أزمة الكاريبي.. هل تعيد واشنطن “حرب الذرائع” لتأجيج التوتر مع فنزويلا؟

تتجه الأنظار مرة أخرى إلى منطقة الكاريبي، التي باتت على صفيح ساخن بفعل تصعيد غير مسبوق في العلاقات بين أمريكا وفنزويلا.

ففي الوقت الذي تؤكد فيه واشنطن أن تحركاتها العسكرية المتزايدة هي جزء من استراتيجية لمكافحة الجريمة المنظمة، ترى كاراكاس أن ما يجري ليس سوى “حرب نفسية” وتهيئة لـ”ذرائع كاذبة” تهدف لتمهيد الطريق أمام تدخل عسكري محتمل.

هذا التناقض الصارخ يعيد إلى الأذهان فصولاً مظلمة من التاريخ الأمريكي، ويطرح سؤالاً جوهرياً: هل يوشك التاريخ على أن يعيد نفسه في فنزويلا؟

حرب الذرائع: نمط يتكرر عبر التاريخ

يرى المحللون أن ما يجري في الكاريبي يندرج ضمن نمط سياسي-عسكري تتقنه واشنطن منذ عقود، حيث يتم تبرير العمليات العسكرية بذرائع تبدو إنسانية أو أمنية في ظاهرها.

يستشهد الخبراء بحادثة السفينة “مين” التي كانت الذريعة للحرب مع إسبانيا، أو واقعة خليج تونكين التي فتحت الباب على مصراعيه للتدخل في فيتنام، أو حتى الادعاءات حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.

اليوم، يبدو أن مكافحة “الإرهاب” وعصابات المخدرات هي الذريعة الجديدة التي يتم توظيفها، خاصة مع إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن تدمير قارب تهريب وقتل من كانوا على متنه، وهو ما وصفته فنزويلا بـ”العدوان الغاشم”.

فنزويلا: الدفاع الشامل في مواجهة التهديد

من جهتها، لا تقف فنزويلا مكتوفة الأيدي. ففي ظل التهديد المتصاعد، أعلنت وزارة الدفاع الفنزويلية حالة التأهب القصوى، وأكدت أن أي تحرك أمريكي يهدف لزعزعة الاستقرار سيواجه برد حاسم.

تعتمد كاراكاس على استراتيجية “الحرب الشعبية المطوّلة”، حيث قامت بتدريب وتسليح أكثر من 8 ملايين شخص ضمن قوات الميليشيا، كركيزة أساسية للدفاع الشامل.

كما تمتلك فنزويلا قدرات ردعية مهمة، أبرزها نظام دفاع جوي متعدد الطبقات، ومقاتلات “سوخوي-30MK2″، بالإضافة إلى قدراتها البحرية المضادة للسفن والتي تحظى بدعم إيراني.

هذه القدرات تجعل أي هجوم محتملاً مكلفاً للغاية من الناحية البشرية والسياسية لواشنطن.

تداعيات إقليمية وصراع على الرواية

لا يقتصر القلق على فنزويلا وحدها، إذ تخشى دول أمريكا اللاتينية والكاريبي من أن تتحول المنطقة إلى ساحة مواجهة جديدة.

ويحذر المراقبون من سيناريوهات محتملة تبدأ بتشديد العقوبات الاقتصادية، وصولاً إلى مواجهة عسكرية قد لا تحمد عقباها. وفي هذا الصراع، يبدو أن الأداة تغيرت، حيث بات التضليل الإعلامي والأخبار المفبركة التي يتم إنتاجها بـ”الذكاء الاصطناعي” أسلحة رئيسية في “الحرب النفسية”، ما يزيد من خطورة الموقف وصعوبة التمييز بين الحقيقة والادعاء.

خلاصة القول: إن التوتر في الكاريبي لا يمثل مجرد عملية عسكرية روتينية لمكافحة التهريب، بل يعكس صراعاً جيوسياسياً أعمق وأكثر تعقيداً.

وبينما تصر واشنطن على أن هدفها هو حماية الاستقرار، ترى فنزويلا أنها مقدمة لمرحلة جديدة من محاولات الضغط والتدخل.

يبقى السؤال الأهم: هل سينجح الردع الفنزويلي وموقف دول المنطقة في منع تكرار التاريخ، أم أن “حرب الذرائع” ستجد طريقها نحو أزمة جديدة في نصف الكرة الغربي؟

المزيد من الكاتب

قفزة نوعية في الوعي”.. من صحراء نيفادا إلى الذات

شارلوت فلير… الملهمة التي أصبحت غريمة! تيفاني ستراتون تتحدث عن قصة الصراع والإلهام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *