في دراما قصصية تتجاوز حدود الخيال، وتُثير حيرة مرعبة بين واقع مدبر وجريمة مكتملة الأركان تقف امرأة أسترالية أمام المحكمة، مُتهمة بقتل ثلاثة من أقارب زوجها المُنفصل عنها.
إنها إيرين باترسون، التي تُقرّ بأن وجبة الغداء المُميتة التي قدمتها كانت تحتوي على “أغطية موت” – أخطر أنواع الفطر السام.
لكن هل كان ذلك خطأً مأساوياً، أم تخطيطاً شيطانياً؟ هنا يبدأ التخيّل، وتتعمق الحيرة، وتتجسد قوة الشر الخطيرة في أبسط تفاصيل الحياة اليومية.
الغداء الأخير: وليمة من الجحيم؟
في يوليو 2023، قدمت باترسون وجبة “لحم ويلينغتون” في منزلها الريفي ببلدة ليونغاثا بولاية فيكتوريا الأسترالية.
كان الضيوف هم والدا زوجها المنفصل عنها: دون باترسون وغيل باترسون، وعم وعمة زوجها: هيذر ويلكنسون وزوجها إيان ويلكنسون.
بعد هذه الوجبة، نُقل دون، وغيل، وهيذر إلى المستشفى، وتوفوا جميعاً في وقت لاحق. أما إيان، فقد نجا بأعجوبة بعد أن كان في حالة صحية حرجة، ليصبح الشاهد الحي الوحيد على هذه المأساة الغامضة.
في المحكمة، يوم الثلاثاء، أدلت إيرين باترسون بشهادتها، وهي المرة الأولى التي تتحدث فيها علناً منذ وقوع الوفيات، وقد اصطفت طوابير طويلة خارج محكمة وادي لاتروب للاستماع إليها.
اعترفت باترسون بأن “الغالبية العظمى” من الفطر الذي استخدمته جاء من متاجر محلية، لكنها أقرت بشكل قاطع بأن معجنات “لحم ويلينغتون” احتوت على الفطريات القاتلة.
إنها تُنكر ثلاث تهم بالقتل وتهمة واحدة بالشروع في القتل، وتُصرّ على أن التسميم كان “حادثًا مأساوياً”.
لكن الادعاء، في المقابل، يرى أنه كان مُتعمّدًا، وإذا أُدينت، فستواجه عقوبة السجن المؤبد بتهمة القتل، و25 عامًا بتهمة الشروع في القتل.
الشيطان في التفاصيل: “عاشقة الفطر” ومجفف الحقد؟
ما يُزيد من الحيرة والشك هو ما كشفته باترسون عن هوايتها المريبة: جمع الفطر لسنوات. قالت إنها بدأت جمع الفطر خلال فترة إغلاق كوفيد-19 في مارس 2020، وكانت تجرب الفطر الذي تجمعه وتطعمه لأطفالها، مقطعاً قطعاً صغيرة “حتى لا يتمكنوا من تمييزه من الكاري والمعكرونة والحساء”.
انضمت إلى مجموعات على فيسبوك لـ”عشاق الفطر” واشترت مجففاً لحفظ ما تجده.هنا يتدخل عنصر التخطيط المرعب، لتجد نفسك تتساءل: هل كانت تحضّر لجريمتها منذ سنوات تحت ستار الهواية؟
محاميها اعترف أنها كذبت على المحققين في البداية عندما أنكرت بحثها عن الفطر البري.هل كانت هذه الكذبة جزءاً من تدبير أكبر؟ الادعاء يُشير إلى أنها ربما وضعت الفطر البري المجفف في نفس الحاوية مع الفطر الآمن من المتاجر.
هذا التفصيل الدقيق يُشير إلى تصميم شيطاني لإخفاء الجريمة وسط تفاصيل الحياة العادية، كأن الشر يتسلل إلينا من حيث لا نحتسب.
والأكثر إثارة للريبة، هو تخلصها من مجفف الفطر بعد الوفيات، والذي وصفه محاميها بأنه “ذعر من الوفيات العرضية”.
فهل كان حقاً ذعراً، أم محواً للأدلة في محاولة يائسة لطمس معالم جريمة خطيرة؟ هذا السؤال يضع القارئ في حيرة عميقة بين البراءة الظاهرة والخطة الخفية.
نزاعات عائلية وأكاذيب السرطان: دوافع تتراقص في الظل!
الدراما تتعمق مع الكشف عن خلفيات شخصية مريبة. المحكمة استمعت إلى رسائل مليئة بالشتائم أرسلتها باترسون عن أصهارها في ديسمبر 2022، وصفتها بأنها “مساحة آمنة للتنفيس”.
دموع باترسون في المحكمة وهي تقول “أتمنى لو لم أقل ذلك أبدًا… لم يستحقوا ذلك” تبدو كدموع ندم، أم تمثيل بارع يهدف إلى تضليل هيئة المحلفين؟
كانت باترسون تحاول أن يتوسط أهل زوجها في نزاع مع زوجها المنفصل عنها، سيمون، بشأن الرسوم المدرسية.
الزوجان انفصلا رسمياً في 2015 بعد انفصالين مؤقتين سابقين، وسيمون نفسه دُعي إلى الغداء المُميت لكنه لم يحضر.
وما يزيد الطين بلة، ادعاء باترسون الكاذب بتلقيها تشخيصاً بالسرطان لتبرير دعوتها الغريبة للغداء.
لقد اعترفت بأنها لم تُصب بالسرطان قط. هل كان هذا التخطيط المسبق لدوافع أخرى؟ هل كان هدفها أعمق من مجرد الانتقام من أهل زوجها؟
المحكمة استمعت أيضاً إلى شهادة هيذر ويلكنسون قبل وفاتها، بأن باترسون تناولت فطيرة لحم البقر ويلينغتون الخاصة بها من طبق بلون مختلف عن بقية المتناولين، مما يُشير إلى تفاصيل دقيقة في التخطيط، ويثبت أن القاتل كان يعرف ما يفعله.
الادعاء يقول إنها كذبت على المحققين عندما ادعت أنها تناولت نفس الوجبة وأطعمت أطفالها ما تبقى منها.
كل هذه التفاصيل، من الرسائل الغاضبة إلى أكذوبة السرطان، تُشكل شبكة معقدة من الدوافع المحتملة، وتُلقي بظلال كثيفة من الشك على نواياها الحقيقية.
نهاية مفتوحة: هل سيبقى الشر خفياً؟
القصة لم تنته بعد. إيرين باترسون ستواصل الإدلاء بشهادتها يوم الأربعاء، والمحكمة تسعى لفك شفرة هذه الجريمة المروعة، التي تُشبه الحبكة الروائية أكثر من كونها واقعاً.
هل هي امرأة عادية تحولت إلى قاتلة بدم بارد، تخطط وتدبر بعناية، وتختبئ وراء ستار البراءة والهوايات؟
أم أن القدر قد لعب دوره في مأساة مروعة؟ هذه القضية تضعنا في حيرة عميقة أمام حقيقة أن الشر يمكن أن يتجلى في أكثر الأماكن هدوءاً، وفي أبسط التفاصيل، وكيف يمكن أن تكون دوافعه معقدة وغامضة، تتراقص بين الواقع والخيال، والتخطيط المُحكم، والأهداف الخفية التي قد لا نعرفها أبداً.
هذه الجريمة هي تذكرة مخيفة بأن قوة الشر يمكن أن تتسلل إلى حياتنا من خلال تفاصيل تبدو بريئة، وأن الإعداد والتدبير يمكن أن يجعلا من أبسط الأمور أداة للموت.
هل ستتمكن العدالة من كشف الستار عن الحقيقة الكاملة، أم أن هذه القضية ستُصبح قصة أخرى تُرعب الأجيال، وتُبقينا في حيرة أمام عظمة الشر البشري؟