🇲🇱 مالي في ديسمبر 2025: ميزانية متفائلة، أمن سيبراني ضعيف، وانتهاكات وحشية
يعيش المشهد المالي والاجتماعي في مالي حالة من التناقض الحاد، حيث تسعى الحكومة الانتقالية لترسيخ استقرار اقتصادي وسيبراني، بينما يواجه المدنيون في الشمال تصعيداً مروعاً في العنف والانتهاكات المنسوبة لوحدة فيلق إفريقيا (Africa Corps) الروسية الجديدة.
💰 التفاؤل الاقتصادي في مواجهة الواقع الهش
اعتمد المجلس الوطني الانتقالي (CNT) في مالي الجزء الأول من مشروع ميزانية 2026، كاشفاً عن سعي حثيث لضبط المالية العامة، رغم الهشاشة الاقتصادية المستمرة.
. أرقام الميزانية (2026):
.. الإيرادات المتوقعة: (3,057.79) مليار فرنك إفريقي (CFA).
.. النفقات المتوقعة: (3,578.22) مليار فرنك إفريقي.
.. العجز المتوقع: (520.4) مليار فرنك إفريقي.
. تخفيض العجز:
رغم أن الميزانية هي الأكبر في تاريخ البلاد (تتجاوز الإيرادات 3 تريليونات فرنك إفريقي لأول مرة)، إلا أن العجز المتوقع أقل من عجز 2025 (539 مليار فرنك إفريقي) وعجز 2024 (598 مليار فرنك إفريقي).
. الاستراتيجية المالية:
تعتمد الحكومة على تعزيز تعبئة الموارد المحلية، حيث يُتوقع نمو الإيرادات بأكثر من 11% ونمو الإنفاق بنسبة تزيد قليلاً عن 9%.
. التحديات:
لا يزال تحقيق التوازن مرهوناً بزيادة الإيرادات الضريبية والجمركية، في ظل معوقات مستمرة مثل القيود الأمنية وآثار نقص الوقود الذي بدأ في منتصف سبتمبر وأدى إلى إبطاء النشاط الاقتصادي.
💻 الأمن السيبراني: من التصنيف "الأساسي" إلى استراتيجية جديدة
اعتمدت الحكومة الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2026-2030 لتعزيز المرونة الرقمية في مواجهة التهديدات المتصاعدة.
. الوضع الحالي المقلق:
يحتل مالي المرتبة الرابعة من أصل 5 في مؤشر الأمن السيبراني العالمي للاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) لعام 2024، مما يعكس قدرات وطنية “أساسية” فقط.
. نقاط الضعف الظاهرة:
كشفت الهجمات الكبرى عن نقاط ضعف، بما في ذلك اختراق مديرية الضرائب (الذي كشف عن بيانات 312,000 دافع ضرائب) واختراق بنك إفريقيا مالي في فبراير 2023.
. أهداف الاستراتيجية:
تهدف خارطة الطريق الجديدة إلى تقوية البنية التحتية الحيوية، وتحسين أنظمة الاستجابة للحوادث، وتطوير التحول الرقمي للخدمات العامة، مما يعتبر أمراً حيوياً لجذب الاستثمار.
🇷🇺 الجانب المظلم: انتهاكات "فيلق إفريقيا" الروسي
في تناقض صارخ مع التفاؤل الاقتصادي، تكشف شهادات اللاجئين الفارين إلى موريتانيا عن تصاعد في الانتهاكات المروعة التي ترتكبها وحدة فيلق إفريقيا (Africa Corps) الروسية الجديدة، التي حلت محل مجموعة فاغنر المرتزقة.
. شهادات وحشية:
تحدث 34 لاجئاً فروا من القتال عن عمليات قتل عشوائي، واغتصاب، واختطاف. وشملت الانتهاكات قطع الرؤوس وإحراق القرى.
. استمرار التكتيكات:
أكد اللاجئون أن “فيلق إفريقيا“ يستخدم التكتيكات نفسها التي كانت تستخدمها فاغنر، بما في ذلك “سياسة الأرض المحروقة”، وأنهم “لا يسألون ولا يحذرون، يطلقون النار على أي شخص يرونه”.
. التبعية المباشرة لموسكو:
أكد محللون قانونيون أن التحول من فاغنر إلى فيلق إفريقيا (المرتبط مباشرة بوزارة الدفاع الروسية) يجعل الحكومة الروسية مسؤولة دولياً عن أي جرائم حرب تُرتكب في مالي.
. الأمن والإفلات من العقاب:
.. انسحبت بعثة الأمم المتحدة في 2023، وانسحب مالي من المحكمة الجنائية الدولية (ICC) هذا العام، مما زاد من صعوبة تتبع الانتهاكات.
.. أشار خبير الأمم المتحدة المستقل إلى أن الحكومة المالية لا تستجيب لطلبات التحقيق، معتبراً أن “تصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يتسارع بسبب الإفلات من العقاب”.
⚠️ التحذير الدولي وحظر السفر
عكست التطورات الأمنية والإنسانية المتفاقمة تحذيرات دولية متزايدة:
. حظر الإمارات للسفر:
فرضت وزارة الخارجية الإماراتية حظر سفر على مواطنيها إلى مالي ودعت الموجودين هناك إلى العودة فوراً، مشددة على “أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر”.
. الاعتماد على المساعدات الخارجية:
أشارت تقديرات إلى أن المجتمع الدولي كان ينفق حوالي 2 مليار دولار سنوياً في مالي (8% من الناتج المحلي الإجمالي) على عمليات الأمن والتنمية قبل مغادرة القوات الغربية، مما يبرز حجم الفراغ الذي تحاول الحكومة الانتقالية ملأه.
🇦🇪 لماذا حظرت الإمارات السفر ودعت مواطنيها للمغادرة؟
حظر الإمارات للسفر ودعوتها لمواطنيها بمغادرة مالي يأتيان تحت بند “الأحداث الراهنة“، وهو إجراء وقائي صارم يعكس تقييماً أمنياً عالياً للمخاطر، ويُعزى إلى عاملين رئيسيين دُمجا في المقال:
1 . تدهور الوضع الأمني والإنساني:
. تصاعد العنف:
يشهد الشمال والوسط تصعيداً في المعارك والعمليات الأمنية التي يقودها الجيش المالي بمساعدة فيلق إفريقيا الروسي.
. انتشار الانتهاكات:
تقارير اللاجئين عن عمليات قطع الرؤوس والاغتصاب التي يرتكبها “فيلق إفريقيا” تجعل المدنيين، والأجانب على حد سواء، في خطر محدق، حيث يصعب التمييز في مناطق النزاع.
2 . زيادة المخاطر الجيوسياسية الإقليمية:
. أزمة AES ونيجيريا:
التحذير الصريح من تحييد أي طائرة غير مصرح بها يرفع احتمالية وقوع اشتباك عسكري إقليمي بين تحالف دول الساحل وكتلة إيكواس/نيجيريا.
أي تصعيد عسكري مفاجئ قد يُغلق المجال الجوي ويُعقّد إجلاء الرعايا الأجانب.
. العزلة القانونية:
انسحاب مالي من المحكمة الجنائية الدولية زاد من الإفلات من العقاب، مما يعني أن الحماية القانونية للضحايا أو الأجانب تصبح شبه منعدمة.
الخلاصة:
قرار الإمارات هو تدبير وقائي يهدف إلى تجنيب مواطنيها مخاطر النزاع المسلح المباشر والانتهاكات الإنسانية العشوائية في بيئة تفتقر إلى الاستقرار القانوني والأمني.
🎯 خاتمة المقال التحليلي: مالي في مفترق طرق
تُعدّ مالي اليوم مثالاً صارخاً على التناقضات العميقة التي تعصف بغرب إفريقيا. فبينما تحاول الحكومة الانتقالية إظهار الكفاءة عبر تبني ميزانية ضخمة واستراتيجية للأمن السيبراني، فإنها تواجه تحديات وجودية تهدد استقرارها ومستقبلها:
. التهديد الأمني المتفاقم:
تتصاعد وتيرة الانتهاكات الوحشية التي يرتكبها فيلق إفريقيا الروسي، مما يغذي دائرة العنف ويُشرّد المدنيين، ويؤكد أن تغيير اسم المرتزقة لم يغير من وحشيتهم.
. الشرعية المزدوجة:
يستمر التوتر مع إيكواس/نيجيريا عبر أزمة المجال الجوي، مما يُرسّخ الانقسام الإقليمي ويُعقّد الحلول.
. العزلة الدولية:
رغم الحاجة الملحة للاستثمار، فإن تصاعد العنف الأمني وتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان يعزل مالي عن جزء كبير من المجتمع الدولي ويُبقيها في دائرة عدم الاستقرار.
إن قدرة الحكومة الانتقالية على ترجمة التفاؤل الاقتصادي على الورق إلى أمن حقيقي وكرامة للمواطنين هو الاختبار الأهم الذي سيحدد مصير “مالي كورا” (مالي الجديدة).
