بقلم: إيمان الهادي
تعالوا معي أيها القراء الأعزاء، لننتقل إلى آخر بطولات الغراند سلام. دعونا نغمض أعيننا ونتخيل أننا نقف أمام أبواب الدخول المهيبة، نسمع أصوات المضارب وهي تتردد في الأجواء، وصيحات التفاعل التي ترتفع مع كل ضربة ساحقة.
إنها لحظات يتوقف فيها الزمن، وحيث لا تهم فقط النتيجة النهائية، بل الأهم هو رد الفعل.
في هذه المساحة الساحرة، حيث تشتعل المنافسة بين الأجيال والأحلام، سنعيش ردود الأفعال التي رصدناها منذ اليوم الأول وحتى يومنا هذا، الخامس من سبتمبر.
ردود فعل الأبطال: عقلية المطاردة لا الدفاع
عندما يكون المرء في القمة، لا مجال للخطأ. يانيك سينر، المصنف الأول عالمياً، لم يأتِ إلى نيويورك ليدافع عن لقبه، بل ليطارده مرة أخرى.
بعد فوزه السهل في البداية، أطلق تصريحاً أشبه بصرخة المحارب: “أنا لا أدافع عن لقبي، بل أطارده”.
كانت كلماته بمثابة رسالة واضحة، تكشف عن ذهنية بطل لا يكتفي بما حققه، بل يبحث دائماً عن المجد.
أما إيجا شفيونتيك، فقد قدمت لنا درساً في المرونة. عندما واجهت عودة قوية من سوزان لامينز كادت تنهي مسيرتها مبكراً، لم تستسلم للضغط. عادت بهدوء، وحلّت المشاكل على أرض الملعب، وأظهرت غريزة البطلة التي تعرف كيف تفوز حتى في أحلك اللحظات.
كان هذا الانتصار الصعب أهم من أي فوز سهل، لأنه أكد قدرتها على التكيف والثبات.
ردود فعل الصاعدين: من الظل إلى الأضواء
كان اليوم الخامس شاهداً على واحدة من أبرز ردود الأفعال من لاعب غير متوقع. كامل مايخزارك، الذي كان يصارع في الظل، استغل فرصته التاريخية ببراعة.
بعد تأخره بمجموعتين أمام المصنف التاسع كارين خاشانوف، رفض الاستسلام. كان رده على اليأس هو القتال، فقاتل حتى الرمق الأخير ليحقق فوزاً تاريخياً في ملحمة من خمس مجموعات.
هذا الانتصار لم يكن مجرد إنجاز شخصي، بل كان رسالة لكل لاعب صاعد بأن الإصرار يصنع المعجزات.
ردود فعل النجوم الأمريكية: بين الضغط والأمل
كان تركيز الجماهير الأمريكية على لاعبتين: كوكو غوف وأماندا أنيسيموفا. غوف، التي تعاني من مشكلة مزمنة في إرسالها، اتخذت قراراً شجاعاً بالعمل على تغيير تقنيتها بالكامل، حتى في خضم البطولة.

رد فعلها على هذه المشكلة كان البحث عن حل جذري، في رحلة ملهمة نحو الكمال.
وفي خضم هذا الأداء الأمريكي المتميز، برزت أماندا أنيسيموفا كواحدة من أكثر اللاعبات الواعدات في هذه البطولة.
باللعب أمام جماهيرها على أرضها، بدأت مسيرتها بقوة وثقة، حيث واجهت الأسترالية كيمبرلي بيريل وتمكنت من تحقيق فوز مريح، لتضع حداً لسلسلة من ثلاث خسارات متتالية في هذا الحدث المحلي.
هذا الانتصار المبكر كان تأكيداً على عودتها بقوة بعد أن وصلت إلى نهائي ويمبلدون وأصبحت ضمن أفضل 10 لاعبات في العالم.
وفي آخر لقاء لها ضمن منافسات اليوم الخامس، واصلت أماندا تألقها أمام الأسترالية الشابة مايا جوينت.

لم تكن المباراة سهلة، خاصة في المجموعة الأولى التي شهدت منافسة شديدة، لكن أماندا أظهرت مرونة ذهنية كبيرة وعادت من تأخر مبكر لتفوز بالمجموعة عبر شوط كسر التعادل.
سيطرت بعد ذلك بشكل كامل على المجموعة الثانية. في هذا اللقاء، أظهرت أماندا أن إرسالها القوي وضرباتها الساحقة كانا أسلحة حاسمة، حيث سجلت 23 نقطة مباشرة مقابل 5 نقاط فقط لمنافستها.
أداء أماندا يعطينا بالفعل دلالات قوية على أنها جاهزة لحمل اللقب. نتائجها ليست مجرد انتصارات، بل هي مؤشر على ثقة متزايدة وقدرة على التكيف مع الضغط.
هي ليست بطلة أمريكا بعد، لكن أدائها يؤكد أنها منافسة جدية للغاية، وأنها تتحرك في الاتجاه الصحيح. حماسها النفسي وحب الجماهير لها يمنحها ميزة إضافية، مما قد يدفعها لتحقيق إنجاز كبير في هذه البطولة.
ردود فعل المخضرمين: تجديد الشغف
لم تقتصر ردود الأفعال على الشباب فقط. نعومي أوساكا، التي تعيش “نهضة” في مسيرتها بعد إجازة الأمومة، قدمت رداً قوياً على من شككوا في عودتها.

فوزها المريح على هالي بابتيست كان رسالة واضحة بأنها استعادت لياقتها وقوتها الذهنية. أما فينوس ويليامز، فقد قدمت رداً مختلفاً، حيث دخلت في شراكة مثيرة مع ليلى فرنانديز في منافسات الزوجي.
هذا القرار يكشف عن شغف لا ينضب باللعبة، ورغبة في خوض تحديات جديدة حتى بعد مسيرة أسطورية.
احتفالات جديدة.. الأبطال يبتكرون طرقاً للتعبير عن الفرح
لم تقتصر إثارة البطولة على النقاط الحاسمة والضربات القاضية، بل امتدت لتشمل طرق احتفال فريدة من نوعها ابتكرها اللاعبون على أرض الملعب، والتي تعكس شخصياتهم وقصصهم الخاصة:
. نوفاك ديوكوفيتش والرقصة العائلية:
بعد فوزه في ربع النهائي، قدم نوفاك ديوكوفيتش رقصة فريدة هزت أكتافه فيها، وشرح لاحقًا أنها مستوحاة من أغنية “Soda Pop”، الفيلم المفضل لابنته تارا. وقال ديوكوفيتش إنه أهدى هذا الاحتفال لابنته التي كانت تحتفل بعيد ميلادها الثامن، معبراً عن أمله في أن “يجعلها تبتسم عندما تستيقظ في الصباح”.
. كارلوس ألكاراز وتأرجح الغولف:
أضاف النجم الإسباني كارلوس ألكاراز لمسة رياضية أخرى إلى احتفالاته. فبعد انتصاراته، كان يستخدم مضربه ليقوم بحركة تأرجح كما لو كان يلعب الغولف، تحية لنجم الغولف وصديقه روري ماكلروي.
. ليلى فيرنانديز وتقليد الأسطورة: في لفتة تقدير جميلة، قامت اللاعبة الكندية ليلى فيرنانديز بتقليد الحركة الشهيرة للأسطورة فينوس ويليامز، وهي حركة “الالتفاف” (twirl) التي تؤديها في نهاية كل مباراة.
صراع الأساليب: التوقعات لما هو قادم
إن الأيام الأولى لم تكن سوى مقدمة لما هو قادم، حيث تتشكل ملامح صراعات محتدمة ستحدد مصير البطولة.
ردود الأفعال التي شاهدناها ستتحول إلى مواجهات مباشرة بين أساليب لعب مختلفة. فهل ستواصل هيمنة يانيك سينر ضد أي خصم مفاجئ يظهر من الظل؟
وهل سيصمد إرسال كوكو غوف الجديد في وجه اختبار حقيقي عندما تضعه لاعبات بقوة دونا فيكيتش تحت الضغط؟
وأخيراً، كل الأعين تتجه نحو المواجهة المحتملة التي قد تُعيد كتابة التاريخ: أماندا أنيسيموفا في مواجهة العملاقة سابالينكا.
إذا حدثت، فلن تكون مجرد مباراة عادية، بل ستكون صراعاً للإرادة على أرض الملعب، واصطداماً بين حلم النجمة الصاعدة وقوة البطلة الحالية.
إنها المواجهة التي ستجعل الجماهير تقف على أطرافها.
نقطة المباراة: حيث تتشكل الملاحم وتُولد ردود الأفعال
في عالم التنس، هناك لحظة واحدة يتوقف فيها الزمن: نقطة المباراة. هذه هي اللحظة التي تُفصح فيها ردود الأفعال الحقيقية.
كان رد فعل كامل مايخزارك عندما كان على بعد نقطة واحدة من الخسارة هو رفض الاستسلام، فقاتل بضراوة ليعود ويحقق فوزاً تاريخياً. هذا هو رد فعل الإرادة.
أما إيجا شفيونتيك، فكان رد فعلها عندما واجهت تهديداً حقيقياً هو الثبات والهدوء، مما مكنها من عبور المباراة رغم صعوبتها. هذا هو رد فعل الخبرة.
وحتى النجمة أماندا أنيسيموفا، لم تكن رحلتها تخلو من اللحظات الفاصلة؛ ففي مباراتها الأخيرة، كان رد فعلها على الضغط هو تحويل تأخرها في المجموعة الأولى إلى انتصار معنوي كبير. هذه هي ردود الفعل التي تصنع الفارق بين الفوز والخسارة، وتجعل كل ضربة لا تُنسى.