الذكاء في خطاب ميلوني يكمن في أنه يقدم “نعم” مشروطة، تجعل الإجابة في الواقع “لا” في الوقت الحالي.
عندما تعلن إيطاليا عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطينية، فإنها تضع نفسها في صف تيار دولي متزايد يرى أن هذا الاعتراف ضروري.
هذا يمنحها موقعاً دبلوماسياً متقدماً ويظهرها كلاعب إيجابي في المشهد العالمي.
لكن الشروط التي وضعتها، وهي:
1 . إطلاق سراح الرهائن.
2 . استبعاد حماس من أي دور حكومي.
هذه الشروط هي في الواقع مستحيلة التحقيق في المدى المنظور. هي تدرك أن الطرف الذي تطلب منه إطلاق الرهائن (حماس) ليس لديه أي نية للقيام بذلك بشكل كامل دون صفقة ضخمة، كما أن استبعاد حماس بشكل كلي من المشهد السياسي الفلسطيني هو أمر معقد للغاية، حتى لو كان مطلوباً دولياً.
لذلك، يصبح خطابها فعلياً بمثابة تأجيل للموضوع دون إغلاق الباب. هي تعلن عن نيتها، لكنها تضع عقبات تضمن عدم حدوث ذلك في المستقبل القريب.
أعماق الرسالة وملامحها
تستغل ميلوني هذا الخطاب لتوجيه رسائل إلى عدة جهات:
. للولايات المتحدة و”الواقعيين“:
اتفاقها مع دونالد ترامب حول الهجرة والمناخ ليس صدفة. هي ترسل رسالة إلى التيار “الواقعي” في الغرب بأنها لا تتبنى مواقف أيديولوجية، بل تركز على الحلول العملية التي تضع الأمن والاستقرار أولاً.
موقفها من فلسطين ينسجم تماماً مع هذه الرؤية: “لنحل المشكلة الأساسية أولاً (حماس والرهائن) قبل الحديث عن الاعتراف”.
. للجماهير الإيطالية:
تظهر كزعيمة قوية وحكيمة، لا تنجر وراء العواطف وتتعامل مع القضية بحس سياسي. هي تدافع عن قيم الأمن ومحاربة التطرف، وهـو مـا يلقى صـدى لـدى قـاعـدتهـا الانتخابية، وفي الوقت نفسه لا تُغلق الباب أمام الحل الدبلوماسي.
. للخصوم السياسيين:
إشارتها إلى “أشخاص ذوي الحس السليم” هي دعوة مبطنة للمعارضة الإيطالية لدعم موقفها، مما يضعهم في موقف صعب؛ فإما أن يدعموا حركتها ويظهروا التوافق، أو يرفضوا ويُتهموا بالتعاطف مع “الأيديولوجيات المتطرفة”.
رد فعل ميلوني ووزير خارجيتها
إن وجود وزير الخارجية أنطونيو تاجاني بجانبها في الصورة، أثناء الاستماع لخطاب ترامب، ليس مجرد مصادفة.
إنه يظهر التناغم السياسي بينهما وأن هذا الموقف هو نهج موحد للدبلوماسية الإيطالية. نظراتهما وتفاعلهما مع خطاب ترامب تؤكد أن هذا الموقف ليس فردياً من ميلوني، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تُعزز تحالفات إيطاليا مع قوى سياسية معينة.
باختصار، خطاب ميلوني لم يكن عن “الاعتراف بفلسطين” بقدر ما كان عن كيفية لعب دور دبلوماسي مؤثر في وقت حرج، دون التنازل عن مبادئها الأساسية.