🛰️الرد الروسي على “تنازل الناتو” الأوكراني: الكرملين يعتبره “حجر الزاوية” للمفاوضات لكنه يرفض “مكبر الصوت”؛ تحليل استراتيجي لورقة زيلينسكي الثمينة مقابل ضمانات “الناتو الحقيقي” وموقف الاتحاد الأوروبي من فكرة نشر قوات حفظ سلام غربية في أوكرانيا.
🔭 The Telescope: مأزق الضمانات… موسكو وكييف بين حجر الزاوية والورقة المحروقة
في أعقاب إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعداده للتخلي عن الشرط المركزي الذي طالما أغضب موسكو، وهو الانضمام إلى حلف الناتو، جاء رد فعل الكرملين ليعكس التعقيد الدقيق للمشهد التفاوضي.
ففي حين وصفت روسيا مسألة انضمام أوكرانيا إلى الناتو بأنها “أحد أركان النزاع”، أعرب المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، عن تحفظ موسكو على “إجراء المفاوضات بصيغة مكبر الصوت“، في إشارة إلى تفضيل القنوات الهادئة والمباشرة.
ترى موسكو توسع الناتو خطراً أمنياً وجودياً، وتعتبر التخلي الأوكراني عن هذا الهدف إزالة لأحد “الأسباب الجذرية” للصراع.
لكن هذا التراجع الأوكراني يأتي في سياق سياسي جديد؛ فبعد أن استبعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عضوية أوكرانيا في الحلف الدفاعي الغربي، أصبح التخلي عن شرط الناتو بمثابة “تنازل بسيط نسبياً“ لكييف مقارنة بالتنازلات الأكثر إيلاماً المتعلقة بالأراضي.
جوهر الخلاف: هل هي ضمانات ورقية أم قوات حقيقية؟
على الرغم من تراجع زيلينسكي عن هدف العضوية، إلا أنه يشدد على البحث عن ضمانات أمنية قوية، شبيهة بـ المادة الخامسة للناتو، تكون كفيلة بردع أي عدوان روسي مستقبلي.
هذا المطلب الأوكراني وجد صدى لدى كبار الدبلوماسيين الأوروبيين. فمن بروكسل، أكدت كاجا كالاس، كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، أنه إذا كانت عضوية الناتو مستبعدة، فإن كييف تحتاج إلى “ضمانات أمنية ملموسة“.
وشددت كالاس على أن هذه الضمانات “لا يمكن أن تكون أوراقاً أو وعوداً. يجب أن تكون قوات حقيقية، وقدرات حقيقية، حتى تتمكن أوكرانيا من الدفاع عن نفسها”.
هذا التباين يضع على الطاولة اقتراحاً مثيراً للجدل: نشر قوات حفظ سلام غربية في أوكرانيا بمجرد توقف الحرب.
خط أحمر روسي: معارضة نشر القوات الغربية
هذا الاقتراح، الذي يدعمه جزء من الغرب كضمانة مادية للسلام، يواجه معارضة قوية من الكرملين. فقد أعلنت موسكو بوضوح أن أي وجود لقوات غربية في أوكرانيا بعد توقف القتال سيجعلها “أهدافاً مشروعة“ للجيش الروسي.
هذا التحذير يضع خطاً أحمر استراتيجياً ويعقد بشدة مهمة صياغة أي ضمانات أمنية قابلة للتطبيق.
🎯 استراتيجية “التنازل القابل للاسترداد”
إن تنازل زيلينسكي عن مطلب الناتو يمكن وصفه استراتيجياً بأنه “تنازل قابل للاسترداد“؛ فبما أن الولايات المتحدة، حجر الزاوية في الناتو، قد استبعدت العضوية حالياً، فإن التخلي عن هذا الشرط لا يمثل خسارة فورية بل يفتح الباب للتفاوض على البديل الأهم: الضمانات العسكرية المباشرة.
. التهدئة والتكتيك:
يمثل رفض بيسكوف للتفاوض عبر “مكبر الصوت” محاولة لامتصاص زخم الإعلان الأوكراني، وتوجيه الأنظار نحو القنوات السرية حيث يمكن لموسكو أن تفرض شروطاً أصعب (مثل التنازلات الإقليمية) بعيداً عن الرأي العام.
. ثمن الضمانة الملموسة:
يبرز موقف الاتحاد الأوروبي (كالاس) ضرورة أن تكون الضمانات “قوات حقيقية“ وليس مجرد تعهدات وذلك بسبب السابقة التاريخية الكارثية لمذكرة بودابست.
إن الإشكالية الاستراتيجية هنا هي: كيف يمكن لأوكرانيا الحصول على ردع بحجم الناتو (مثل القوات الغربية) دون الدخول رسمياً في الحلف، ودون إشعال فتيل المزيد من التصعيد مع روسيا التي تعتبر أي وجود عسكري غربي هدفاً مشروعاً؟
. مأزق ما بعد الحرب:
يكمن المأزق الحقيقي في مرحلة ما بعد الحرب، فبينما تسعى كييف لضمانة تمنع “الغزو الثالث” تسعى موسكو لضمانة تمنع التحول الغربي الفعلي لأوكرانيا.
التناقض بين الرغبة الأوكرانية في الردع المادي ومعارضة روسيا الشديدة لـ “القوات الحقيقية“ سيظل العقبة الكبرى أمام أي اتفاق سلام مستدام.
البحث عن الأرضية المشتركة في التفاصيل الصعبة
لقد وضع زيلينسكي أهم “حجر زاوية” للنزاع على طاولة التفاوض، لكن رد الفعل الروسي يوضح أن التنازل لا يعني بالضرورة تسريع وتيرة السلام.
تظل قضية “الضمانة“ هي التي تحمل مفتاح إنهاء الحرب، وهي الآن في مرحلة دقيقة؛ إذ تتحول المحادثات من مجرد خلاف حول عضوية الناتو إلى جدل وجودي حول شكل وتركيب القوة العسكرية التي ستحمي أوكرانيا بعد توقف إطلاق النار.
البحث عن سلام يتوافق مع رغبة كييف في “الردع” ومطالبة موسكو بـ “عدم التهديد” سيتطلب حلاً إبداعياً يتجاوز مجرد الوثائق والوعود، ويتجنب التصادم العسكري المباشر في مرحلة حفظ السلام.
