في افتتاحيتنا اليوم، نُقدم تحليلاً معمّقاً لقضية تونس الأخيرة، لنكشف

لماذا يرى الشارع والمنظمات المدنية أن قرار السلطات بإيقاف “هيئة النفاذ إلى المعلومة” ليس مجرد إجراء إداري، بل هو تراجع خطير عن الشفافية، ونقطة تحول تثير قلقاً مشروعاً بشأن مستقبل الحريات وتهدف إلى التحكم في المعلومات.**

مشروعية القلق: لماذا تراجعت تونس عن الشفافية؟

تحليل أبعاد قرار السلطات

يُعَدّ قرار السلطات التونسية بوقف عمل “هيئة النفاذ إلى المعلومة” خطوة صادمة، ليست فقط بسبب مفاجأتها، ولكن لأنها تطرح تساؤلات حاسمة حول مستقبل الحريات في البلاد.

إن القلق الذي أبدته المؤسسات المدنية لم يكن عابراً، بل هو قلق مشروع ومتجذّر في فهم دقيق للآثار المترتبة على هذا القرار، والدوافع الكامنة وراءه.

مشروعية القلق وأبعاده

إن القلق من هذا القرار مبرر تماماً لأنه ليس حادثة منعزلة، بل هو حلقة في سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطة منذ يوليو 2021.

إن الهيئة لم تكن مجرد مؤسسة إدارية، بل كانت حصناً دستورياً يضمن حق المواطن في المساءلة، ويحارب التعتيم والبيروقراطية.

كانت الهيئة مؤسسة عمومية مستقلة، تمتلك صلاحيات قضائية إدارية تفصل في النزاعات بين من يطلب المعلومة والإدارة، وتصدر قرارات ملزمة لضمان وصول المواطنين والصحفيين والمنظمات إلى البيانات الرسمية.

إيقاف عملها يعني العودة إلى مرحلة ما قبل الثورة، حيث كانت المعلومة حكراً على الدولة، وهو ما يُعدّ تراجعاً خطيراً عن أهم مكاسب ثورة 2011.

تتمثل أبعاد هذا القلق في:

1 . الضربة القاصمة للمصداقية:

إيقاف الهيئة يقضي على المصداقية التي يمكن أن تتمتع بها المؤسسات الحكومية، ويفتح الباب واسعاً أمام الشائعات والتضليل، مما يزرع الشك في الشارع التونسي.

2 . خنق الصحافة الاستقصائية:

الهيئة كانت الأداة الأقوى للصحفيين في معركتهم ضد الفساد. بتعطيلها، تصبح الصحافة الجادة والاستقصائية أمراً بالغ الصعوبة، مما يؤثر على قدرتها على أداء دورها الرقابي.

3 . تسهيل الفساد: عندما تختفي الشفافية، يصبح الفساد أكثر سهولة وانتشاراً، حيث لا يمكن للصحافة والمجتمع المدني كشفه ومحاسبة المتورطين فيه.

دوافع السلطة: مما تتخوف؟

لماذا قامت السلطات بهذا الإجراء؟ يمكن تحليل الدوافع من خلال مخاوف السلطة من:

1 . المساءلة والمحاسبة:

الهيئة كانت تمارس ضغطاً حقيقياً على المؤسسات الحكومية، وتجبرها على الكشف عن قراراتها وأنشطتها المالية والإدارية، وهو ما قد يتعارض مع سياسات السلطة.

2 . فقدان السردية:

تريد السلطة أن تكون المصدر الوحيد للمعلومة، مما يسمح لها بالتحكم الكامل في السردية الإعلامية وتوجيه الرأي العام لخدمة أجندتها، وهو ما لا يمكن تحقيقه بوجود هيئة مستقلة تضمن حق الجميع في الوصول إلى المعلومة.

ويحلل المحلل السياسي زياد الهاني هذا الفعل بأنه “يمثل حلقة جديدة ضمن سلسلة إلغاء المؤسسات الشرعية للدولة، ويعكس تركيز الحكم الفردي المطلق الذي لا يخضع لأي مساءلة”.

ردود الفعل والآثار المستقبلية

لم تعد ردود الفعل مجرد توقعات. فقد استنكرت منظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ومنظمة “أنا يقظ“، القرار بشدة.

وصفت نقابة الصحفيين الخطوة بأنها “تجاوز صارخ للقانون” و”تعيد البلاد إلى مربع الإعلام الموجه والدعاية الرسمية”، فيما اعتبرت منظمة “أنا يقظ” أن إغلاق المقر وإعادة الموظفين تم “دون إعلام الرأي العام في خطوة خطيرة”.

ويصف القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني هذا الإجراء بأنه امتداد لسلسلة من القرارات التي استهدفت المؤسسات الشرعية للدولة لتأسيس نظام حكم فردي واستبدادي يرفض أي شكل من أشكال المساءلة.

إن هذا القرار يحمل في طياته بذور آثار سلبية وخيمة:

. تراجع ديمقراطي:

يُعَدّ إلغاء الهيئات الدستورية المستقلة مؤشراً واضحاً على تراجع الديمقراطية.

. بيئة طاردة للاستثمار:

غياب الشفافية والمساءلة يُعدّ عاملاً سلبياً للمستثمرين الأجانب، الذين يفضلون البيئات المستقرة والشفافة.

. خنق المبادرة الفردية:

عندما يتم إغلاق قنوات الوصول إلى المعلومة، يُقتل الإبداع في قطاعات مثل التكنولوجيا وريادة الأعمال، التي تعتمد على توافر البيانات.

المزيد من الكاتب

نتنياهو يعلن عن مفاوضات لصفقة شاملة لإنهاء الحرب، وعائلات الأسرى تتهمه بعرقلة الاتفاق

عروض القوة: الأبطال يثبتون مكانتهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *