ضيف من ماضٍ سحيق يفتح باب الجدل
في زمننا الحديث، أصبحت السماء مسرحاً لاكتشافات تثير الخيال والجدل على حد سواء. في 1 يوليو 2025، أعلن نظام ATLAS عن اكتشاف 3I/ATLAS، وهو ثالث جسم بين نجمي مؤكد يزور نظامنا الشمسي.
هذا المذنب النشط، الذي يُعتقد أن عمره يتراوح بين 3 و 11 مليار سنة، يحمل بين طياته مواد بدائية قد تسبق نشأة شمسنا بمليارات السنين، مقدماً لمحة نادرة عن كيمياء أنظمة نجمية بعيدة.
لكن المذنب، الذي سيعبر بأمان على مسافة 270 مليون كم من الأرض في 19 ديسمبر 2025، لم يثر اهتمام العلماء فحسب؛ بل أثار سؤالاً افتراضياً مدوياً: هل يمكن للأرض أن تطلق صاروخاً نووياً لاعتراضه؟
لماذا الجدل النووي رغم غياب الخطر؟
إن التفكير في إطلاق صاروخ نووي لا ينبع من خطر الاصطدام، بل من الطبيعة المتطرفة للزائر:
السرعة التي تتجاوز كل الحدود: دخل 3I/ATLAS نظامنا بسرعة مفرطة تبلغ حوالي 58كيومتر ساعة، وهي أعلى سرعة مسجلة لأي جسم في مجموعتنا الشمسية.
هذه السرعة تجعل اعتراضه تحدياً تقنياً غير مسبوق، يفوق قدرة الصواريخ الكيميائية الحالية على اللحاق به ومطابقة مساره.
ضيق نافذة الإطلاق: تم اكتشاف المذنب في يوليو 2025، تاركاً فترة لا تتجاوز 48 يوماً حتى أقرب اقتراب له من الأرض.
هذا الجدول الزمني القصير مستحيل هندسياً لتطوير وإطلاق صاروخ مجهز برأس نووي وتوجيهه بدقة عالية.
التكهنات العلمية: غذّى الجدل نظريات بعض علماء الفلك، مثل آفي لوب من جامعة هارفارد، الذين يتساءلون عن احتمالية الأصول الاصطناعية لهذه الأجسام العابرة.
هذا الاحتمال، وإن كان ضعيفاً، يرفع من أهمية السؤال حول التدخل البشري.
الخلاصة الجازمة: الاستنتاج العلمي والهندسي حاسم؛ اعتراض 3I/ATLAS بصاروخ نووي غير ممكن حالياً.
صراع الأخلاق والقانون في الفضاء
حتى لو كان الاعتراض ممكناً تقنياً، فإن القانون الدولي يضعه في خانة الحظر التام:
القيود القانونية: تمنع معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 بشكل صريح نشر الأسلحة النووية في الفضاء. لا يمكن تجاوز هذا القانون إلا في سيناريو دفاع كوكبي وشيك يهدد بقاء البشرية، وهو ما لا ينطبق على 3I/ATLAS الذي يمر بمسار آمن (قطع زائد).
الواجب العلمي والأخلاقي: أي عمل عدواني قد يدمر هذا الجسم، وبالتالي يقضي على الكنز العلمي الذي يحمله.
يُفضل العلماء نهج المراقبة والدراسة لاستخلاص معلومات حول تكوين المادة في أنظمة نجمية أخرى، بدلاً من المخاطرة بالتدمير غير المبرر.
المستقبل: التركيز على المراقبة لا المواجهة
إن قصة 3I/ATLAS هي تذكير بمدى حيوية كوننا. بدلاً من التفكير في التدمير، يجب أن ينصب تركيز البشرية على تعزيز شبكات المراقبة (مثل ATLAS) وتحسين تقنيات الدفع المستقبلية (مثل الدفع النووي الحراري) لتمكيننا من الوصول إلى هذه الأجسام لدراستها في الوقت المناسب.
حتى ذلك الحين، يظل 3I/ATLAS ضيفاً مبهراً يذكرنا بحجم التحديات الهندسية والقيود الأخلاقية التي تحكم وجودنا في هذا الكون الواسع.
