
في خطوة تأتي امتداداً لسلسلة تحركاتها الرقابية، التقى رئيس هيئة الرقابة الإدارية “عبد الله قادربوه” بنائب رئيس مجلس الحريات وحقوق الإنسان “نعيمة العريبي”.
الهدف المعلن من اللقاء، بحسب البيان الرسمي للهيئة، كان “الوقوف على أداء عمل المجلس” وإعادة النظر في ملف التعيينات بهدف تحقيق العدالة والشفافية.
ورغم الطابع الإداري والمهني الذي حملته تفاصيل البيان، إلا أن ردود الفعل الشعبية كشفت عن أبعاد إنسانية عميقة للقضية.
الأبعاد القانونية والإدارية للقاء
وفقاً للبيان الصادر عن هيئة الرقابة، كان اللقاء يهدف إلى معالجة ملفين رئيسيين:
1 . ملف التعيينات:
أشار البيان إلى “تكدس” في عدد الموظفين وعدم توفر الشروط القانونية لدى بعضهم. وشدد على ضرورة اعتماد الكفاءات المؤهلة، مع إحالة بقية الموظفين إلى وزارة الخدمة المدنية لإعادة تنسيبهم على قطاعات الدولة، بهدف معالجة الترهل الإداري.
2 . الملف المالي:
أكد رئيس الهيئة على ضرورة الإسراع في الإفراج عن المرتبات المتأخرة للموظفين المنطبقة عليهم الشروط، وذلك “بما يكفل صون حقوقهم وفق التشريعات النافذة”.
ختم البيان بالتأكيد على أهمية تكامل الأدوار بين المؤسسات لتعزيز ثقة المواطن بالدولة، في إطار يعكس قيم العدالة والشفافية.
صدى التفاعل الشعبي: معاناة تتجاوز البيانات الرسمية
على الرغم من الطابع الرسمي للبيان، جاءت تعليقات المواطنين على صفحة هيئة الرقابة الإدارية لتعكس وجهاً آخر للقضية، حيث تحول الحديث عن الإصلاح الإداري إلى صرخة استغاثة.
. معاناة مالية وأمل معقود:
كانت الغالبية العظمى من التعليقات لموظفين في مجلس الحريات، يشاركون قصصهم الشخصية عن تأخر رواتبهم لسنوات. كتب أحدهم: “أنا متعين من 2022 م … والي الان لم يتم الإفراج عن راتبي”. هذه التعليقات كشفت عن معاناة مباشرة ومؤلمة، حيث يجد الموظفون أنفسهم عالقين بين ضرورة الإصلاح الإداري وحقهم الأساسي في الحصول على أجورهم.
. دفاع عن المهنة والأحقية:
قدمت بعض التعليقات دفاعاً عن موظفي المجلس، مؤكدة أنهم “مستمرون في ممارسة واجباتنا الإنسانية والحقوقية” رغم التحديات المالية، ورفضوا فكرة الإحالة التعسفية لوزارات أخرى دون ضمان حقوقهم ومراعاة سنوات خدمتهم.
هذا الموقف يعكس صراعاً بين حق الدولة في إعادة هيكلة قطاعاتها وحق الموظف في الأمان الوظيفي وتقدير جهده.
. سخط عام وتوق لمزيد من الرقابة:
كما هو الحال في القضايا السابقة، أظهرت بعض التعليقات سخطاً عاماً على الفساد في مختلف قطاعات الدولة.
طالب البعض رئيس الهيئة بالتحرك “لأن الفساد استشرى في ليبيا” و”دخل في الإبادة الجماعية”، في إشارة إلى قضايا مثل الغذاء والدواء الفاسد.
هذه المطالب تؤكد أن الجمهور يرى في هيئة الرقابة خط الدفاع الأول، وأنهم يأملون في رؤية منهج عملها الميداني يمتد ليشمل كل المؤسسات.

تحليل أعمق: جدل حول شرعية المجلس وسخط عام على الفساد
تضيف التعليقات الجديدة أبعاداً أخرى للقضية، مما يرفع النقاش إلى مستوى أعلى من مجرد مشكلة إدارية، ويكشف عن صراعات هيكلية أوسع:
. جدل حول الشرعية القانونية للمجلس:
أشارت بعض التعليقات إلى أن وجود المجلس نفسه يحتاج إلى مراجعة، بسبب “تداخل اختصاصه باختصاصات فاعلة وسيادية اخرى” وعدم وجود رؤية واضحة له.
يرى هذا الرأي أن المجلس يفتقد “الكفاءات الحقوقية” و”الوضع القانوني السليم”، مما يضع علامة استفهام على جدوى وجوده من الأساس، ويبرر تحرك الهيئة.
. معضلة الأرقام: استحالة الإصلاح دون إعادة هيكلة جذرية:
قدم أحد المعلقين رقماً صادماً يكشف حجم المشكلة الحقيقي، مشيراً إلى أن عدد موظفي المجلس يتجاوز 20 ألف موظف، وأن ديونه تتجاوز 90 مليون دينار ليبي. هذا البعد الرقمي يضع المسألة في إطار أكثر تعقيداً، ويشير إلى أن أي إصلاح حقيقي يتطلب إعادة هيكلة جذرية للقوى العاملة.
. الجانب الآخر: اتهامات بالفساد وانعدام الثقة في رأس الهرم:
على الجانب الآخر من النقاش، ظهرت تعليقات توجه اتهامات مباشرة لرئيس الهيئة نفسه، تتهمه بعدم التحرك في قضايا فساد كبرى مثل مصنع الإسمنت والحديد والصلب.
هذا البعد الجديد يكشف أن هيئة الرقابة الإدارية، على الرغم من دورها كـ”منقذ”، ليست محصنة من انتقادات الجمهور الذي يرى أن الفساد قد طال الجميع.
خاتمة: صراع بين المنهج والإنسان
يكشف هذا اللقاء، وما تلاه من تفاعلات، عن وجود فجوة حقيقية بين الأهداف الإدارية الكبرى والمعاناة الإنسانية الفردية.
فبينما تسعى هيئة الرقابة لتطهير مؤسسات الدولة من الترهل والفساد، يرى الموظفون المتضررون أنهم ضحايا لسنوات من الإهمال الإداري والمالي، وأن أي حل يجب أن يبدأ بصون حقوقهم. هذا التناقض الجوهري يجعل أي عملية إصلاح أمراً معقداً، فهل يمكن تحقيق التغيير الهيكلي دون المساس بالحقوق الأساسية؟
في ظل الصراعات بين الجهات الرقابية والمؤسسات التنفيذية، أين يكمن الحل لضمان حقوق المواطن؟”
