بعد 47 عاماً من الغموض.. جثة غامضة في ليبيا تعيد إحياء أخطر قضية سياسية في لبنان: مصير موسى الصدر

بعد 47 عاماً من الغموض.. جثة غامضة في ليبيا تعيد إحياء أخطر قضية سياسية في لبنان: مصير موسى الصدر

بعد نحو خمسة عقود على اختفائه، عاد اسم رجل الدين اللبناني موسى الصدر إلى واجهة الأخبار مرة أخرى، وهذه المرة بفضل تحقيق استقصائي مثير لشبكة «بي بي سي» البريطانية.

كشف التحقيق عن خيط جديد قد يفتح نافذة على واحد من أكثر الألغاز السياسية غموضاً في تاريخ لبنان المعاصر، ويطرح أسئلة خطيرة: هل انتهى الغموض؟ وهل عُثر على الجثة التي بحث عنها الجميع؟

من مشرحة سرية في طرابلس.. خيط يكشف لغز اختفاء الصدر

في عام 2011، بُعيد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، تمكن الصحافي اللبناني-السويدي قاسم حمادة من دخول مشرحة سرية في العاصمة الليبية طرابلس.

وسط 17 جثة يُعتقد أنها لرجال تم إعدامهم، لفتت انتباهه جثة واحدة: كانت طويلة القامة، وذات ملامح وجه قريبة بشكل لافت من ملامح الإمام الصدر.

زادت الشكوك عندما لاحظ أن الجمجمة تبدو وكأنها تعرضت لضربة قوية أو رصاصة فوق العين اليسرى، مما يعزز فرضية أنها تعود لضحية إعدام.

الذكاء الاصطناعي… شاهد على الجريمة؟

في خطوة جريئة، عرضت «بي بي سي» صورة الجثة على فريق خبراء في جامعة «برادفورد» البريطانية، المتخصص في تطوير خوارزميات التعرف على الوجه.

وبعد مقارنة الصورة مع أربع صور لموسى الصدر في مراحل مختلفة من حياته، كانت النتيجة صادمة: تقييم بحدود 60 من 100، وهو ما وصفه الخبراء بأنه “احتمال مرتفع أن تكون الجثة تعود إليه”.

ولمزيد من التدقيق، أجريت مقارنة إضافية مع صور لستة من أفراد عائلة الصدر ومع مائة صورة عشوائية لرجال شرق أوسطيين. كانت النتيجة أوضح في حالتي الصدر وعائلته، مما عزز الشبه وفتح الباب أمام هذه الفرضية بجدية.

رحلة محفوفة بالمخاطر وتجميد للأدلة

لم يكتفِ حمادة بتوثيق الصور، بل قام أيضاً بأخذ عينات من شعر الجثة في عام 2011 وسلمها إلى مسؤولين لبنانيين بهدف إخضاعها لفحص الحمض النووي (DNA).

لكن المثير للقلق هو أن مسار التحقيق توقف فجأة عند هذا الحد، إذ لم يصل أي رد لاحق بشأن التحليل. هذا التوقف المفاجئ يثير تساؤلات إضافية حول سبب تجميد هذا الخيط الحاسم، ويشير إلى أن القضية لا تزال محاطة بضغوط سياسية كبيرة.

وفي متابعة للقضية، سافر فريق «بي بي سي» مرة أخرى إلى ليبيا في عام 2023 برفقة حمادة، لكن مهمتهم انتهت باعتقالهم من قبل جهاز المخابرات الليبية واحتجازهم لمدة ستة أيام بتهمة التجسس.

لم يتم الإفراج عنهم إلا بعد ضغط كبير من المؤسسة الإعلامية البريطانية وحكومة لندن.

البعد السياسي والرهان على الرموز

لا ينفصل مصير الصدر عن المشهد السياسي اللبناني. فالقضية تحولت إلى ملف قضائي وسياسي طويل الأمد، حيث أصدر القضاء اللبناني مذكرات توقيف غيابية بحق القذافي وعدد من أركان نظامه.

ورغم سقوط القذافي عام 2011، بقيت الحقيقة معلقة بسبب تضارب الروايات بين السلطات الليبية الجديدة واللبنانية.

يُعد الصدر شخصية محورية في تاريخ لبنان الحديث، فقد أسس “حركة المحرومين ثم “حركة أمل، ودعا إلى تعزيز الدولة ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وبسبب مكانته، استخدم “الثنائي الشيعي المتمثل بـ”حركة أمل” و”حزب الله” رمزية الصدر لتعزيز حضورهما السياسي.

إن اكتشاف هذه الجثة يمثل تطوراً كبيراً، لكنه ليس النهاية. فإلى أن يتم تأكيد هوية الجثة عبر تحليل الحمض النووي، سيظل مصير الإمام الصدر لغزاً، وسيبقى ملفه واحدًا من أكثر الملفات غموضًا في تاريخ المنطقة.

المزيد من الكاتب

تعزيز العلاقات الدفاعية الليبية-البريطانية: رؤية مشتركة للاستقرار

بطولة أمريكا المفتوحة 2025: اليوم الخامس – عندما تصنع الشجاعة التاريخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *