تشتد قبضة قوات الدعم السريع (RSF) على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور بغرب البلاد، محوّلة المدينة إلى مسرح لكارثة إنسانية تتجاوز حدود التصور.
بعد 17 شهراً من الحصار، تروي القصص القادمة من داخل المدينة عن صراع مرير من أجل البقاء وسط تجدد للقصف المدفعي وتناقص الأمل.
أجساد الأطفال وشظايا الجحيم
تكشف شهادات المدنيين عن قسوة القتال الذي لا يرحم. أحمد عبد الرحمن (13 عاماً)، يرقد مصاباً بالشظايا بعد قصف حديث. والدته، إسلام عبد الله، تصف مأساته: “جسده كله مليء بالشظايا. حالته غير مستقرة”.
نقص الإمدادات واستهداف المستشفيات جعل الرعاية الطبية ترفاً مستحيلاً. المشهد في مخيمات النازحين كارثي؛ حميدة آدم علي، التي أصيبت بقذيفة وظلت ملقاة على الطريق لخمسة أيام لخصت الوضع قبل أن تقتلها قذيفة أخرى في نفس المخيم:
“أطفالي يبكون منذ أيام لأنه لا يوجد طعام. ساقي تتعفن – رائحتها كريهة الآن. أنا فقط مستلقية. ليس لدي شيء.”
المأساة لم تتوقف عند هذا الحد؛ حيث قُتل أكثر من 75 شخصاً في هجوم على مسجد الشهر الماضي أثناء صلاة الفجر، في هجوم وُجّهت أصابع الاتهام فيه إلى قوات الدعم السريع.
روت سماح عبد الله حسين عن ابنها الصغير سمير الذي دُفن في مقبرة جماعية: “أُصيب في الرأس وكانت الجرح عميقاً، دماغه خرج.”
أهمية الفاشر الاستراتيجية: بوابة الإمداد
تتجاوز معركة الفاشر السيطرة العسكرية المحلية، لتصبح نقطة تحول استراتيجية في الحرب الأهلية السودانية التي اندلعت عام 2023.
. ميزة استراتيجية لـ RSF: ترى المحللة السودانية خلود خير أن السيطرة الكاملة على الفاشر ستمنح قوات الدعم السريع ميزة استراتيجية كبرى، حيث تسهل وصولهم إلى ليبيا وتقوي سيطرتهم على الحدود الغربية.
هذا من شأنه أن يسهل إحضار الوقود والأسلحة من جنوب ليبيا، و “يمكن لقوات الدعم السريع من الفاشر أن تشن هجمات على مناطق كردفان وعلى العاصمة [الخرطوم] مرة أخرى.”
. بقاء المجموعات المسلحة: بالنسبة للمجموعات المسلحة المحلية المعروفة بـ “القوات المشتركة“ التي تقاتل إلى جانب الجيش، فإن المعركة هي “صراع من أجل أوطانهم” و”بقاءهم السياسي”. خسارة الفاشر تعني عملياً فقدان أي مطالبة لهم بأي جزء من دارفور.
حرب جوية ومعارك الإرث
تعتمد قوات الدعم السريع بشكل متزايد على طائرات مسيرة متطورة في هجومها، والتي يُشتبه في تزويدها بها من قبل الإمارات العربية المتحدة، وهو ما تنفيه الدولة الخليجية رغم وجود أدلة من خبراء الأمم المتحدة.
هذه الطائرات لا تستهدف المواقع العسكرية فحسب، بل ضربت أيضاً سوقاً غير رسمي، مما يؤكد أن المدنيين ليسوا في مأمن.
وفي المقابل، تقلصت الأراضي التي يسيطر عليها الجيش إلى جيب ضيق حول المطار، لكنه ما زال يدافع عن قواعد قريبة، بما في ذلك الفرقة السادسة مشاة.
ونشر الجيش مؤخراً فيديو يظهر وصول إمدادات “مطلوبة بشدة” عبر الإسقاط الجوي، في محاولة لرفع معنويات قواته المحاصرة.
مصير مجهول وذكريات محطمة
حذرت الأمم المتحدة من وقوع المزيد من الفظائع إذا اجتاحت قوات الدعم السريع المدينة، خاصة ضد المجموعات غير العربية مثل قبيلة الزغاوة، وهي اتهامات تنفيها القوات المسلحة.
بالنسبة لمن فروا، فإن رؤية الفاشر تُدمّر تمثل خسارة للذاكرة والهوية. عبر أحد اللاجئين عن شعوره بالصدمة عند رؤية أقاربه ومعارفه في فيديوهات نشرتها قوات الدعم السريع تظهرهم وهم يفرون:
“الأمر لا يتعلق بأقاربي فقط. إنه يتعلق بكل الأشخاص الذين أعرفهم… أرى كل يوم أشخاصاً أعرفهم يموتون، وأماكن اعتدت الذهاب إليها تُدمَّر. ذكرياتي ماتت، وليس فقط الأشخاص الذين أعرفهم“.
ومع استمرار الحصار وتضييق الخناق على آخر جيب للجيش، يظل عشرات الآلاف من المدنيين محاصرين، ينتظرون بصيص أمل أو حكماً نهائياً على مصير مدينتهم.
