخاطر إقليمية ودولية غير مسبوقة.
توالت الإدانات الدولية للهجوم الإسرائيلي على إيران، لكنها اختلفت في حدتها ودوافعها، مما يعكس شبكة المصالح الجيوسياسية المعقدة:
. الأزهر الشريف والدول العربية: أدان الأزهر الشريف “العدوان الصهيوني على إيران” واصفاً إياه بـ”انتهاك سافر لسيادة الدول” و”تهديد مباشر للسلم والأمن الإقليمي والدولي”، محذراً من “همجية الاحتلال الصهيوني” التي تنذر “بمزيد من اشتعال الأزمات”.
هذا الموقف يعكس قلقاً عربياً واسعاً من تصعيد قد يزعزع استقرار المنطقة بأكملها، ويزيد من الضغط على أنظمة الحكم التي تواجه تحديات داخلية وإقليمية.
عدد كبير من الدول العربية والآسيوية أدانت العدوان، مؤكدة أنه خرق للقانون الدولي ويهدد الدبلوماسية، ومحمّلة إسرائيل المسؤولية.
. الولايات المتحدة: بينما أشاد ترامب بالهجمات ووصفها بـ”الممتازة” مع تأكيد دعم الولايات المتحدة، فإن الموقف الرسمي الأمريكي كان أكثر حذراً في العلن، رغم مشاركة القوات المسلحة الأمريكية في التصدي للرد الصاروخي الإيراني.
هذا التنسيق يبرز التزام واشنطن بأمن إسرائيل، لكنه يحاول تجنب الانجرار المباشر إلى حرب إقليمية واسعة قد تؤثر على مصالحها العالمية وسياستها في الشرق الأوسط..

. روسيا: أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إدانة موسكو لتصرفات إسرائيل، معتبراً إياها “انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”.
وحذرت موسكو من أن “مغامرات إسرائيل العسكرية تدفع المنطقة إلى شفا حرب كبرى”.
الموقف الروسي هنا يعكس رغبتها في الحفاظ على نفوذها في المنطقة، وتصوير نفسها كداعم للقانون الدولي، ومعارض لسياسات الغرب وإسرائيل التي قد تهدد مصالحها في سوريا وغيرها.

. الصين: أعربت الصين عن “قلقها البالغ” ودعت إلى خفض التصعيد. الموقف الصيني يعكس سياستها الخارجية التي تركز على الاستقرار والتجارة العالمية، وتخشى من أي اضطراب في الشرق الأوسط قد يؤثر على إمدادات الطاقة العالمية ومصالحها الاقتصادية المتنامية في المنطقة.

. فرنسا: أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه “لا يمكن العيش في عالم تمتلك فيه إيران قنبلة ذرية”، متعهداً بدعم فرنسا لإسرائيل إذا تعرضت لهجوم. فرنسا لم تشارك في الضربات الإسرائيلية، لكنها شددت على أنها “ستشارك في عمليات الحماية والدفاع عن إسرائيل إذا تعرضت لهجوم كجزء من رد إيراني”.
هذا يعكس موقفاً أوروبياً يحاول الموازنة بين الحفاظ على الأمن الإقليمي ومنع الانتشار النووي، وبين تجنب الانجرار المباشر لحرب واسعة.

. بريطانيا: كشفت صحيفة “التايمز” البريطانية أن إسرائيل لم تبلغ بريطانيا بنيتها ضرب إيران، لأنها “لم تعد تعتبر المملكة المتحدة شريكاً موثوقاً به” بسبب توتر العلاقات.
هذا يشير إلى تعقيدات في العلاقات بين الحلفاء التقليديين وتأثيرها على التنسيق الأمني.

. إيطاليا وتركيا: دعت إيطاليا إلى “العودة إلى المفاوضات”، بينما أدانت تركيا الهجوم بشدة، محذرة من “كارثة” إقليمية.
تعكس هذه المواقف التباينات داخل الناتو وحول البحر الأبيض المتوسط، حيث لكل دولة مصالحها ومخاوفها الخاصة من تداعيات الصراع.
. باكستان: رغم عدم وجود إدانة مباشرة أو تفصيلية لموقف باكستان في الأنباء الأولية، إلا أن موقعها كدولة إسلامية ذات قدرات نووية وجارة لإيران يجعلها مراقباً حذراً للغاية. من المرجح أن تدعو باكستان إلى ضبط النفس وعدم التصعيد، خوفاً من زعزعة الاستقرار الإقليمي الذي قد يؤثر عليها بشكل مباشر، خاصة في ظل التحديات الأمنية الداخلية والتأثير الإقليمي لأفغانستان.
. العراق: شكوى العراق من انتهاك مجاله الجوي تُضاف إلى تعقيدات المشهد الإقليمي وتزيد من الضغوط الدبلوماسية. العراق، المحاط بدول متصارعة، يخشى أن يصبح ساحة للصراع بالوكالة أو ممرًا له، مما يهدد استقراره الهش.
هذه المواقف المتضاربة تؤكد أن الصراع الإيراني الإسرائيلي ليس ثنائياً فحسب، بل هو متشابك مع شبكة معقدة من المصالح والتحالفات الدولية التي ستحدد مساره المستقبلي.