في عالم تتوحد فيه القلوب خلف فريق، وتُنسى فيه الخلافات من أجل هدف، كيف يمكن للرياضة أن تلتزم الصمت في وجه الإبادة الجماعية؟ هذا ليس مجرد سؤال، بل هو نداء واضح أطلقه الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، يتردد صداه في كل ملعب وساحة.
إن الرياضة ليست مجرد تسلية، بل هي ميثاق للكرامة والمساواة والسلام، وهذه المبادئ تتعرض اليوم للاختبار الأكبر.
في لحظة تاريخية، أثبتت بعض الأصوات الشجاعة أن الضمير لا يزال حياً. قرار الاتحاد النرويجي لكرة القدم التبرع بإيرادات مباراة كاملة لصالح غزة، والموقف القوي الذي عبّر عنه رئيس وزراء إسبانيا في ختام أحد أعرق السباقات، يبعثان رسالة مدوية: لا يمكن للرياضة أن تكون محايدة عندما تُزهق الأرواح وتُدمر الأحلام.
بين الميثاق والواقع: صراع المبادئ
إن ميثاق الفيفا واليويفا والميثاق الأولمبي هي أكثر من مجرد نصوص قانونية؛ إنها وعود بحماية القيم الإنسانية. ومع ذلك، تُنتهك هذه الوعود بشكل ممنهج.
ففي الوقت الذي تدعي فيه هذه المؤسسات العالمية التزامها بالسلام، تواصل آلة العنف الإسرائيلية قتل الرياضيين وتدمير الملاعب والمنشآت الرياضية، وتحويلها من أماكن للأمل إلى مجرد ركام.
يضاف إلى ذلك، تواطؤ المؤسسات الرياضية التي تغض الطرف عن مشاركة فرق المستوطنات غير الشرعية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، في خرق فاضح لأنظمة الفيفا.
إن التمييز العنصري الممنهج ضد الرياضيين الفلسطينيين داخل الأندية الإسرائيلية يعري حقيقة التناقض بين القيم المعلنة والممارسات على أرض الواقع.
إن السماح لهذا العنف الممنهج بأن يستمر دون عقاب هو تقويض لأسس الرياضة الدولية نفسها.

العدالة تتطلب أفعالاً لا أقوالاً
لقد تجاوزنا مرحلة المطالبة بالكلمات، فالآن هو وقت العمل. إن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يدعو المجتمع الرياضي الدولي لتحمل مسؤوليته الأخلاقية.
يجب فرض العقوبات على إسرائيل، ووقف مشاركتها في المسابقات الدولية، حتى تتوقف عن جرائمها التي تستهدف الرياضيين الفلسطينيين بشكل خاص.
هذا النداء ليس موجهاً للمنظمات الدولية فقط، بل هو دعوة لكل رياضي، كل اتحاد، وكل مشجع يؤمن بقدسية الرياضة. إن صمتكم هو إقرار بهذا العنف.
إن مسؤوليتكم هي أن تكونوا جزءاً من الحل لا المشكلة.
لا يكفي أن نرفع شعارات السلام، بل يجب أن نعيشها. فالعدالة تتطلب أفعالاً، لا أقوالاً فقط.
دلالات البيان وتوقعاته
إن إصدار الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لهذا البيان لم يكن مجرد رد فعل، بل هو خطوة استراتيجية مدروسة تهدف إلى تحويل موجة التعاطف الفردية إلى موقف دولي مؤسسي.
من خلال تثمين المواقف التضامنية الأخيرة، يرسل الاتحاد رسالة واضحة للمجتمع الرياضي العالمي: لقد حان الوقت للتحرك.
يهدف البيان إلى الضغط على منظمات مثل “فيفا” و”يويفا” لتطبيق مبادئها التي تدعو للسلام والمساواة، ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها.
الأمل يكمن في أن يؤدي هذا الضغط المتزايد إلى فرض عقوبات فعلية، مثل تعليق مشاركة الفرق الإسرائيلية في المسابقات الدولية، حتى تتوقف عن استهداف الرياضة الفلسطينية وتدمير بنيتها التحتية.
يراهن الاتحاد الفلسطيني على أن الموقف الأخلاقي الذي عبر عنه بعض اللاعبين والاتحادات يمكن أن يتحول إلى قوة ضغط رسمية، تجبر المؤسسات الرياضية الكبرى على الاختيار بين قيمها المعلنة أو التواطؤ مع العنف.