🚧قلعة البلطيق الجديدة: إستونيا تبدأ بناء 600 مخبأ خرساني على حدودها مع روسيا؛ تحليل لـ “خط الدفاع البلطيقي” (Baltic Defense Line) الذي يشمل “أسنان التنين” وألغام لاتفيا وليتوانيا، ودلالات سباق التسلح الدفاعي في ضوء تحذيرات الناتو من غزو محتمل.
⚽سباق التحصين… القلاع الخرسانية تحرس التخوم الشرقية للناتو
منذ سنوات، اعتمدت دول الجناح الشرقي لحلف الناتو على المظلة السياسية والدفاعية للمادة الخامسة لردع أي عدوان محتمل.
لكن اليوم، ومع تصاعد حدة التوتر والتحذيرات الاستخباراتية من أن روسيا قد تكون قادرة على شن هجوم في السنوات القليلة القادمة، اتخذت دول البلطيق (إستونيا، لاتفيا، وليتوانيا) قراراً لا لبس فيه: الانتقال من الضمانات السياسية إلى التحصين الفعلي على الأرض.
لقد بدأت إستونيا، وهي دولة على خط المواجهة، بالفعل في تشييد مخابئ خرسانية ضخمة على طول حدودها مع روسيا، كجزء من مبادرة أوسع تُعرف باسم “خط الدفاع البلطيقي“ (The Baltic Defense Line).
هذا الخط، الذي اتفق عليه وزراء دفاع الدول الثلاث في يناير 2024، يهدف إلى إنشاء “شبكة من المخابئ، ونقاط الدعم، وخطوط التوزيع” لردع أي تقدم بري روسي.
الخطة الإستونية: 600 مخبأ وتأخير في التنفيذ
تتولى كل دولة مسؤولية تمويل وبناء جزء من الخط الدفاعي بشكل فردي، وتُعد إستونيا هي الأكثر نشاطاً في هذا الشأن، حيث تخطط لتركيب حوالي 600 مخبأ مصمم بشكل أساسي لحماية جنودها من قذائف المدفعية.
ورغم التطلعات الطموحة لمركز الاستثمار الدفاعي الإستوني بإنهاء 28 مخبأ بحلول نهاية 2025، إلا أن تقارير محلية أفادت بتأخر المشروع لمدة عام تقريباً، ومن المتوقع الآن أن يكتمل العمل بحلول نهاية عام 2027.
هذا التأخير، رغم أهمية الاختيار “الحذر لمواقع المخابئ والخنادق”، يثير تساؤلات حول مدى السرعة التي يمكن بها للدول الأوروبية الاستجابة للتهديدات المتزايدة.
التناغم الدفاعي بين لاتفيا وليتوانيا و”أسنان التنين”
لم تقف لاتفيا وليتوانيا متفرجة؛ فقد بدأت لاتفيا تعزيز حدودها الشرقية في مارس 2024، وتعهدت بإنفاق أكثر من 300 مليون يورو على مدى خمس سنوات.
أما ليتوانيا، فتركز على بناء دفاعات متعددة المراحل تمتد حتى 50 كيلومتراً من خط الحدود، مستخدمة الجسور القابلة للهدم والخنادق.
يشترك الخط الدفاعي البلطيقي في مفهوم رئيسي واحد: استخدام التحصينات المضادة للدبابات التي تشبه “أسنان التنين“، وهي كتل خرسانية صلبة اشتهرت مؤخراً في ساحات المعارك الأوكرانية لكونها تعيق حركة الدبابات والمشاة الآلية وتمنعها من السيطرة على الأراضي.
وفي تطور لافت، يدرس قادة دول البلطيق أيضاً إمكانية تفكيك خطوط السكك الحديدية التي تربط بلدانهم بروسيا وحليفتها بيلاروسيا، كإجراء استراتيجي لإبطاء أي غزو محتمل.
🎯سباق مع الزمن وإعلان صارخ للردع
هذا المشروع الدفاعي يمثل اعترافاً قاسياً بانتهاء حقبة السلام والاعتماد المطلق على الدبلوماسية. الانتقال من مجرد الوعود العسكرية المشتركة إلى غرس “أسنان التنين“ الخرسانية في التربة على الحدود هو عمل له دلالات عميقة:
1 . الردع المادي بدلاً من الردع السياسي:
التحصينات الثابتة تبعث برسالة واضحة إلى موسكو بأن أي عملية “خطف أراضٍ” صغيرة (small-scale land grab) ستكلف القوات الغازية خسائر فادحة ووقتًا طويلاً.
2 . استغلال نافذة الفرصة:
كما ذكر مركز الاستثمار الدفاعي الإستوني، “رأينا تقديرات مختلفة لمدى السرعة التي يمكن لروسيا أن تعيد بها بناء جيشها، نحن بحاجة لاستغلال هذا الوقت بحكمة – الوقت للقيام بجميع الاستعدادات اللازمة هو الآن”. هذا يضع الضغط على الدول لإنهاء المشروع قبل أن تستعيد روسيا كامل قوتها الهجومية.
3 . تكامل الدفاعات:
استخدام المخابئ لحماية القوات من المدفعية، و”أسنان التنين” لإعاقة الآليات، وتفكيك البنية التحتية للنقل (السكك الحديدية)، يظهر تخطيطاً شاملاً يهدف إلى خلق دفاع متعدد الطبقات (Multi-stage Defenses) لجعل الهجوم على تخوم الناتو باهظ الثمن للغاية.
إن هذا التحرك هو مؤشر على أن دول الجناح الشرقي، التي دفعت بالفعل لزيادة إنفاقها الدفاعي متفوقة على بقية أعضاء الناتو، لم تعد تنتظر الغرب لاتخاذ إجراءات، بل تتخذ زمام المبادرة لحماية نفسها.
الوعد بالأمان على الخطوط الأمامية
يؤكد وزير الدفاع الإستوني، هانو بيفكور، أن هذا الجهد يهدف إلى “أن يشعر شعب إستونيا بالأمان”. وبالفعل، فإن بناء “خط الدفاع البلطيقي” لا يتعلق فقط بصب الخرسانة أو حفر الخنادق، بل هو يتعلق بإعادة بناء الثقة في قدرة هذه الدول على حماية سيادتها.
في الوقت الذي يستمر فيه الصراع في أوكرانيا، تتحول دول البلطيق إلى خط الدفاع الأمامي للحلف، مُعلنةً التزامها بالردع المادي الصريح.
إن هذه التحصينات هي شهادة على أن دول الناتو في الشرق تستخدم الوقت المتاح لها بحكمة، مُتبعةً نهجاً عملياً وملموساً لضمان أمن شعوبها في مواجهة المستقبل غير المستقر.
