بعد 13 عاماً من القطيعة.. عودة دبلوماسية لسوريا إلى ليبيا: قراءة في الأسباب والانعكاسات

شهدت العاصمة الليبية طرابلس حدثاً دبلوماسياً بارزاً برفع العلم السوري فوق مبنى سفارة دمشق إيذاناً ببدء الإجراءات الرسمية لاستئناف عملها بعد انقطاع دام 13 عاماً.

هذا التطور لا يمثل مجرد إعادة فتح لمبنى دبلوماسي، بل هو مؤشر على تحولات عميقة في العلاقات بين البلدين، وله انعكاسات إقليمية تتجاوز حدودهما.

سياق العودة: من القطيعة إلى التطبيع

تعود قصة القطيعة إلى عام 2012، عندما أغلقت السفارة السورية أبوابها في طرابلس بعد اعتراف المجلس الانتقالي الليبي آنذاك بـ”الثورة السورية”.

لكن في الأشهر الأخيرة، بدأت تلوح في الأفق ملامح تقارب دبلوماسي، حيث زار وفد ليبي سوريا في ديسمبر الماضي، وتبع ذلك لقاء بين رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة والرئيس السوري أحمد الشرع في أبريل، تم فيه الاتفاق على تفعيل اللجنة المشتركة لتعزيز التعاون.

ويأتي رفع العلم السوري ليجسد تتويحاً لهذه المساعي، حيث أوكلت مهمة رفع العلم إلى الوفد السوري التقني الذي أُرسل إلى ليبيا في مطلع أغسطس الجاري “بهدف تسوية الأوضاع القانونية للمواطنين السوريين”.

الملفات المطروحة: من القنصلية إلى الأمن الإقليمي

أوضح رئيس الوفد السوري، محمد الجفال، أن عودة البعثة الدبلوماسية لا تقتصر على تقديم الخدمات للجالية السورية، بل تتعداها إلى ملفات حساسة ومهمة:

. الملف القنصلي والقانوني:

بعد غياب طويل، ستعمل السفارة على تسوية الأوضاع القانونية للجالية السورية، ومن المنتظر أن يصدر قريباً قرار ليبي بإعفاء السوريين من الضرائب، مما سيسهل عودة الراغبين منهم إلى وطنهم.

. ملف الهجرة غير الشرعية: اعتبر الجفال هذا الملف “من الملفات الحساسة جداً لسوريا ولدول المنطقة ولليبيا بلا شك”، مما يشير إلى أن التعاون في هذا المجال سيكون أولوية مشتركة.

. التعاون الاقتصادي:

تزامن عودة التمثيل الدبلوماسي مع استئناف الخطوط الجوية السورية رحلاتها الأسبوعية إلى ليبيا، وهو مؤشر على بدء إعادة تفعيل قنوات التعاون الاقتصادي والتجاري.

انعكاسات على الساحة الليبية الداخلية: قلق في شرق البلاد

تثير هذه الخطوة قلقاً كبيراً لدى سلطات شرق ليبيا، المتمثلة في الحكومة الليبية بقيادة أسامة حماد، لعدة أسباب:

1 . قرار أحادي الجانب: يعتبر شرق ليبيا أن هذه الخطوة هي قرار أحادي من قبل حكومة طرابلس، ولا يمثل توافقاً وطنياً ليبياً، مما يزيد من حدة الانقسام السياسي.

2 . مخاوف أمنية: قد ترى سلطات الشرق في هذا التنسيق مع دمشق تهديداً أمنياً، لا سيما في ملفات مثل الهجرة غير الشرعية، وتخشى أن تؤدي إلى ترتيبات أمنية لا تخضع لسلطتها، مما يمكن أن يزيد من حدة التوترات الداخلية.

لذلك، من المتوقع أن تصدر حكومة أسامة حماد بياناً ترفض فيه هذا القرار الدبلوماسي، مما يؤكد من جديد أن أي تطورات دبلوماسية في ليبيا ستظل رهينة الانقسام السياسي القائم.

انعكاسات إقليمية: رسائل دبلوماسية إلى الخارج

. انعكاسات على ليبيا:

تمثل عودة السفارة السورية خطوة مهمة نحو استقرار ليبيا، حيث تظهر قدرة حكومة الوحدة على إعادة بناء علاقاتها الدبلوماسية بشكل متوازن وواقعي.

كما أنها تتيح لليبيا فرصة التعاون الرسمي مع سوريا في ملفات أمنية وإنسانية معقدة.

. انعكاسات على سوريا:

تعد عودة السفارة نصراً دبلوماسياً للحكومة السورية، وتأكيداً على نجاحها في كسر العزلة الإقليمية التي فُرضت عليها.

فبعد عودتها إلى جامعة الدول العربية، تمثل عودة سفارتها في دولة عربية رئيسية خطوة أخرى نحو تطبيع كامل للعلاقات مع محيطها الإقليمي.

. انعكاسات إقليمية:

تعكس هذه الخطوة تحولاً في الأولويات العربية، حيث يبدو أن معظم الدول أصبحت تفضل البراغماتية والتعاون الأمني على المواقف السياسية السابقة.

إنها رسالة بأن الاستقرار الإقليمي أصبح يتقدم على أي اعتبارات أخرى.

المزيد من الكاتب

درع تكنولوجي أم رسالة قوة؟ تحليل تصريحات بوتين عن الصناعة النووية الروسية

حيث يبدأ الحلم.. الدروب الشائكة في التصفيات المؤهلة لبطولة أمريكا المفتوحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *