✍من “ماكوتو هيلتون” في كاراكاس: إيمان الهادي تصف.. 90 يوماً من الحشد الدائم تُقابل “رمح الجنوب” الأمريكي!
على حافة التوتر.. مشهد كاراكاس لا ينام
كاراكاس، فنزويلا – 15 نوفمبر 2025
على شرفة غرفتي المطلة على الكاريبي في فندق “ماكوتو هيلتون“، ليس المنظر هادئاً. القلق يطغى على زرقة السماء. لقد رأيت ذلك بعيني وشعرت به في عظامي: طائرات الشحن العسكرية الضخمة لا تتوقف عن التحليق، وهي تحمل تعزيزات ضخمة نحو الحدود الغربية.
أؤكد لكم، كـ محللة استراتيجية، أن الأمر تجاوز المناورات الروتينية. تحركات عسكرية كبيرة وجهت تعزيزات ضخمة مؤخراً نحو ولايتي زوليا وتاشيرا المتاخمتين لكولومبيا، في عملية حشد هدفها تحصين الجبهة البرية ضد أي سيناريو تدخّل قد ينشأ عن الضغط الأمريكي المتزايد.
إن هذه الحركة هي جزء من رد فعل عنيف ومُمنهج على الوجود البحري والجوي الأمريكي الكثيف، وتحديداً على ما أعلنت عنه واشنطن مؤخراً بـ “العملية رمح الجنوب“.
فنزويلا، التي يعتبرها البيت الأبيض كياناً غير شرعي وتتهم قيادتها بالـ “ناركوتيروريستا”، لا تستسلم.
الكلمات كـ رصاص: من قاعة الوزير إلى تسليح الملايين
قبل أسابيع قليلة، كنت حاضرة في مؤتمر صحفي للجنرال فلاديمير بادرينو لوبيز، وزير الدفاع. لم يكن خطاباً دبلوماسياً؛ كان بياناً يُعلن الحرب النفسية على الخصم.
لقد شاهدت التركيز على مفهوم “الانصهار التام الشعبي-العسكري-الشرطي“. وهنا، يكمن الخطر والذكاء معاً:
لقد أعلن الوزير بكل وضوح عن عملية تسليح وتدريب المدنيين وتجنيد أكثر من 8 ملايين مواطن في “المليشيا البوليفارية“.
عندما تسمع هذا الإعلان مباشرة، تدرك أن النظام يجهز البلاد لـ “حرب الشعب“، أي سيناريو حرب عصابات طويلة الأمد وشديدة التكلفة لأي قوة غازية.
هذا ليس دفاعاً تقليدياً، بل هو استراتيجية تضحية مُحسوبة تهدف إلى الردع عبر رفع ثمن التدخل إلى مستويات لا تُحتمل سياسياً في واشنطن.
لقد كانت عبارة “الأسلحة في يد الشعب“ هي العنوان الرئيسي للمؤتمر، والمرتكز الذي يمنح النظام غطاءً قانونياً ودعماً شعبياً (مفترضاً) في مواجهة اتهامات واشنطن بالديكتاتورية.
تحليل “الاستجابة الدائمة”: 90 يوماً من التعبئة والقلق
على مدى ثلاثة أشهر متواصلة، لم يتوقف الجيش الفنزويلي عن الحركة، وهذا يؤكد قراءة النظام بأن الموقف خطير جداً وأن التهديد أمريكي حقيقي وليس مجرد ضغط سياسي.
لقد عشتُ حالة التأهب هذه. فمنذ الصباح الباكر، أسمعُ أصوات تحريك وحدات ZODI (المناطق العملياتية للدفاع الشامل) التي تتأهب على افتراض وجود “عدوان عسكري” أمريكي وشيك. النظام يحاول تحصين كل شبر.
في البحر، وفيما كنا نراقب وصول حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة USS Gerald R. Ford، كان الرد الفنزويلي مباشراً وبلا تردد: رأيت بأم عيني الزوارق الحربية وهي تخرج في مناورات “الكاريبي السيادي 200“، وتشارك فيها طائرات حربية.
هذه المناورات المكثفة، التي أُعلنت لتشمل حتى استخدام صواريخ ووسائل جوية متقدمة حول جزر الكاريبي، لم تكن مجرد عرض قوة. إنها استفزاز محسوب يهدف إلى إظهار أن كاراكاس مستعدة للدفاع عن مياهها الإقليمية، وأنها لن تسمح بـ “حصن بحري أمريكي” يضيّق الخناق عليها.
إن هذه الحركة الدائمة، وهذا الحشد الذي يطال الحدود الغربية والساحل، ليس إلا محاولة لتحويل كل مواطن وكل جندي وكل متر مربع إلى خط دفاع ثابت ومتحرك، في رسالة واضحة للخصم بأن حرباً طويلة الأمد تنتظرهم.
الخاتمة: حافة الهاوية تحت أقدامنا.. شبح التغيير يطارد نظامين
كـ محللة، أرى أن فنزويلا نجحت في تحويل التهديد الأمريكي إلى أداة حشد داخلي، وإلى سلاح ردع نفسي خارجي.
إن الإعلان عن “العملية رمح الجنوب“ لم يُخيف كاراكاس إلى حد الاستسلام، بل دفعها إلى حافة الحشد الدائم.
الوضع الآن خطير للغاية: واشنطن لا تكتفي بالتلويح بسيفها العسكري؛ بل هي تضغط لتغيير جيوسياسي شامل في الكاريبي.
إن الخطر الذي يواجه نظام مادورو في كاراكاس يمتد بوضوح إلى نظام كاسترو في هافانا، حيث أن العملية الأمريكية تستهدف بشكل استراتيجي الأنظمة التي تُعتبر ملاذاً للتهريب، بهدف إحداث انهيار دومينو في المنطقة.
السؤال الحقيقي هو: هل سيؤدي هذا السباق الخطير بين “الرمح الأمريكي“ و “الشعب المسلح“ إلى تثبيت الأوضاع، أم أن هذه الحركة العسكرية غير المسبوقة منذ 90 يوماً ستكون هي الشرارة التي ستُحول القلق الذي نشعر به على هذا الشاطئ إلى صراع مُدَوٍ يهدد بانهيار نظامي مادورو وكاسترو معاً، ويغير خريطة القارة؟ كل الدلائل تشير إلى أن المرحلة القادمة ستكون حاسمة وخطيرة جداً.
شاركنا في التحليل! 🎤
في رأيك، هل سينجح “الردع الشعبي” الفنزويلي في دفع واشنطن للتراجع عن “الرمح العسكري”، أم أننا على موعد مع تغيير حتمي لنظامي مادورو وكاسترو؟ شاركنا تحليلك للمرحلة القادمة.
