ليبيا في مواجهة الفساد: استراتيجية طموحة في ظل أزمة ثقة عميقة وتشكيك شعبي

 في خطوة نحو معالجة آفة الفساد المستشرية وتعزيز مبادئ الشفافية وحماية المال العام، أعلن ديوان المحاسبة الليبي عن إطلاق استراتيجية جديدة لمكافحة الفساد.

جاء هذا الإعلان ضمن احتفالية مرور سبعين عاماً على تأسيس الديوان، حيث تم توقيع مذكرتي تفاهم مع كل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ).

تهدف هذه الاتفاقيات إلى تطوير أساليب الرقابة، وبناء القدرات البشرية، ودعم جهود التحول الرقمي.

دعم دولي وتفاعل رقمي محدود

حظيت الاتفاقية بدعم دولي مباشر من خلال منشور على صفحة السفارة الألمانية الرسمية على فيسبوك، الذي أعلن ترحيب ألمانيا بهذه الجهود ودعمها الكامل للجهات المعنية.

المنشور حصد 15 إعجابًا، لكن التفاعل في التعليقات كان محدوداً، حيث كشف عن وجهة نظر محلية مغايرة:

. نصيب عمار:

“راهو حميد الدبيبه بروحها عندها قضية فساد هو وصغار خوها وأخته.”

. نادر زيتون:

“هل حقا طلبت المستشارة السابقة ميركل من حميد ان يفتح باب الهجرة لليبيين.”

أصداء رقمية: موجة من التشكيك الشعبي تكشف عن أزمة ثقة

بينما كان التفاعل على صفحة السفارة محدوداً، كان التعبير الشعبي أعمق وأكثر دلالة على الصفحة الرسمية لديوان المحاسبة، حيث حصد المنشور 267 إعجاباً مع خليط من التعبير عن المشاعر (22 حزين، 18 حب، 2 غضب)، وبلغ عدد التعليقات 46 تعليقاً.

كشفت هذه التفاعلات عن حالة من عدم الثقة الشعبية الواسعة تجاه المبادرة.

تباين في آراء المعلقين

. صوت الرجال:

غلبت على تعليقات الرجال نبرة حادة من التشكيك والسخرية، حيث اتهمت بشكل مباشر القائمين على المبادرة بالفساد، معتبرين أن هذه الاتفاقيات مجرد “مسرحية جديدة”.

. صوت النساء:

على النقيض، مالت التعليقات النسائية إلى الطابع التفاؤلي، بالتركيز على الدعاء للمؤسسة بالنجاح والأمل في مستقبل أفضل، دون الخوض في الجوانب السياسية المعقدة.

أبرز التعليقات التي عكست أزمة الثقة

. الاتهامات المباشرة للجهات الرقابية:

.. علي أحمد: “من يتحدث عن الفساد هو أكبر الفاسدين.”

.. Anwer Alkroude: “لو كان أغلب الموفدين بالخارج هم أبناء المسؤولين وموظفي ديوان المحاسبة… عاركم وسرقاتكم ع الشارع.”

.. السخرية والتشكيك في جدوى المبادرة:

.. Abo Alawlad: “ههههه عجبا و الله اكبر رؤوس الفساد يدعون لمكافحة الفساد.”

.. Wael El Founas: “خسارة فلوس إجتماعاتكم ومرتباتكم يا مخانب.”

.. الواقع المرير للمواطن:

.. أسامه اسامه: “ليبيا الـ 5 عالمياً في ترتيب الدول الأكثر فساداً في العالم وانتو جايين اتنظرو علينا.”

.. سفيان جميل: “المفروض تكون البداية من قمة الهرم هذا ان كان في حسن نية.”

هذه التعليقات تقدم صورة واضحة ومباشرة عن أن أي مبادرة حكومية لمكافحة الفساد تواجه مقاومة كبيرة على المستوى الشعبي، لا من حيث المضمون فقط، بل من حيث الثقة في القائمين عليها.

من النظرية إلى الواقع: تفاصيل الاستراتيجية الوعود

في تصريح لرئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، أوضح أن الاستراتيجية، التي تم إعدادها على مدار عام ونصف، تهدف إلى “تجديد الروح” في المؤسسات الرقابية.

وقال شكشك: “الشراكة مع بعضنا هي السبيل الوحيد لمكافحة الفساد وتحسين الأداء وتعزيز الشفافية”.

كما دعا صراحةً مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى تقديم الدعم التشريعي اللازم لتطبيقها.

تهدف الاستراتيجية إلى تحسين ترتيب ليبيا في مؤشر منظمة الشفافية الدولية بنحو 10 إلى 20 درجة، معتمدة على 6 مجالات ذات أولوية:

. مراجعة حوكمة قطاع النفط (21 شركة) والاستثمارات الخارجية (550 شركة).

. مراجعة دعم المحروقات وآليات شراء وتوزيع الأدوية.

. مراجعة التعيينات في المخابرات والبعثات الدبلوماسية.

. تعزيز الشفافية في المالية العامة.

وتعتمد الاستراتيجية على خطة عمل مشتركة مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مع التعهد بإصدار تقارير دورية لمتابعة الإجراءات وإصلاح المشاكل أولاً بأول، وتوفير الدعم التقني عبر شراكات مع منظمات دولية وصناديق ومراكز بحثية.

تحليل شامل: تحديات المبادرة ونقاط ضعفها

رغم أن الاستراتيجية في ظاهرها تبدو شاملة وطموحة، فإنها تواجه تحديات جمة ونقاط ضعف تثير الشكوك، كما يرى الكثير من المراقبين.

فالمبادرة تأتي متأخرة في ظل واقع يتسم بـ”فوضى المرحلة الوسيطة” التي لا يزال الفساد فيها منتشراً بشكل كبير مع انعدام المساءلة، وذلك على الرغم من أن ليبيا كانت قبل عقود تسجل أعلى معدلات النمو مع إنتاج نفطي بلغ 3.2 مليون برميل يومياً.

يبرز التشكيك الشعبي، الذي كشفت عنه تفاعلات وسائل التواصل الاجتماعي، أن الاستراتيجية، برغم نقاط قوتها النظرية، قد تكون غير كافية أو شاملة، وذلك لعدة أسباب:

عرض تقديمي (برزنتيشن) حول استراتيجية مكافحة الفساد ، يقدمه السيد " عبدالباسط جبوع " رئيس لجنة اعداد الاستراتيجية .

. أزمة ثقة في القائمين عليها:

حيث يرى قطاع واسع من المواطنين أن من يتحدث عن مكافحة الفساد هم أنفسهم من تورطوا فيه.

. غياب الإطار القانوني:

تعترف الاستراتيجية نفسها بوجود نقص في التشريعات المتعلقة بالإنفاق العام، مما يجعل تطبيقها الملموس أمراً معقداً.

. حجم الفساد الهائل: بينما تركز الاستراتيجية على ملفات محددة، فإن حجم الفساد الهائل المنتشر في مختلف قطاعات الدولة قد يجعل هذه الجهود تبدو محدودة وغير فعالة في معالجة المشكلة من جذورها.

في الختام، يكشف التحليل الرقمي لتفاعل الجمهور الليبي عن حقيقة عميقة وواضحة: أن الشارع الليبي، رغم انقساماته، يتوحد حول الإنجازات التي تحقق الفخر الوطني مثل الانتصارات الرياضية، ويعبر عن ذلك بشغف ودعم مطلق.

على النقيض، يواجه أي إعلان يتعلق بمكافحة الفساد بسيل من السخرية والتشكيك، مما يؤكد أن أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات لا تزال هي التحدي الأكبر.

إن منصات التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد وسيلة للتعبير، بل أصبحت مقياساً حقيقياً لمستوى الأمل واليأس في المجتمع.

لهذا، فإن الإعلان عن الاستراتيجية لم يكن نهاية المطاف، بل بداية لاختبار حقيقي: هل يمكن لمبادرة طموحة بدعم دولي أن تنجح في إعادة بناء الثقة الغائبة؟

يؤكد الواقع أن الكلمات وحدها لن تكون كافية لإقناع شعب عاش سنوات طويلة من الفوضى والفساد.

المزيد من الكاتب

الحرب الروسية الإوكرانية

صراع الصدارة: هل تواصل إيالا الواعدة انتصاراتها أمام ياماغوتشي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *