يشهد المشهد السياسي الليبي حالة من الاستقطاب المتجدد، ليس بين أطراف الثورة فحسب، بل حول جاذبية الماضي التي تلوح في الأفق.
وفي هذا السياق، جاء تصريح رئيس الحزب الديمقراطي، السيد محمد صوان، ليشكل قراءة نقدية حادة لظاهرة “الاندفاع المحموم” لدى بعض الجهات الرسمية والاجتماعية نحو رموز النظام السابق ومحاولة مغازلتهم.
هذا التصريح، بما يحمله من دلالات، لا يعكس مجرد موقف سياسي، بل يرسم خريطة نفسية وسياسية لحالة العجز والإحباط التي تعصف بالدولة الليبية.
الاندفاع: دليل ضعف لا قناعة
يرى صوان أن محاولة “تضخيم حجم وتأثير” رموز النظام السابق من قبل جهات رسمية لا يُفسر على أنه تكتيك ذكي أو قراءة واقعية، بل هو مؤشر على “ضعف وقراءة خاطئة وتشويش في رؤيتها“.
ففي ظل الأزمة السياسية المتواصلة والفوضى، باتت بعض الأطراف تعاني من “انسداد هامش المناورة“، ما يدفعها إلى اللجوء لخيارات يائسة بحثاً عن أي طوق نجاة، حتى لو كان هذا الطوق هو المنظومة التي أثبتت فشلها لعقود.
هذا السلوك، وفقاً للتحليل، يُعد انهزاماً أمام الواقع؛ فالحنين للماضي ليس بالضرورة قناعة بسلامة ذلك الماضي، بقدر ما هو شعور بالإحباط من حاضر لم يلبِ وعود التغيير.
إن محاولات معالجة وضع معقد بـ “إعادة نظام أو منظومة أثبتت فشلها” هي محاولة “لتطلب في الماء جذوة نارِ”، محكوم عليها بالاختفاء والانطفاء.
وهم “الواجهة” وخطر خطاب الكراهية
يُسقط التصريح مباشرةً وهم محاولات “تصدير سيف القذافي كواجهة“، معتبراً إياها وهماً تبدده الوقائع محلياً ودولياً.
إن التأييد المصاحب لمثل هذه الدعوات ليس تأييداً مبنياً على رؤية مستقبلية، بل هو “عاطفة منزعجة ومحبطة“ من الواقع تتلمس عزاءها في الماضي. وهي عاطفة زائلة ستختفي بمجرد أن يتحسن الواقع الليبي ويزدهر.
ويشدد صوان على الجانب الأخلاقي والاجتماعي الحرج، مذكّراً بتجارب الإطلاق السابقة لرموز النظام، التي أسفرت عن مجاهرتهم بخطاب الكراهية والتخوين والدعوة إلى الثأر والانتقام.
هذا التذكير يُعتبر تحذيراً واضحاً من أن إعادة تدوير هذه الرموز لن تُفضي إلى مصالحة وطنية، بل ستؤدي إلى تأجيج الصراع الاجتماعي والسياسي.
إبطال ذريعة الإقصاء: تفكيك الحجة
النقطة الأكثر أهمية في التصريح هي إبطال الذريعة التي غالباً ما يتشدق بها أنصار النظام السابق: ذريعة “الإقصاء والتهميش”.
يؤكد صوان أن الواقع الحالي مختلف تماماً: “لا فرق الآن بين الليبيين“، وأن المشاركة السياسية للنظام السابق قائمة بالفعل على كل المستويات، ولهم “اليد الطولى في بعض المؤسسات”.
هذا التأكيد يسقط أي مبرر للاندفاع نحو رموز الماضي، خاصة وأن عملية التغيير التي مرت بها ليبيا نتج عنها فوضى وأزمات مستمرة، لكن العلاج لا يكمن في العودة إلى نظام “أهلك الحرث والنسل وترك أطلال دولة قمعية” طوال أربعة عقود.
يبقى الرهان على قدرة الأطراف الليبية الفاعلة على بناء رؤية واضحة وموحدة تتجاوز حالة العجز والإحباط.
وكما يرى الحزب الديمقراطي، فإن معالجة الأزمة الكبيرة التي تتداخل فيها العوامل الداخلية والإقليمية والدولية لا يمكن أن يتم عبر محاولات بائسة لإعادة إنتاج الماضي، بل يجب أن يكون عبر بناء واقع جديد يُلهم الثقة ويُنهي حاجة المواطن للبحث عن عزاء في منظومة ثبت فشلها التاريخي.
