على عرش التنس، يجلس رجلٌ فعل كل شيء إلا أن يتسلق مبنى إمباير ستيت ويضرب الطائرات مثل كينغ كونغ.
إنه يانيك سينر، وحش التنس الذي يُخيف مواجهته، ونجمٌ فريد لا يستطيع المشجعون أن يرفعوا أعينهم عنه.
هدوء يسبق العاصفة وألم مفاجئ
في ليلة الجمعة، الخامس من سبتمبر 2025، كانت أجواء ملعب آرثر آش في US Open مشحونة بالترقب. لم تكن هذه مجرد مباراة في نصف النهائي؛ بل كانت معركة حقيقية بين الإرادات، حيث كان يانيك سينر، حامل اللقب ومصنف عالمي رقم 1، يسعى لخطوة أخرى نحو الدفاع عن عرشه، بينما كان الكندي فيليكس أوجيه-ألياسيم يسعى لتحدي الهيمنة.

بدأت المباراة كأنها تسير وفق السيناريو المتوقع للبطل الإيطالي. سينر، الملقب بـ “الآلة الكروية”، دخل الملعب بتركيز فولاذي، وكانت ضرباته القوية والمتقنة تنهال على خصمه، ليحسم المجموعة الأولى 6-1 في عرض قوي ينم عن ثقة لا تتزعزع.
الجمهور صفق بحماس، وكأنهم يشهدون عرضاً تمهيدياً للانتصار.لكن عالم التنس مليء بالمفاجآت. في المجموعة الثانية، بدأت لمحات من الدراما تتكشف.
أوجيه-ألياسيم، الذي خسر أمام سينر بسهولة الشهر الماضي في سينسيناتي، عاد كلاعب مختلف تمامًا. إرسالاته أصبحت كالصواريخ، وضرباته الأمامية كالمطارق.
فجأة، تحول دفة اللعب، ومع كل نقطة مذهلة من الكندي، بدا أن الجمهور بدأ يتبنى لاعباً آخر.
في لحظة حاسمة عندما لم يتمكن أوجيه-ألياسيم من تحويل ثلاث فرص كسر إرسال في بداية المجموعة، بدا أن سينر سيمضي قدمًا، لكن الكندي سرعان ما استعاد زمام المبادرة. من 3-3، فاز أوجيه-ألياسيم بـ 12 من آخر 13 نقطة في المجموعة، ليحسمها 3-6.
الأمر الأكثر إثارة للقلق كان ظهور علامات الألم على سينر. وسط هذا الهجوم الكندي، بدا أن المصنف الأول عالمياً يعاني من مشكلة في البطن.
التقطت الكاميرات نظراته القلقة، وشعرت الجماهير بقلق مع كل لمحة ألم على وجهه، وهو يشير إلى منطقة بطنه وكتفه الأيمن. كل ضربة إرسال أصبحت اختبارًا ليس فقط لإرادته، بل لقدرة جسده على الاستمرار.
معركة الأعصاب والعودة الحديدية
مع بداية المجموعة الثالثة، خرج سينر من الملعب للحصول على وقت طبي مستقطع. كانت اللحظات تمر ببطء، والجمهور يتهامس، هل يستسلم “وحش التنس” للألم؟ عاد سينر، وعيناه تلمعان بالتحدي، مصمماً على إخفاء ألمه.

أربع إرسالات أولى خاطئة لم تخفف التساؤلات، لكنه حافظ على إرساله بصعوبة بالغة. بدأ يستعيد السيطرة شيئاً فشيئاً.
بصبر وذكاء، كافح ليعوض التأخر، وأنقذ ثلاث فرص لكسر إرساله، ثم شن هجومًا بضربتين قويتين لكسر إرسال أوجيه-ألياسيم لأول مرة منذ المجموعة الأولى.
كانت تلك لحظة حاسمة. صوت ارتطام الكرة بالمضرب، يليه زئير الجمهور الذي عاد لمساندة بطله. أوجيه-ألياسيم، بعد ساعتين من الأداء البدني الخارق، بدا أنه قد وصل إلى حائط من الإرهاق. سينر، رغم ألمه، أظهر مرونة مذهلة، وأنهى المجموعة الثالثة بحفظ إرساله ليتفوق 6-3.
بعد المباراة، قلل سينر من شأن إصابته لـ جيمس بليك: “الأمر ليس سيئًا للغاية.
أرسلت بشكل أسرع قليلاً بعد فترة [من العلاج]. لذا، لا، الأمر ليس خطيرًا على الإطلاق.” لقد أنقذ تسع نقاط كسر من أصل عشر، وهذا دليل على رباطة جأشه.
الانتصار وصدى تحدي ألكاراز
مع اقتراب النهاية في المجموعة الرابعة، ومع مكان في نهائي US Open على المحك، رفع كلا اللاعبين مستواهما.
كانت الأرضية الزرقاء لملعب آرثر آش مسرحاً لتبادلات نارية، حيث أرسل اللاعبان ضربات أرضية دقيقة كالرسم. “كسر الإرسال المرتد” حسم المجموعة والمباراة: بعد أن أنقذ سينر ثلاث نقاط كسر إرسال في نقطة حاسمة جعلت النتيجة 2-2، كسر إرسال أوجيه-ألياسيم في الشوط التالي مباشرة.
بثلاثة أشواط إرسال واثقة، أنهى المباراة منتصراً 6-4

سينر لم يكن مجرد لاعب؛ لقد كان “وحش تنس”، وحيداً وفريداً، يجبر الجماهير على عدم تحويل أبصارها عنه. قال عنه أوجيه-ألياسيم: “يانيك، كل الفضل له.
لقد كان مهيمناً على الملاعب الصلبة، بل على كل الملاعب.”
ماذا يعني هذا؟
هذا الانتصار يضع سينر في نهائي غراند سلام الخامس على التوالي، وسيخوض معركته القادمة على لقبه الكبير الخامس بشكل عام والثالث في عام 2025.
الآن، كل الأنظار تتجه نحو النهائي الحلم.
للمرة الثالثة على التوالي في بطولات الغراند سلام، سيكون نهائي US Open 2025 بين سينر وألكاراز. هذه المواجهة المرتقبة ستحسم التعادل بينهما بعد فوز ألكاراز في رولان غاروس وانتصار سينر في ويمبلدون.
والأهم، أن نهائي US Open سيضاعف الرهان، ليكون “معركة مباشرة” على صدارة تصنيف ATP العالمي.
قال سينر متأملاً: “أشعر أن منافستنا بدأت هنا حقاً، بعد تلك المباراة الرائعة [في ربع نهائي 2022]. نحن لاعبان مختلفان الآن، وبثقة مختلفة أيضاً.دعونا نرى ما سيحدث.”
إن سينر هو أصغر رجل في العصر المفتوح يصل إلى نهائيات الغراند سلام الأربعة في موسم واحد، لينضم إلى قائمة أسطورية تضم رود لافر، روجر فيدرر، ونوفاك ديوكوفيتش.
إن انتصاره في الدور نصف النهائي لم يكن سوى فوزه الـ 300 في مسيرته الاحترافية.