الأمم المتحدة تمد جسور التواصل مع القواعد الشعبية: "ستيفاني خوري" في الزنتان لامتصاص الغضب وتهيئة الأرضية للانتخابات
طرابلس، ليبيا – 21 مايو 2025
في خطوة إضافية تعكس استراتيجية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) للتعامل مع المشهد الليبي المتفجر، قامت نائبة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، السيدة ستيفاني خوري، بزيارة إلى مدينة الزنتان يوم الأربعاء 21 مايو. هذه الزيارة ليست مجرد لقاء بروتوكولي، بل هي جزء من سلسلة “لقاءات مجتمعية” واسعة النطاق تعتزم البعثة إجراءها في جميع أنحاء البلاد، بهدف التشاور حول الملخص التنفيذي لتقرير اللجنة الاستشارية الذي قدم أربعة خيارات رئيسية لمستقبل ليبيا السياسي.
يأتي هذا الحراك الأممي في وقت تشتعل فيه شرارة الغضب الشعبي، مع بيانات قوية من كيانات مثل المجلس الاجتماعي سوق الجمعة وشباب الزاوية تطالب بإسقاط الأجسام السياسية الحالية والمضي قدماً نحو الانتخابات.
لماذا هذه الزيارات؟ الهدف الاستراتيجي للبعثة الأممية
تُعد زيارات “ستيفاني خوري” واللقاءات المجتمعية التي تعتزم البعثة إجراءها، جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الأمم المتحدة الأوسع نطاقاً في ليبيا، والتي تهدف إلى:
1-امتصاص الغضب الشعبي وتهدئة الشارع: في ظل تزايد حالة الإحباط والاحتجاجات في الشارع الليبي، تحاول البعثة الأممية فتح قنوات اتصال مباشرة مع قادة المجتمع المحلي والأعيان والحكماء في مختلف المناطق.
الهدف هو الاستماع إلى هموم الناس، فهم طبيعة الغضب الشعبي، ومحاولة إيصال رسالة بأن المجتمع الدولي يدرك هذه المعاناة ويعمل على إيجاد حلول. هذه الزيارات تهدف بشكل أساسي إلى احتواء الاحتقان ومنع أي انزلاق نحو المزيد من الفوضى، وتُعد محاولة لامتصاص الصدمة الناتجة عن تعثر المسار السياسي.
2-بناء توافق شعبي حول الخيارات الدستورية: الملخص التنفيذي لتقرير اللجنة الاستشارية قدم خيارات متعددة لمستقبل ليبيا. من خلال هذه اللقاءات، تسعى البعثة إلى “مشاورات واسعة النطاق” حول هذه الخيارات.
هذا يشير إلى أن الهدف الاستراتيجي هو خلق قاعدة دعم شعبية لأحد الحلول المقترحة، أو على الأقل فهم الموقف الشعبي من كل خيار، لضمان أن أي مسار سياسي مستقبلي يحظى بقبول مجتمعي واسع، وليس فقط اتفاقات بين النخب.
تسعى البعثة لـ”تكييف” أو “توجيه” هذه الخيارات بما يتناسب مع آراء القاعدة الشعبية.
3-تعزيز “الملكية الوطنية” للعملية السياسية: على الرغم من أن البعثة تقود هذه المشاورات، إلا أنها تهدف إلى التأكيد على أن الحلول يجب أن تكون “بملكية ليبية“.
هذه اللقاءات مع قادة المجتمع تعزز هذا المبدأ، حيث يتم إشراك الفاعلين المحليين مباشرة في عملية التشاور، مما يعطي انطباعاً بأن القرارات النهائية ستكون نابعة من إرادة ليبية، حتى وإن كانت بتيسير ودعم أممي.
4-جمع المعلومات وتقييم الواقع على الأرض: توفر هذه الزيارات للبعثة الأممية فرصة فريدة لجمع معلومات مباشرة وغير رسمية عن الأوضاع على الأرض، وتقييم مدى تأثير الأزمة السياسية والأمنية على حياة المواطنين، وفهم تطلعاتهم ومخاوفهم بشكل أعمق.
هذه المعلومات حيوية للبعثة في صياغة استراتيجياتها المستقبلية.
5-شرعنة دور البعثة وإظهار التزامها: في ظل الانتقادات التي قد تواجهها البعثة الأممية بشأن تدخلاتها أو فعاليتها، تُعد هذه الزيارات طريقة لإظهار التزامها بالعمل على أرض الواقع والتواصل المباشر مع الليبيين، مما يعزز من شرعيتها ويُقدمها كشريك موثوق به في عملية بناء السلام والاستقرار.

أهمية الزيارة وانعكاسها على الواقع الليبي
زيارة “ستيفاني خوري” إلى الزنتان، ومعها باقي اللقاءات المجتمعية المماثلة، لها أهمية كبرى وانعكاسات محتملة على الواقع الليبي:
كسر حاجز الانغلاق: لطالما اتُهمت البعثة الأممية بالتعامل مع النخب السياسية فقط. هذه الزيارات تكسر هذا النمط وتفتح الباب أمام حوار أوسع وأكثر شمولاً، مما قد يؤدي إلى حلول أكثر واقعية وقابلية للتطبيق.
ضغط غير مباشر على الأجسام السياسية: إذا ما أظهرت هذه المشاورات إجماعاً شعبياً على أحد الخيارات الدستورية أو على ضرورة التغيير الجذري، فإن ذلك سيشكل ضغطاً هائلاً على الأجسام السياسية الحالية للانصياع لإرادة الشعب والتحرك نحو الانتخابات.
تعزيز الثقة في المسار الأممي: في ظل التشكيك الشعبي والدولي في قدرة البعثة على إحداث اختراق حقيقي، قد تساهم هذه الزيارات في بناء قدر من الثقة، خاصة إذا شعر المواطنون بأن أصواتهم مسموعة وأن لهم دوراً في صياغة المستقبل.
تحديد معالم خارطة الطريق: ستُساعد هذه المشاورات البعثة في تحديد الخيارات الأكثر قبولاً بين الليبيين، وبالتالي صياغة خارطة طريق أكثر واقعية وفعالية للمضي قدماً نحو الانتخابات وإنهاء الفترة الانتقالية الطويلة.
تأثير على ديناميكية الغضب الشعبي: قد تساهم هذه التحركات في توجيه الغضب الشعبي نحو قنوات سلمية ودستورية للتعبير، بدلاً من التظاهرات التي قد تنزلق للعنف.
ومع ذلك، فإن النتيجة النهائية تعتمد على مدى اقتناع المواطنين بأن هذه المشاورات ستؤدي بالفعل إلى تغيير حقيقي يلبي تطلعاتهم.

إن جهود البعثة الأممية، عبر “ستيفاني خوري” ولقاءاتها المجتمعية، هي محاولة جادة لإشراك قاعدة أوسع من الليبيين في عملية صنع القرار، وتقديم الدعم للحلول المقترحة من اللجنة الاستشارية، وذلك في سياق يزداد فيه الضغط الشعبي لإيجاد مخرج للأزمة الليبية المزمنة.