تقرير اللجنة الاستشارية الأممية: 4 خيارات لمصير ليبيا السياسي.. هل ينجح الدفع نحو الانتخابات في ظل الغضب الشعبي؟
طرابلس، ليبيا – 21 مارس 2025
في خطوة مهمة نحو محاولة فك الشلل السياسي المستمر في ليبيا، قدمت اللجنة الاستشارية التابعة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) تقريرها النهائي في 5 مايو 2025، متضمناً أربع خيارات رئيسية لإنهاء المراحل الانتقالية المتتالية ووضع البلاد على مسار الانتخابات.
هذا التقرير، الذي أتى بعد أكثر من 20 اجتماعاً ضم خبراء ليبيين في مجالات القانون والدستور والانتخابات، يأتي في وقت حرج تشهد فيه ليبيا تصاعداً في الغضب الشعبي، خصوصاً في المنطقة الغربية، مع دعوات صريحة من كيانات مثل المجلس الاجتماعي سوق الجمعة لإسقاط الأجسام السياسية الحالية والمضي قدماً نحو التغيير الجذري.
خلفية الأزمة: جمود سياسي وغضب شعبي متفاقم
تأسست اللجنة الاستشارية في 4 فبراير 2025، بهدف إيجاد حلول للقضايا العالقة التي تعرقل إجراء الانتخابات. هذه الخطوة جاءت في ظل واقع ليبي معقد يتميز بتفاقم الانقسام السياسي، وهشاشة المؤسسات، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتزايد الاستياء العام من الوضع القائم.
الملايين من الليبيين، وتحديداً 2.8 مليون ناخب مسجل، ينتظرون بفارغ الصبر فرصة التعبير عن إرادتهم عبر صناديق الاقتراع، في حين يؤدي الشلل السياسي وازدواجية الإنفاق إلى زعزعة استقرار الاقتصاد.
إن الغضب الشعبي، الذي عبرت عنه مظاهرات الجمعة وبيانات المجلس الاجتماعي سوق الجمعة، يمثل ضغطاً هائلاً على الأجسام السياسية بضرورة إيجاد حلول عملية وسريعة.
البعثة الأممية، مدعومة بقرار مجلس الأمن 2755 (2024)، كُلفت بتقديم خيارات فنية قابلة للتنفيذ سياسياً، بهدف توحيد المؤسسات الليبية والمضي قدماً نحو السلام والاستقرار.
اللجنة الاستشارية ركزت في عملها على تقييم الإطار الدستوري والقانوني للعملية الانتخابية، وتحديد العقبات السياسية التي تعترضها، بما في ذلك المشاكل المتعلقة بربط الانتخابات البرلمانية بالرئاسية، وشروط الترشح (كالجنسية المزدوجة والمناصب العسكرية)، وشرط الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية.

المشاكل الرئيسية والخيارات المقترحة: حلول على المحك
قدمت اللجنة الاستشارية حلولاً لمجموعة من المشاكل الرئيسية، بالإضافة إلى أربعة خيارات لخارطة طريق محتملة:
ربط الانتخابات البرلمانية بالرئاسية: اقترحت اللجنة فصل نتائج الانتخابات البرلمانية عن الرئاسية.
إجراء الانتخابات بشكل متزامن: أوصت بتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متعاقب ضمن إطار زمني محدد وصارم، بدلاً من إجرائها في يوم واحد.
شروط الترشح: تضمنت التوصيات ضرورة إفصاح المرشحين مزدوجي الجنسية عن جنسيتهم الأجنبية وتقديم دليل على التخلي عنها في حال الفوز، وعدم استبعاد أي مرشح إلا بحكم نهائي، والسماح للعسكريين وكبار المسؤولين بالترشح وفقاً للشروط القانونية.
شرط الجولة الثانية: اقترحت إلغاء إلزامية الجولة الثانية إذا فاز المرشح بأكثر من 50% في الجولة الأولى.
إلى جانب هذه التوصيات، قدمت اللجنة أربع خيارات لخريطة الطريق لإنهاء الفترة الانتقالية:
1-المقترح الأول: إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بصورة متزامنة خلال عامين، بعد تسوية سياسية بشأن وضع المفوضية وتعديلات الإطار الدستوري والقانوني وتشكيل حكومة جديدة، مع اتفاق حول دستور دائم.
2-المقترح الثاني: إجراء انتخابات برلمانية أولاً خلال عامين، يليها تكليف مجلس الشيوخ بصياغة الدستور والمصادقة عليه، ليُنظم الدستور الجديد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية اللاحقة.
3-المقترح الثالث: اعتماد دستور قبل الانتخابات، مع دراسة التحديات المرتبطة بمشروع دستور 2017 أو صياغة دستور جديد.
4-المقترح الرابع: تفعيل آلية الحوار السياسي المنصوص عليها في المادة 64 من الاتفاق السياسي الليبي، واستبدال الأجسام السياسية الحالية بمجلس تأسيسي يتم اختياره من خلال عملية الحوار.
أوصت اللجنة بضرورة التوصل إلى تسوية سياسية بين الأطراف الرئيسية قبل اعتماد أي خيار، لتهيئة بيئة مواتية للانتخابات، تشمل إعادة تشكيل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ومنحها الاستقلال المالي، وتعديل الإعلان الدستوري والقوانين الانتخابية، والتوصل إلى اتفاق بشأن سلطة تنفيذية جديدة.

تأثير التقرير على الواقع الليبي: بين الأمل والتحدي
يأتي نشر هذه الخيارات ليكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى جدية الأطراف السياسية الليبية في التوصل إلى حل. في سياق الغضب الشعبي المتزايد والدعوات لإسقاط الأجسام السياسية، يمكن لهذه الخيارات أن تُقدم بصيص أمل في إيجاد مخرج للأزمة، أو قد تُضاف إلى تعقيدات المشهد إذا لم تلقَ قبولاً واسعاً.
هل ستحقق نتائج إيجابية؟ هذا يعتمد بشكل كبير على مدى استعداد الفاعلين السياسيين للانخراط “بحسن نية ودون شروط مسبقة” في العملية السياسية، كما طالبت اللجنة.
إذا تمكنت الأطراف من الاتفاق على أحد الخيارات، فقد يشكل ذلك خارطة طريق واضحة للخروج من المأزق. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو التغلب على “الانقسام السياسي” الذي أدى أصلاً لإنشاء اللجنة، والتغلب على رفض بعض الأطراف لمشروع الدستور المنجز، كما عبر عنه المنفي في لقائه مع الهيئة التأسيسية.
تأثير الغضب الشعبي: الغضب الشعبي الذي تترجمه مظاهرات سوق الجمعة والزاوية قد يدفع الأطراف السياسية إلى التسريع في اعتماد حل، خشية المزيد من التصعيد. في الوقت نفسه، فإن أي حل لا يلبي طموحات الشعب في حكومة موحدة وفعالة وانتخابات حرة قد يزيد من حدة هذا الغضب.
دور المجتمع الدولي: ستستنير بعثة الأمم المتحدة من كل الآراء حول مخرجات اللجنة خلال المراحل التالية، مما يعني أن دور المجتمع الدولي سيظل حيوياً في الضغط على الأطراف الليبية للقبول بالحلول والتخلي عن المكاسب الضيقة لصالح المصلحة الوطنية.
تُقدم اللجنة الاستشارية بذلك إطاراً فنياً وقانونياً لمحاولة إنهاء الأزمة الليبية. السؤال الآن ليس في وجود الحلول، بل في الإرادة السياسية الليبية والدولية لتطبيقها، وإلى أي مدى ستكون هذه الخيارات كافية لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد وإعادة الثقة في المسار السياسي.