في أبرز ردود الفعل التي هزت المشهد السوداني اليوم، ألقى الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بكرة حاسمة في ملعب الحل السياسي، ليؤكد أن المتمردين ليس لهم أي مستقبل سياسي في البلاد.
في هذه الفقرة التحليلية، نسعى لتقديم قراءة معمقة لهذا الموقف الصارم، أبعاده، أهدافه، والنتائج المتوقعة له، مع تسليط الضوء على إيجابياته وسلبياته المحتملة.
موقف عسكري وسياسي لا رجعة فيه
تسللت الأنباء عن اللقاء الذي عقد في جنيف إلى وسائل الإعلام، لتؤكد لاحقاً مصادر متعددة أن محور النقاش كان مقترحاً أمريكياً لوقف شامل لإطلاق النار.
لكن أبرز ما تسرب من تفاصيل هو إصرار الفريق البرهان على أن قوات الدعم السريع، كونها قوات مساندة تمردت على الجيش، لا يحق لها التفاوض على أي أجندة سياسية.
وبدلاً من ذلك، يجب أن تقتصر المفاوضات على القضايا العسكرية المتعلقة بالدمج والتسريح ومحاسبة قيادتها على الجرائم المرتكبة.
ويُعيد هذا الموقف التأكيد على مبادئ “إعلان جدة” الذي وقعته المليشيا في وقت سابق ولم تلتزم به، مدفوعة بـ”وهم التفوق الميداني”.
جبهة دبلوماسية تضيق الخناق
جاء اجتماع جنيف في أعقاب مواقف دولية وإقليمية متصاعدة، شكلت ضربة قوية لمشروع الدعم السريع. أبرز هذه المواقف:
. الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم الأفريقي:
رحب الاتحاد الأفريقي رسمياً بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء، واعتبره “تقدماً مهماً نحو استعادة النظام الدستوري”.
وفي موقف أقوى، أدان مجلس السلم والأمن الأفريقي بشكل واضح سعي المليشيا لتشكيل حكومة موازية، داعياً المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بها.
. مجلس الأمن الدولي:
في 12 أغسطس، أعلن أعضاء المجلس رفضهم الصريح “لإنشاء سلطة حكم موازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع”.
. المواقف العربية:
تبنت المملكة العربية السعودية ومصر مواقف حاسمة، حيث أعلنت وزارة الخارجية السعودية رفضها لأي “إجراءات غير شرعية” تمس وحدة السودان، بينما أكدت مصر أن “تشكيل حكومة موازية يعقد المشهد”.
تأثيرات رد الفعل المدوي: على الشعب والجيش والدعم السريع
لرد فعل البرهان الحاسم تداعيات مباشرة ومختلفة على الأطراف الداخلية للصراع:
. تأثيره على الشعب السوداني:
يحمل هذا الموقف شعوراً متناقضاً. فمن ناحية، قد يرى فيه المدنيون بارقة أمل في أن الجيش جاد في إنهاء التمرد بشكل نهائي، دون التوصل إلى حل سياسي يشرعن وجود الميليشيا.
ومن ناحية أخرى، قد يخشى البعض أن هذا الموقف الصارم قد يؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتفاقم المعاناة الإنسانية.
. تأثيره على الجيش السوداني:
يعتبر هذا الموقف بمثابة تعزيز كبير لمعنويات الجنود والضباط. فهو يزيل أي غموض حول الهدف النهائي للصراع، ويؤكد أن تضحياتهم هي من أجل تحقيق هدف عسكري واضح لا يقبل التسوية السياسية مع المتمردين.
. تأثيره على حميدتي والدعم السريع:
يواجه حميدتي وقواته الآن واقعاً صعباً. فالباب أمام حل سياسي أو اعتراف دولي أصبح مغلقاً.
لذا، فإن رد الفعل المتوقع منهم هو التصعيد العسكري؛ فبدون أي مسار سياسي، قد يلجأون إلى مزيد من الهجمات العنيفة، خاصة على المدن الاستراتيجية، في محاولة لتحقيق نصر عسكري حاسم يمكن استخدامه كورقة مساومة في المستقبل.
إيجابيات وسلبيات رد الفعل الحاسم
يمتلك هذا الموقف القوي إيجابيات واضحة وسلبيات محتملة يجب أخذها في الاعتبار:
. الإيجابيات:
.. تحديد الخطوط الحمراء:
يضع هذا الموقف حداً واضحاً لأي محاولة للضغط على الحكومة السودانية لتقديم تنازلات سياسية غير مقبولة.
.. تقوية موقف الجيش:
يعزز من مكانة القوات المسلحة السودانية كحامية للبلاد ويقطع الطريق على أي حل يشرعن وجود ميليشيا موازية.
. السلبيات والتحديات:
.. احتمال إطالة أمد الحرب: قد يدفع هذا الموقف غير المرن الميليشيا إلى التمسك بالخيار العسكري بشكل كامل، مما قد يطيل من فترة الصراع.
.. تعقيد الوساطات: قد يرى بعض الوسطاء أن هذا الموقف يغلق الباب أمام أي حلول وسط، مما قد يصعب من جهود الوساطة المستقبلية.
فشل عسكري ومخططات محبطة
تزامنت هذه الضربات الدبلوماسية مع انتصارات عسكرية مهمة حققها الجيش السوداني والقوات المشتركة.
فبعد صمود أسطوري لأهل الفاشر لأكثر من 400 يوم، فشل الهجوم الأكبر الذي شنته المليشيا مؤخراً (الهجوم رقم 227)، مما أحبط مخططها الرامي إلى السيطرة على المدينة وإعلانها عاصمة لإقليم دارفور.
وقد عبر مستشار الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، عن صدمته من الوضع المروع في الفاشر، مما يعكس تزايد الرفض الدولي لانتهاكات المليشيا.
توقعات المستقبل: هل يمكن وقف إطلاق النار؟
بينما يرى البعض أن التحركات الأمريكية الأخيرة قد تمهد لوقف الحرب، يطرح الموقف السوداني القوي تساؤلات جدية حول جدوى وقف إطلاق النار المقترح.
فالجيش يخشى أن تستغل المليشيا أي هدنة لإعادة بناء قواتها، كما حدث في تجارب سابقة، كما أنه لا يمكنه القبول بشرعنة احتلالها للمناطق التي تسيطر عليها حالياً.
هذا الواقع يؤكد أن أي حل مستقبلي لا بد أن ينطلق من إخضاع المليشيا لسلطة الدولة، وهو ما يؤكد عليه تصريح البرهان.