افتتاحية تحليلية: فرنسا تتغير.. والخضر يكسرون الصمت

في افتتاحيتنا اليوم، نُسلط الضوء على تحوّل سياسي مُدَوٍّ في قلب أوروبا. فبينما اعتادت عواصم القارة على تبني مواقف دبلوماسية حذرة تجاه الصراع في غزة، خرج حزب “أوروبا إيكولوجيا-الخضر” الفرنسي عن هذا الإجماع بخطوة جريئة وغير مسبوقة.

لم يعد الأمر مجرد إدانة شفهية، بل تحوّل إلى اتهام مباشر بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية، مع مطالب واضحة بوقف توريد الأسلحة وكسر الحصار.

هذا البيان ليس مجرد ورقة سياسية، بل هو إعلان عن أن الصبر قد نفد وأن الضمير الأوروبي قد بدأ يصحو. فهل ستكون هذه المطالب الشرارة التي تُشعل تغييرًا حقيقيًا في سياسة ماكرون وتُجبر أوروبا على إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل؟

فرنسا تستيقظ: الخضر يكسرون الصمت ويطالبون بوقف "الإبادة الجماعية" في غزة

في خطوة تاريخية تتجاوز الإدانات التقليدية، أصدر حزب أوروبا إيكولوجيا-الخضر الفرنسي بياناً مدوياً يوجه فيه اتهاماً مباشراً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتخطيط لـ”التطهير العرقي” و”الإبادة الجماعية” في غزة.

هذا البيان، الذي نُشر في 13 أغسطس 2025، ليس مجرد موقف سياسي، بل هو دعوة صريحة للعمل الفوري لوقف ما وصفه بـ”المجازر” المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني.

لقد كشف الحزب بشكل حاسم عن خطة نتنياهو المزعومة للسيطرة على مدينة غزة، وتهجير أكثر من مليون فلسطيني قسراً، واصفًا هذه الخطوة بـ”الخطيرة للغاية” التي تهدف إلى “احتلال كامل وضمّ القطاع الفلسطيني”.

هذا الوصف الحاد يضع حكومة نتنياهو أمام اتهام واضح بانتهاك القانون الدولي والإنساني.

لم يكتفِ الحزب بالإدانة، بل طرح سلسلة من المطالب الملموسة والجريئة، أبرزها:

. وقف فوري لجميع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، مستشهدًا بما قامت به ألمانيا.

. تعليق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بشكل نهائي.

. فرض عقوبات على القادة الإسرائيليين الذين ينتهكون القانون الدولي.

. قيادة تحالف دولي لكسر الحصار المفروض على غزة وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية.

هذه المطالب، التي وصفها البيان بأنها “الحد الأدنى المطلوب لإنهاء الإبادة الجماعية”، تعكس تحولاً جذرياً في الخطاب السياسي الفرنسي تجاه القضية الفلسطينية، وتؤكد أن زمن الاكتفاء بـ”التصريحات دون أفعال” قد ولّى.

تحليل التأثير السياسي: هل يغير الخضر معادلة ماكرون؟

يُشكل هذا البيان الصادر عن حزب الخضر نقطة تحول محتملة في السياسة الفرنسية والأوروبية تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

فبينما يتبنى الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته موقفاً أكثر حذراً وتوازناً (حتى الآن)، يضعهم هذا الموقف القوي والملزم من قبل أحد الأحزاب الرئيسية أمام ضغط متزايد.

التأثير على فرنسا:

. ضغوط داخلية على ماكرون:

يُمكن أن يُجبر موقف الخضر الرئيس ماكرون على إعادة تقييم سياسته الحالية، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات.

قد يضطر لتعديل خطابه أو اتخاذ إجراءات أكثر حزماً لتجنب اتهامه بالتقاعس أو التواطؤ، خاصةً في ظل تصاعد الغضب الشعبي من الأوضاع الإنسانية في غزة.

. تغير في المشهد السياسي:

يُمكن أن يُلهم هذا الموقف أحزاباً فرنسية أخرى، خاصةً من اليسار، لتبني مواقف أكثر صرامة، مما يؤدي إلى تغيير موازين القوى السياسية بشأن هذه القضية.

. تغيير محتمل في السياسة الخارجية:

إذا ما استمر الضغط، قد تُجبر فرنسا على التحرك بشكل أكثر فاعلية في الأروقة الأوروبية والدولية، ربما عبر دعم جهود فرض العقوبات أو قطع المساعدات العسكرية عن إسرائيل.

التأثير على أوروبا:

. تحفيز موقف أوروبي موحد:

يمكن لموقف حزب فرنسي كبير أن يدفع الأحزاب الخضراء في دول أوروبية أخرى لتبني مواقف مماثلة مما يُشكل ضغطاً على الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف موحد وأكثر حسماً.

. إعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل:

قد يؤدي هذا الضغط إلى إعادة النظر في اتفاقيات الشراكة القائمة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والتي أصبحت الآن تحت مجهر النقد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة.

رد فعل إسرائيل المتوقع:

من المتوقع أن يكون رد فعل إسرائيل على هذا البيان قوياً ومنداًا.

قد تعتبره “معاداة للسامية” أو “تحريضًا” ضدها، وهي اتهامات اعتادت إسرائيل استخدامها ضد منتقديها.

قد تحاول أيضاً ممارسة ضغوط دبلوماسية على الحكومة الفرنسية لإدانة موقف حزب الخضر والتأكيد على علاقاتها القوية مع تل أبيب

التوقعات المستقبلية:

إن موقف حزب الخضر هو مؤشر على أن “الخط الأحمر” قد تم تجاوزه بالنسبة لقطاعات واسعة في أوروبا. إذا لم يتغير الوضع في غزة، فمن المرجح أن نشهد المزيد من المطالبات بفرض عقوبات وقطع العلاقات.

السؤال الآن هو: هل سيستمع القادة الأوروبيون إلى هذا النداء، أم سيظلون متمسكين بمواقفهم الحذرة؟

هل ترى أن هذا الموقف قد يغير بالفعل من سياسات الحكومات الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية؟

المزيد من الكاتب

حيث يبدأ الحلم.. الدروب الشائكة في التصفيات المؤهلة لبطولة أمريكا المفتوحة

عين على الكالتشيو: صدمة البداية.. الأسبوع الأول يقلب الموازين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *