مقاتل بلا ندم: قصة فيليكس أوجيه-ألياسيم في ليلة النجوم

كانت الأضواء تتوجه إليه، إلى فيليكس أوجيه-ألياسيم. لم يكن بطلاً، بل كان مقاتلاً. في ليلة حافلة بالنجوم، في ملعب آرثر آش، لم يواجه لاعباً عادياً، بل واجه وحش التنس الذي لا يُقهر، يانيك سينر.

كانت هذه المعركة المرتقبة ليست فقط لتأهل إلى النهائي، بل كانت عن إثبات الذات، عن الروح، وعن العودة.

منذ عام 2021، لم يصل فيليكس إلى نصف نهائي US Open. كانت سنوات قليلة قد مرت، لكنها بدت كأنها حقبة.

تراجع تصنيفه العالمي إلى المرتبة 27، وبدأت التساؤلات تتسلل حول ما إذا كان سيعود إلى القمة. لكن في هذه البطولة، قرر أن يكتب نهايته بنفسه.

سحق ثلاثة لاعبين من قائمة أفضل 15، بما فيهم ألكسندر زفيريف وأندريه روبليف. كان أسلوبه في اللعب إعصارًا من الإصرار، حيث كان كل إرسال بمثابة قنبلة موقوتة، وكل ضربة أمامية كصفعة قوية على وجه الخصم.

“لا توجد لديه نقاط قوة كثيرة”، قالها مازحًا عن سينر قبل المباراة. لكن خلف هذه الدعابة، كان هناك إدراك عميق لقوة خصمه. لقد كان يعرف أن هذه المباراة لن تكون سهلة.

وفعلاً، بدأت الأمور وكأنها في طريقها إلى نهاية سريعة، حيث خسر المجموعة الأولى 6-1. كانت هذه النتيجة، التي تشبه ما حدث في سينسيناتي، كافية لتهز ثقة أي لاعب. لكن فيليكس لم يكن أي لاعب.

في المجموعة الثانية، حدثت المفاجأة. وسط هدوء سينر المعتاد، انفجر أوجيه-ألياسيم بضربات ساحقة.

كانت كل نقطة بمثابة صرخة تحدٍ، وكل إرسال بمثابة إعلان عن ميلاد جديد. فجأة، بدأت الجماهير تهتف باسمه.

لقد شعروا بالروح القتالية، بالرغبة في الانتصار. فيليكس لم يكن يلعب للفوز بالمجموعة فقط؛ كان يلعب ليعيد تقديم نفسه للعالم. وبضربتين ساحقتين، حسم المجموعة 6-3، وأرسل رسالة واضحة: هذه المباراة ستكون قتالًا حتى الرمق الأخير.

بعد المباراة، كان فيليكس يبتسم. كانت ابتسامة المنتصر، وليست ابتسامة الخاسر. لقد كان قد خسر في النتيجة النهائية 6-1، 3-6، 6-3، 6-4، لكنه فاز في معركة الإرادة. “ليس لدي أي ندم”، قالها بكل ثقة.

لعبتُ بطريقتي”… فما هي هذه الطريقة؟

هذه العبارة، التي أطلقتها الكاتبة ديان دي كوستانزو في مقالها، تختزل جوهر فيليكس أوجيه-ألياسيم.

ما هو هذا الأسلوب الذي يملكه؟ إنه أسلوب الهجوم المبكر، الإرسال القوي، والضربة الأمامية القاتلة التي يمكنها أن تكسر إيقاع أي منافس.

إنها طريقة “المخاطرة المحسوبة” التي تفرض إيقاع اللعب، وتجعل الخصم دائماً في موقف الدفاع. ميزته هي القدرة على تحقيق الفوز الساحق، حيث لا يترك للمنافس فرصة للتنفس.

لكن عيبه هو أنه يتطلب تركيزاً ذهنياً وبدنياً هائلاً؛ أي تراجع بسيط في الإرسال أو القوة، قد يكلفه المباراة.

هل نجح هذا الأسلوب أمام وحش التنس يانيك سينر؟ الإجابة ليست بالبساطة التي تبدو عليها. في المجموعة الثانية، نجح بشكل مبهر، حيث فاجأ سينر وأظهر له أن “الآلة” يمكن أن تتعطل.

لكن في المجموعات اللاحقة، بدأ الإيقاع يتباطأ، وبدأ سينر في استغلال عيوب هذا الأسلوب عبر دفاعه الحديدي وقدرته على إعادة الكرة.

لقد لعب فيليكس “بطريقته” حتى الرمق الأخير، وهذا بحد ذاته كان انتصارًا روحيًا وإثباتًا لعودته القوية.

لقد أثبت أنه يمتلك كل ما يتطلبه الأمر لينافس على أعلى المستويات.

نعومي أوساكا… لغز في المدرجات

في كل مباراة تنس، هناك قصص تُروى داخل الملعب وخارجه. وفي ليلة نصف نهائي US Open 2025، كانت هناك قصة أخرى تُكتب في صمت، تحت الأضواء الساطعة، وفي قلب المدرجات.كانت البطلة هي نعومي أوساكا.

بعد خسارتها المؤلمة أمام أماندا أنيسيموفا في نصف نهائي السيدات، عادت أوساكا إلى الملعب.

كاميرات المخرج، التي لا تخطئ اللحظات المهمة، ركزت عليها أكثر من مرة، عارضةً وجهاً يملؤه التوتر والاهتمام. بدا عليها القلق مع كل نقطة يخسرها أوجيه-ألياسيم، وكأنها تعيش معه تفاصيل المعركة.

لكن ما سر وجودها؟ ولماذا عادت بهذه السرعة؟ حضور أوساكا لم يكن مجرد حضور عادي، بل كان رسالة في حد ذاته.

ففي عالم تُخفي فيه الهزائم الرياضيين عن الأضواء، عادت هي لتواجه الجماهير والعدسات. قد تكون رسالتها الأولى هي أنها لن تدع خسارة واحدة تحدد مصيرها أو شغفها باللعبة.

إنها هنا لتثبت أنها لا تزال جزءاً من المشهد، وأنها قادرة على تجاوز خيبة الأمل. إنها رسالة قوة ذهنية وعزيمة لا تتزعزع.

والسؤال الأعمق: من كانت تدعم؟ مع كل نقطة قلق عندما يخسر أوجيه-ألياسيم، هل كانت أوساكا تدعمه؟ ربما كانت ترى فيه قصة مشابهة لقصتها؛ قصة المقاتل الذي يحاول العودة إلى القمة.

في نهاية المطاف، حضور نعومي أوساكا لم يكن لغزاً بقدر ما كان رسالة. رسالة مفادها أن الشغف بالتنس لا يتوقف عند الفوز أو الخسارة، وأن العودة من الرماد هي جزء من الرحلة.

عاد فيليكس أوجيه-ألياسيم إلى الأضواء من جديد، ليس بصفته المصنف رقم 6 في العالم كما كان في الماضي، بل كمقاتل صمد وتحدى أقوى لاعب في العالم.

سيرحل عن نيويورك بتصنيف جديد رقم 13، وهو انتصار بحد ذاته. والأهم من ذلك، أنه سيتزوج قريباً من حب حياته، ناينا غايبي.

قد تكون هذه القصة انتهت بخسارة، لكنها كانت بداية فصل جديد من الانتصارات. فيليكس أوجيه-ألياسيم لم يأتِ إلى US Open للفوز باللقب، بل أتى ليعود إلى نفسه، ويُثبت للعالم أن “الروح” أهم من “النتيجة”.

المزيد من الكاتب

سينر:وحش التنس الذي لا يعرف الإيقاف – ملحمة نصف نهائي US Open 2025

أكثر من مجرد حذاء: رسائل خفية من ألوان وماركات في US Open 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *