ميلوني في جلسة تاريخية أمام مجلس الشيوخ: الدول العربية مفتاح السلام ورفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% بحلول 2025

روما – بعد غياب دام قرابة عام ونصف، عادت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى مجلس الشيوخ اليوم، 7 مايو 2025، لتواجه أسئلة الأعضاء في جلسة استماع موسعة سلطت الضوء على أبرز سياسات حكومتها وإنجازاتها الطموحة، بالإضافة إلى رؤيتها للعلاقات الدولية والملفات الداخلية الحساسة.

الجلسة التي استمرت لساعات وشهدت مشاركة وزراء رئيسيين في الحكومة، عكست ثقة ميلوني في مسار حكومتها وقدرتها على تحقيق أهدافها المعلنة. وقد سبق الجلسة اجتماع بين ميلوني ورئيس مجلس الشيوخ إجنازيو لا روسا.

شهدت الجلسة توجيه تسعة أسئلة لرئيسة الوزراء، غطت قضايا رئيسية مثل الإصلاحات، الإنفاق الدفاعي، العلاقات مع الولايات المتحدة، وتكاليف الطاقة، مما يعكس اهتمام أعضاء مجلس الشيوخ بمختلف جوانب عمل الحكومة.

الدول العربية والشرق الأوسط: دعم خطة السلام وحل الدولتين

أكدت ميلوني على أهمية الدور الذي تلعبه إيطاليا في الشرق الأوسط، مشددة على العمل المستمر لإنهاء الأعمال العدائية بشكل دائم.

وأعلنت عن دعم إيطاليا الكامل للخطة التي تقودها الدول العربية، مؤكدةً أنها “مفتاح الحل الدائم للصراع”.

وأشارت إلى أن هذه الخطة تتضمن إعادة إعمار موثوقة لغزة وتسعى لوضع إطار عام للسلام والأمن، وهو الإطار الذي ترى إيطاليا ضرورة أن يشمل منظور “حل الدولتين”.

وقد جاء هذا التأكيد في رد ميلوني على سؤال من السيناتور ميكايلا بيانكوفيوري.

توجه نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ:

أوضحت ميلوني أنها تعتزم البحث عن فرصة “لمهمة كبيرة للغاية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ” خلال الأشهر القليلة المقبلة، مما يشير إلى توجه إيطالي متزايد نحو هذه المنطقة الحيوية.

الإنفاق الدفاعي: التزام بالناتو وتعزيز القدرات الوطنية

أعلنت ميلوني بوضوح عن التزام إيطاليا بالوصول إلى هدف حلف شمال الأطلسي (الناتو) برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025. وأكدت على ضرورة تعزيز إيطاليا وأوروبا لقدراتهما الدفاعية للاضطلاع بمسؤولياتهما داخل التحالف، مشيرةً إلى أن “للحرية ثمناً”.

كما دعت إلى بناء “ركيزة أوروبية دائمة لحلف الناتو” قادرة على تعزيز قاعدة أوروبية متينة، وأضافت أن “حلف شمال الأطلسي يجب أن يأخذ في الاعتبار الجناح الجنوبي للتحالف”، مما يعكس رؤيتها لأوروبا كشريك قوي وموثوق داخل الحلف يتمتع برؤية استراتيجية شاملة.

الطاقة: الاستقلال الاستراتيجي والتحول النووي وخفض التكاليف والتعاون الدولي

في مجال الطاقة، كشفت ميلوني عن توجه حكومتها نحو تحقيق “الاستقلال الاستراتيجي” من خلال إعادة فتح الباب لإنتاج الطاقة النووية باستخدام مفاعلات صغيرة نظيفة وآمنة.

وأشارت إلى أن هذا القرار سيُمكّن إيطاليا من الحصول على طاقة منخفضة التكلفة.

وأكدت على أن “يجب هدم صخرة تكلفة الطاقة التي تؤثر سلباً على القدرة التنافسية” للشركات، مشيرةً إلى أن الحكومة ستواصل العمل لدعم الشركات وخفض تكلفة الطاقة بشكل هيكلي.

وفيما يتعلق بشراء الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، أوضحت ميلوني أن الحكومة تقوم بتقييم ذلك بناءً على مصلحة إيطاليا واحتياجاتها واستمراراً لاستراتيجية التنويع التي بدأت بعد حرب أوكرانيا، مؤكدةً أن الولايات المتحدة أصبحت بالفعل

ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال لإيطاليا وأن هذا التعاون بدأ مع إدارة بايدن.

ودعت المعارضة إلى العمل معاً على فك ارتباط أسعار الغاز والكهرباء، معتبرةً إياها قضية أوروبية تتطلب تضافر الجهود الوطنية.

الاقتصاد: دعم الأسر والشركات وتعزيز الثقة وبرنامج PNRR

استعرضت ميلوني جهود حكومتها في دعم الأسر والشركات، مشيرةً إلى تخصيص أكثر من 60 مليار يورو لهذا الغرض منذ بداية ولايتها. وأكدت على التزام الحكومة “بتوسيع نطاق الدعم للعائلات” تدريجيًا، مع التركيز الآن على الطبقة المتوسطة بعد البدء بالأسر الأكثر هشاشة.

وأقرت بتعقيد الوضع الاقتصادي لكنها أكدت على أن إيطاليا “جديرة بالثقة” بشهادة الأسواق والمستثمرين، مشيرةً إلى الأداء الممتاز لبورصة ميلانو وانخفاض الفارق في سندات الحكومة الإيطالية.

وفيما يتعلق بخطة التعافي والقدرة على الصمود (PNRR)، أعلنت ميلوني عن تفكير الحكومة في تضمين مبادرات “التحول 5.0” و “الصناعة 4.0” في إطار مراجعة الخطة مع المفوضية الأوروبية، معربةً عن إدراكها لفعالية “الصناعة 4.0”.

وأشارت إلى أن الحكومة تعمل مع المفوضية الأوروبية لتبسيط “التحول 5.0” وتسهيل وصول الشركات إليه.

وفي سياق متصل، رأت ميلوني أن “صناعة السيارات سحقتها الحماقات الأيديولوجية” للتحول البيئي غير المتوافق مع استدامة أنظمة الإنتاج.

ملفات داخلية: السلامة في مكان العمل والعنف ضد المرأة وإصلاحات هيكلية

أكدت ميلوني أن “السلامة في مكان العمل هي أولوية للحكومة”، معلنةً عن اجتماع مرتقب غداً مع النقابات لمناقشة سبل مكافحة هذه الآفة وتعزيز نظام الحوافز والعقوبات للشركات بناءً على سلوكها في مجال السلامة، مؤكدةً على أهمية العمل المشترك دون تحيز.

وفيما يتعلق بالعنف ضد المرأة، شددت على أن الحكومة تخوض معركة ضده، مؤكدةً على ضرورة إيجاد طرق جديدة لمنع ومكافحة جرائم قتل النساء، مشيرةً إلى خطوات تشريعية متقدمة تم اتخاذها في هذا الصدد، مع التأكيد على أن الحكومة “تُدرك أن هناك خصوصية” في هذا النوع من العنف وتسعى لطرق جديدة لمكافحته.

وفي سياق الإصلاحات الهيكلية، أكدت ميلوني تأييدها لإدخال التفضيلات في قانون الانتخابات، مشيرةً إلى أن رئاسة الوزراء تتقدم للأمام وأن الأغلبية عازمة على المضي قدماً في هذا الإصلاح، بالإضافة إلى إصلاح القضاء.

وصول وزير الخارجية تاجاني:

خلال الجلسة، وصل نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية أنطونيو تاجاني إلى قاعة مجلس الشيوخ، وانضم إلى مقاعد الحكومة، مما يعكس أهمية هذا الحدث وحرص الحكومة على التواجد الكامل.

العلاقات مع الولايات المتحدة:

أكدت ميلوني على أن إيطاليا والولايات المتحدة “حلفاء مخلصون، ولكن دون تبعية”، مشيرةً إلى أن حكومتها تتخذ القرارات وفق مصلحة إيطاليا الوطنية، وقد تعلمت من الحكومات السابقة ضرر محاولة استرضاء الحلفاء الأيديولوجيين.

روسيا وأوكرانيا: دعم كييف وجهود السلام

جددت ميلوني موقف حكومتها الثابت بالوقوف إلى جانب أوكرانيا ودعم جهود الإدارة الأمريكية لتحقيق سلام عادل ودائم. وأكدت على ضرورة وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط، معربةً عن أملها في أن تثبت روسيا بشكل ملموس إرادتها في بناء السلام.

تحليل شامل لجلسة الاستماع وتداعياتها:

تُظهر جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ اليوم ميلوني كامرأة دولة واثقة، قادرة على عرض رؤيتها وسياسات حكومتها بشكل واضح ومقنع.

لقد نجحت في تسليط الضوء على أبرز إنجازاتها وتوجهاتها الاستراتيجية في ملفات داخلية وخارجية حيوية.

السياسات الخارجية: تأكيدها على دور الدول العربية في السلام يعكس تحولًا محتملاً في السياسة الإيطالية تجاه المنطقة، مع إعطاء أهمية أكبر للفاعلين الإقليميين. التزامها الصارم بالناتو ورفع الإنفاق الدفاعي يتماشى مع توجهات الحلف ويعزز مكانة إيطاليا كشريك موثوق.

موقفها بشأن روسيا وأوكرانيا يظل ثابتًا في دعم كييف والسعي للسلام، بينما يشير استعدادها لتناول قضايا أخرى مثل التوترات بين الهند وباكستان والتخطيط لمهمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى اهتمامها بالشؤون الدولية الأوسع.

وعلاقاتها مع الولايات المتحدة تقوم على مبدأ التحالف مع الحفاظ على الاستقلالية في اتخاذ القرارات.

السياسات الداخلية: تركيزها على دعم الأسر والشركات، ومحاولة معالجة قضايا حساسة مثل السلامة في مكان العمل والعنف ضد المرأة، يشير إلى وعي حكومتها بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية.

قرار إعادة فتح الباب للطاقة النووية يمثل خطوة جريئة نحو تحقيق الاستقلال الاستراتيجي في مجال الطاقة وخفض التكاليف.

إعلانها عن خطط لمراجعة برنامج PNRR وإمكانية تضمين مبادرات جديدة يعكس مرونة في التعامل مع خطط التعافي الاقتصادي. اهتمامها بقطاع صناعة السيارات ومشاكله، بالإضافة إلى سعيها لإصلاح قانون الانتخابات والقضاء، يوضح سعيها لإجراء تغييرات هيكلية واسعة.

النتائج المبهرة:

يمكن اعتبار تصريحات ميلوني في جلسة اليوم بمثابة خارطة طريق واضحة لسياسات حكومتها المستقبلية. لقد نجحت في تقديم صورة إيجابية عن أداء حكومتها وإظهار التزامها بتحقيق الوعود التي قطعتها.

يبقى التحدي في تحويل هذه التصريحات الطموحة إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع. ردها الحاسم على رينزي بشأن الاستقالة في حال فشل الاستفتاء يعكس ثقتها بنفسها وقراراتها.

انعكاسات على السياسات الداخلية والخارجية:

من المتوقع أن تعزز هذه التصريحات ثقة الحلفاء الغربيين في التزام إيطاليا بأهداف الناتو.

كما أن تركيزها على الدول العربية قد يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي مع المنطقة.

توجهها نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ يشير إلى دور إيطالي عالمي أوسع.

داخلياً، قد يثير قرار العودة إلى الطاقة النووية جدلاً واسعاً، بينما من المرجح أن يلقى اهتمامها بقضايا السلامة والعنف ضد المرأة وإصلاح القضاء ترحيباً واسعاً.

انعكاسات على العالم العربي وليبيا:

تعكس تصريحات رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في جلسة مجلس الشيوخ تحولاً محتملاً في السياسة الإيطالية تجاه منطقة الشرق الأوسط، مع إعطاء أهمية متزايدة للدور المحوري للدول العربية في تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي.

وقد يُنظر إلى دعمها لخطة السلام التي تقودها الدول العربية وحل الدولتين للقضية الفلسطينية بإيجابية في العالم العربي.

أما بالنسبة لليبيا، وعلى الرغم من عدم وجود إشارة مباشرة إليها في هذا السياق، فإن تأكيد ميلوني على أهمية الاستقرار الإقليمي وربط ذلك بملف الهجرة غير الشرعية يتماشى مع موقف الحكومة الإيطالية التي صنفت ليبيا سابقاً كدولة غير آمنة للمهاجرين.

هذا يشير إلى أن إيطاليا من غير المرجح أن تدعم أو تسهل أي خطط لترحيل مهاجرين إليها من الولايات المتحدة أو أي جهة أخرى، وهو ما يتوافق مع الرفض القاطع الذي أبدته الحكومة الليبية والمجلس الأعلى للدولة لهذه الخطط. يمكن فهم تركيز ميلوني على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة كجهد أوسع لمعالجة جذور أزمة الهجرة غير الشرعية التي تؤثر على إيطاليا بشكل مباشر.

في الختام:

تظل خطط إدارة ترامب لترحيل مهاجرين إلى ليبيا قضية معقدة وحساسة، تحمل في طياتها تداعيات قانونية وإنسانية وسياسية كبيرة. وبينما تصر الإدارة الأمريكية على موقفها، يواجه هذا التوجه رفضاً متزايداً على المستويات المحلية والدولية، بما في ذلك الرفض القاطع من الحكومة الليبية والمجلس الأعلى للدولة.

وفي هذا السياق، فإن تصريحات رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي تؤكد على أهمية الاستقرار الإقليمي ودور الدول العربية في تحقيق السلام، مع إشارة ضمنية إلى استمرار تقييم إيطاليا لليبيا كدولة غير آمنة للمهاجرين، تعزز من صعوبة تنفيذ هذه الخطط المثيرة للجدل وتضع مزيداً من علامات الاستفهام حول مستقبلها.

المزيد من الكاتب

ملف لندن السري: بريطانيا تراجع خطط الحرب وسط كوابيس نووية وهجمات سيبرانية روسية

خطة ترامب المثيرة للجدل تواجه رفضاً ليبياً متصاعداً من الحكومة والمجلس الأعلى للدولة وقادة محليين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *