داخل الكواليس المظلمة لهروب الرئيس السوري السابق إلى روسيا: من عرش دمشق إلى حوض استحمام من رخام “كارارا” في موسكو، والملفات تفتح مجدداً بمطالبة تسليم صادمة.
منذ ديسمبر 2024، تلاشت صورة الرئيس السوري السابق بشار الأسد من المشهد العالمي، لكن ليس من الوجود.
بعد عام تقريباً من فراره الدرامي على متن طائرة عسكرية روسية من مطار دمشق الخالي، تبدأ فصول رواية المنفى تتكشف، رواية تتقاطع فيها الفخامة الباذخة مع العزلة المُحكمة، وتُشرّح التناقض بين القوة المطلقة والاعتماد الكلي.
الهروب من الظلام والعناية الخاصة للكرملين
لم تكن هناك خطة احتياطية للهروب، هكذا أكد نجله حافظ الأسد، في اعترافه المصور من موسكو. عندما سقطت دمشق، لم يكن أمام الرئيس السابق إلا طريق واحد: العبور إلى حليفه القديم، فلاديمير بوتين.
لم يكن الهروب مجرد رحلة، بل عملية إنقاذ عسكرية سرية: “ذهبنا إلى مطار دمشق الدولي حوالي الساعة الثالثة صباحاً… صعدنا على متن طائرة عسكرية روسية وهبطنا في قاعدة حميميم قبل الفجر”.
لقد تحولت القوة العسكرية الروسية، التي دافعت عن نظام الأسد لسنوات، إلى وسيلة لإنقاذه، ليصبح الأسد بعد النجاة سجين امتياز تحت رحمة الكرملين.
20 شقة وأضواء موسكو الكاذبة
استقر الأسد (59 عاماً) وعائلته في ناطحة سحاب شامخة في وسط موسكو، تتشابك فيها الأبهة مع العزلة السياسية.
التقرير الاستقصائي لصحيفة “دي تسايت” وصف الوجود السري في 20 شقة موزعة على ثلاثة طوابق، وهي مساحة مهولة من الفراغ الفاخر:
. المنفى المصقول:
“أرائك واسعة تُذكّر بـ قصور الشرق الأوسط، وخزائن بحواف ذهبية، ومطابخ ألمانية”. كل تفصيلة في هذا الملاذ مدفوعة ومؤمّنة بالكامل من قبل الحكومة الروسية.
. الرمزية الساخرة:
تجسيد هذا التناقض كان في حمام الأسد المكسو برخام “كارارا“. حيث كشفت وكيلة عقارات محلية عن المشهد البارد والساخر: “في يوم النصر في 9 مايو [الاحتفال الروسي]، يمكنك مشاهدة الألعاب النارية من حوض الاستحمام مع كأس من الشمبانيا.” ترفٌ باذخ يُطلّ على احتفال قوة حامية، بينما تنزف الدولة الأم.
إدمان سري و"عهد الصمت"
تحت الحراسة المشددة من قبل رجال بوتين، يفرض الكرملين على الأسد “عهداً بالصمت“؛ احتكار كامل للرواية التاريخية.
ولكن التفاصيل الشخصية تُكشف بالهمس:
. النشاط السري:
العضو السابق في الدائرة المقربة، “ك”، كشف أن “الحاكم الصامت” يقضي “ساعات طويلة” في لعب ألعاب الفيديو عبر الإنترنت، وهو تحول صادم من إدارة مصير دولة إلى إدمان شاشة رقمية، في محاولة يائسة لملء فراغ السلطة.
. جولات التسوق:
يتحرك الأسد بـ “حرية نسبية” لزيارة مركز التسوق أسفل المجمع، بينما شقيقه ماهر الأسد يقيم في فندق “فور سيزونز” القريب، يقضي وقته في “الشرب وتدخين الشيشة“.
. الدراما العائلية:
في خضم هذا المنفى المترف، تبقى زوجته، أسماء الأسد، في وضع “حرج” بعد عودة مرض السرطان في ربيع 2024.
الملفات تُفتح مجدداً.. مطاردة الرئيس السابق
الهدوء النسبي في المنفى المذهب لم يدم طويلاً. فقد هزت موسكو محادثات سياسية رفعت الستار عن المصير المظلم للأسد.
خلال زيارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشارع إلى الكرملين هذا الأسبوع، أفادت مصادر أن الشارع حمل مطلباً صادماً وغير متوقع: تسليم بشار الأسد للمحاسبة.
نقل مصدر حكومي سوري أن الشارع سيطلب من بوتين “تسليم جميع الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم حرب والذين يتواجدون في روسيا، وخاصة بشار الأسد.”
الموقف الروسي الرسمي، الذي أكده وزير الخارجية سيرغي لافروف، هو أن الأسد مُنح حق اللجوء “لأسباب إنسانية بحتة“. هذه المطالبة تضع بوتين في مواجهة حاسمة: التخلي عن حليف قديم يحمل أسرار سنوات الحرب، مقابل ضمان استمرار السيطرة على القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
هكذا، يستمر بشار الأسد في المنفى المذهب، يطل من نافذة رخامية على أضواء موسكو، محاطاً بفخامة العزلة، بينما يقرع طلب تسليمه أبواب الكرملين، مذكراً الجميع بأن العدالة – حتى لو تأخرت – قد تجد طريقها إلى حوض الاستحمام المصقول.
