غموض الـ 300,000 سنة ضوئية: "حلقة مزدوجة غريبة" في الفضاء تفتح نافذة على سلوك الثقوب السوداء
صدى الأسرار في أعماق الكون
في الأعماق المترامية الأطراف للكون، حيث تتشكل المجرات وتدور الثقوب السوداء، لا تزال هناك ظواهر تتحدى الفهم البشري.
أحدث هذه الألغاز هو اكتشاف فلكي مذهل لظاهرة نادرة تُعرف باسم الحلقات اللاسلكية الغريبة (ORCs)، وبشكل أكثر تحديداً، حلقة مزدوجة متداخلة تُعرف باسم RAD J131346.9+500320.
هذه الهياكل الراديوية الضخمة، التي يمتد بعضها لمسافات تتجاوز 300,000 سنة ضوئية، ليست مجرد فضول، بل هي مفتاح محتمل لفهم أكبر للقوى الكونية الحاكمة.
الحلقة المزدوجة: مؤشر على تعقيد غير متوقع
تُعد الحلقات اللاسلكية الغريبة من أغرب الظواهر المرصودة، لكن اكتشاف الهيكل المزدوج يرفع مستوى الغموض إلى آفاق جديدة.
يشير أناندا هوتا، مؤسس برنامج RAD@home الذي قاد الاكتشاف، إلى أن وجود حلقتين متداخلتين يلمح إلى أن الديناميكيات والقوى العاملة في هذه المجرة أكثر تعقيداً مما كنا نتصور.
يعتقد العلماء أن هذا الهيكل النادر قد يكون ناتجاً عن تفاعل عنيف ومعقد يجمع بين:
1 . رياح قوية: تدفقات هائلة من الطاقة تنبعث من قلب المجرة.
2 . انبعاثات شبيهة بالنافورة: تدفقات من البلازما والغاز تنتشر عبر الفضاء.
3 . تفاعل الثقب الأسود: الدور الحاسم للثقب الأسود المركزي في قلب المجرة في صياغة هذه الهياكل.
أسرار النشأة: موجات صدمية أم رياح مجرية؟
التساؤل الأكبر الذي يواجه العلماء الآن هو: كيف تتشكل هذه الحلقات العملاقة؟ هناك نظريتان رئيسيتان تتنافسان على تفسير الظاهرة:
. الفرضية الأولى (موجات الصدمة):
ترى أن الحلقات هي نتيجة لموجات صدمية هائلة ناتجة عن انفجار أو اندماج كارثي حدث في المركز المجري.
. الفرضية الثانية (الرياح الكونية):
تقترح أنها تتشكل بفعل الرياح المجرية القوية التي تدفع الغاز والبلازما بعيداً عن المجرة عبر مسافات شاسعة، لتخلق هياكل راديوية عملاقة.
فهم هذه الآليات ليس مجرد فضول علمي، بل هو مفتاح لمعرفة كيفية تطور المجرات والثقوب السوداء معاً، وكيف يؤثر كل منهما على مصير الآخر عبر مليارات السنين.
العلم للجميع: تفوق الرؤية البشرية على الآلة
الأكثر إلهاماً في هذا الاكتشاف هو طريقة تحقيقه. لم يأتِ هذا الإنجاز بفضل الذكاء الاصطناعي وحده، بل بفضل تعاون بشري ضمن برنامج “علم المواطن” (RAD@home) في الهند.
لقد أثبت المتطوعون أن الرصد البشري الجماعي لا يزال لا يُضاهى في القدرة على التعرف على أنماط دقيقة وشاذة قد تغفلها الآلات والتقنيات الحديثة.
إن دور الموجات الراديوية في هذا السياق بالغ الأهمية، فهي القادرة على اختراق الغاز والغبار الكوني لتكشف عن هياكل تبقى مخفية تماماً عن الضوء المرئي.
خطوة نحو فك شفرة الكون
يُعد اكتشاف الحلقة المزدوجة خطوة عملاقة نحو فك شفرة الديناميكيات الكونية. إنه يفتح نافذة جديدة لفهم القوى التي تشكل مجرتنا وسلوك الثقوب السوداء الهائلة.
ومع استمرار مثل هذه الشراكات بين العلماء والجمهور، يتجدد الأمل في أن نتمكن قريباً من كشف أسرار الكون الأكثر عمقاً وتعقيداً والتي طالما حيرت البشرية.
