"ألا تخجلين؟".. علم فوق الرماد يثير مواجهة أبدية
أعزائنا القراء،
تنقلكم كاتبة مقالات ردود الفعل المتميزة في شبكة نما نيوز الإخبارية ، إيمان الهادي، إلى أرض بولندية، وتحديداً إلى معسكر الاعتقال النازي أوشفيتز-بيركيناو.
في هذا المكان الذي يحمل أثقل ذكرى في تاريخ البشرية، اندلع في مساء 18 أغسطس 2025، ، رد فعل قوي بين شابة وشارلوت كورتشاك، وسط دهشة ورد فعل مفاجئ من طلابها.
هذه المقالة ليست سرداً لأحداث عابرة، بل هي رحلة عبر التساؤلات، حيث يثير كل سطر مفاجأة تجعل القارئ ينتظر ما سيأتي بعده.
فما الذي دفع امرأة شابة، مشبعة بالتعاطف مع قضايا الأطفال، للسؤال: “ألا تخجلين؟“، وما الذي أعطى شارلوت القوة لترفع رأسها وتواجهها؟

صراع رمزي: العلم على سكة الحديد
بعد انتهائها من جولة في أوشفيتز، قامت شارلوت كورتشاك، وهي معلمة إسرائيلية، برفع العلم الإسرائيلي على خط السكك الحديدية المؤدية إلى المعسكر.
في تلك اللحظة، اقتربت منها شابة وسألتها بغضب: “ألا تخجلين؟”.
لم يكن سؤالها موجهاً لشارلوت شخصياً، بل كان موجهاً للرمز الذي رفعته.
لماذا يزعج العلم الشابة؟
من المرجح أن هذه الشابة تنظر إلى العلم الإسرائيلي كرمز لدولة سياسية معاصرة، وليست رمزاً تاريخياً لبقاء الشعب اليهودي.
وفي نظرها، فإن رفع هذا الرمز في موقع إبادة جماعية يمثل خلطاً بين التاريخ والسياسة، وتدنيساً لذكرى مكان يُفترض أن يكون شاهداً على مأساة إنسانية عالمية.
إنها ترى في العلم استعراضاً سياسياً في مكان مقدس يحمل آلام اليهود الذين قضوا دون أن يكون لهم وطن.
اتهامات مباشرة: "أنتِ تقتلين الأطفال"
ما هي إلا لحظات حتى تطورت المواجهة من مجرد سؤال إلى اتهام مباشر. فقد صرخت الشابة في وجه شارلوت قائلة: “أنتِ تقتلين الأطفال“، مضيفةً أن أصدقاءها في غزة قد “أُجبروا على ترك منازلهم بسببكم”.
وعندما اشتدت المواجهة، أضافت الشابة قائلة: “أنا أحب اليهود.. ولكن أسوأ ما فيهم هو الصهاينة“.

بهذا، كشفت عن التناقض العميق في موقفها، رافضةً أن تفصل بين ماضي المحرقة وحاضر الصراع.
وفي المقابل، لم تتردد شارلوت في الرد، مذكرّة بأنها أيضاً قد فقدت أصدقاء شخصيين في هجوم 7 أكتوبر، وفي تفجيرات سابقة.
وأكدت أن الإحصائيات التي يستشهد بها البعض لا يمكن أن تلغي حقيقة أن وجود إسرائيل كان ضرورة تاريخية لضمان عدم تكرار المحرقة.
قوة المواجهة: ردّ فعل يعلم طلابها
رغم حدة التعبير، دار الحوار بين المرأتين دون اللجوء للعنف، حيث عبرت كل منهما عن رأيها بصلابة. فبالنسبة لشارلوت، لم تكن هناك أي خيارات لديها سوى المواجهة.

يمثل العلم الإسرائيلي الرد النهائي على المحرقة، ويجسد انتصار الشعب اليهودي على محاولات إبادتهم.
لقد كان رفعها للعلم في هذا المكان تحديداً بمثابة إعلان للعالم أجمع أن “الشعب اليهودي لم ينقرض، بل أصبح له دولة تحميه”.
تقول شارلوت إنها لم تكن لتميل رأسها أبداً، لأن هذه هي اللحظة التي يجب أن تظهر فيها الفخر لطلابها.
وفي النهاية، كانت اللحظة الأكثر درامية في المواجهة هي رد فعل الطلاب، الذين أخذوا في ترديد أغنية “عام إسرائيل حاي“، أي “شعب إسرائيل حي“، وهو ما جعل الشابة تغادر المكان.
لقد أظهروا أن أقوى رد على الغضب ليس بالعراك، بل بالتعبير عن هويتهم وفخرهم.
ماذا تضيف القصة للمرأة العربية؟
قصة شارلوت كورتشاك تحمل رسالة قوية تتجاوز سياقها المباشر، لتلامس كل امرأة تعتز بوطنها وهويتها.
إنها دعوة للمرأة العربية لكي تدرك أن العلم ليس مجرد قطعة قماش، بل هو رمز لكرامة الأمة وتاريخها وكفاحها.

إنها تذكرها بأهمية الفخر بهويتها الوطنية، وعدم السماح لأي صوت بأن يخجلها من حبها لوطنها. كما تُظهر القصة أن الشجاعة ليست دائماً في المواجهة العنيفة، بل في التمسك بالهوية والتعبير عنها بسلام واعتزاز، في أي مكان وزمان.
وعلى الجانب الآخر، تجسد الشابة التي واجهت شارلوت صلابة وقوة المرأة العربية في المواجهة وتعاطفها العميق مع قضايا الأطفال الأبرياء، وحرصها على إيصال صوت من لا صوت لهم.
هذه المواجهة تبرز أن المرأة العربية لا تخشى التعبير عن رأيها، وتعتبر الدفاع عن القضايا الإنسانية جزءاً أصيلاً من هويتها.
تأثير الموقف: انتصار على السلبية
بالنسبة لشارلوت، لم تكن هذه المواجهة حادثة سيئة أفسدت رحلة الطلاب، بل على العكس. لقد أصبحت نقطة تحول عززت شعورهم بالهوية والفخر اليهودي والإسرائيلي.
لقد تعلموا درساً لا يمكن للمحاضرات أن تقدمه: أن الفخر بالهوية هو أقوى سلاح في وجه الكراهية.