طرابلس، ليبيا – 21 مارس 2025
في خطوة تحمل دلالات بالغة الأهمية وتأتي في خضم تصاعد التوترات الأمنية والاحتجاجات الشعبية العارمة في طرابلس ومناطق غرب ليبيا، بما في ذلك بيانات الغضب الصادرة عن المجلس الاجتماعي سوق الجمعة وغيرها، انعقد الاجتماع الأول لـ “لجنة الهدنة“ المُشكّلة بشكل مشترك بين المجلس الرئاسي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. ترأس الاجتماع الذي عُقد في قاعدة أبو ستة البحرية يوم الإثنين الماضي، رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، الفريق أول محمد الحداد. يُنظر إلى هذا الاجتماع على أنه محاولة حاسمة لاحتواء الوضع المتدهور ومنع الانزلاق نحو نزاع مسلح واسع النطاق، في ظل المطالبات الشعبية المتزايدة بتغيير جذري.
جهود الأطراف: بين تهدئة الميدان وحماية المدنيين
تُعد هذه اللجنة تعبيراً عن جهد مشترك يهدف إلى تهدئة الأوضاع ومنع عودة النزاع المسلح في طرابلس والمناطق المحيطة بها، مع التركيز بشكل خاص على ضمان حماية المدنيين.
دور المجلس الرئاسي (عبر رئيس الأركان): يُشكل هذا الاجتماع جزءاً من استراتيجية أوسع للمجلس الرئاسي، بقيادة محمد المنفي، لتعزيز سلطة الدولة وضبط الأوضاع الأمنية.
من خلال إشراك رئيس الأركان العامة، يسعى المجلس الرئاسي إلى تفعيل الأطر العسكرية الرسمية لفرض الهدنة وإعادة الاستقرار.
تأتي هذه الخطوة في سياق حرص المنفي على تجنيب العاصمة المزيد من العنف، وربما استباق أي تصعيد قد ينجم عن الغضب الشعبي المتزايد والتجمعات الاحتجاجية التي دعت إليها قوى مثل المجلس الاجتماعي سوق الجمعة. إن وجود رئيس الأركان يمنح اللجنة الشرعية العسكرية اللازمة للتعامل مع أي خروقات.
دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL): تؤكد البعثة مجدداً مخاوف مجلس الأمن بشأن التقارير التي تُفيد بسقوط ضحايا مدنيين واستخدام العنف ضد المتظاهرين.
تستمر البعثة في دعوة جميع الأطراف إلى الامتناع عن استخدام العنف والانخراط في الحوار، مؤكدة على ضرورة محاسبة المسؤولين عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
دور البعثة هنا حيوي لضمان الشفافية، ومراقبة الالتزام بالهدنة، وتوفير غطاء دولي لجهود التهدئة، مع تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي أثارت الغضب الشعبي.

أهمية الاجتماع وانعكاسه على الواقع الليبي
يحمل هذا الاجتماع أهمية قصوى لعدة اعتبارات:
محاولة لإنقاذ الوضع الأمني المتردي: بعد “الأحداث المؤسفة” التي شهدتها طرابلس وخلفت خسائر بشرية ومادية، كما أشار إليه المنفي في لقائه مع أعيان وحكماء المنطقة الغربية، تُعد هذه اللجنة خط الدفاع الأخير لمنع انزلاق العاصمة نحو حرب أهلية جديدة.
إنها محاولة لتثبيت وقف إطلاق النار الفعلي على الأرض.
استجابة للغضب الشعبي ونداءات محاسبة المسؤولين: تصريح البعثة الأممية حول محاسبة المسؤولين عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، وعن عدم الامتثال للهدنة، هو استجابة مباشرة للمطالبات الشعبية المتصاعدة التي نددت بالعنف ضد المتظاهرين وبسقوط الضحايا. هذا قد يخفف من حدة التوتر في الشارع ويعطي إشارة بأن هناك جهوداً لمواجهة الإفلات من العقاب.
بناء الثقة بين الأطراف: مشاركة طرفين رئيسيين (المجلس الرئاسي والأمم المتحدة) في هذه اللجنة تُعد خطوة نحو بناء الثقة بين الفاعلين العسكريين والسياسيين، وقد تفتح الباب أمام حوار أوسع.
تحديد مسار للمساءلة: تعتزم اللجنة تقديم تقارير دورية عن مدى الالتزام بالهدنة والوضع الميداني إلى المجلس الرئاسي والبعثة. هذا سيُمكن من تتبع الخروقات وتحديد المسؤوليات، مما يعزز من فرص المحاسبة.
هل سيُحقق نتائج إيجابية؟ رهانات كبيرة وتحديات جمة
تُلقى على عاتق هذه اللجنة آمال كبيرة في تحقيق الاستقرار، لكن تحقيق نتائج إيجابية يعتمد على عدة عوامل:
مدى جدية الأطراف الفاعلة: نجاح اللجنة يتوقف بشكل كبير على مدى التزام الأطراف العسكرية والسياسية، بما في ذلك المجموعات المسلحة، بتوصياتها وقراراتها.
القدرة على احتواء الغضب الشعبي: بينما تحاول اللجنة ضبط الوضع الأمني، فإنها تواجه تحدي احتواء الغضب الشعبي الذي يتجاوز المطالب الأمنية إلى المطالبة بتغييرات سياسية جذرية.
إذا لم يتم التعامل مع هذه المطالب الأساسية، فقد يستمر الحراك ويعوق جهود التهدئة.
الدعم الدولي المستمر: دور البعثة الأممية حاسم، لكنه يحتاج إلى دعم سياسي ولوجستي مستمر من المجتمع الدولي لفرض رؤيتها.
التأثير على المشهد السياسي العام: إذا نجحت اللجنة في تحقيق الهدوء الأمني، فقد يفتح ذلك المجال أمام استئناف المسار السياسي بشكل أكثر فعالية، وربما يدفع باتجاه إجراء الانتخابات والاستفتاء على الدستور الذي يُطالب به الكثيرون، بما في ذلك شباب الزاوية والمجلس الاجتماعي سوق الجمعة.
في الختام، يمثل اجتماع لجنة الهدنة خطوة حاسمة في مواجهة الأزمة الليبية المتفاقمة.
إنها محاولة لانتشال البلاد من حافة الهاوية الأمنية، وإعطاء فرصة للحوار والحلول السلمية، لكن نجاحها مرهون بقدرتها على التعامل مع التعقيدات الأمنية والسياسية، واحتواء الغضب الشعبي الذي بات يشكل تحدياً أساسياً للسلطات الحالية.