لطالما عانى المواطن الليبي، موظف القطاع العام، من رحلة مرهقة ومعقدة لاستلام مرتبه الشهري.كانت العملية أشبه بسباق حواجز بيروقراطي، تبدأ بدائرة ورقية طويلة تستغرق أياماً وربما أسابيع.
يعتمد النظام القديم على إعداد “حافظة” ورقية بالمرتبات، يفترض أن يتولى مندوب من مكان عمل الموظف إيصالها إلى مصرف الموظف.
ولكن، في كثير من الأحيان، بسبب نقص المندوبين في الجهات الحكومية والخاصة، يضطر الموظف نفسه إلى حمل حافظته والركض بها بين المكاتب والمصارف، على أمل تسريع وصول مرتبه.
وحتى بعد وصول الحافظة إلى المصرف، تستغرق أياماً إضافية لتنزل القيمة في حساب المستفيد، مما يسبب إرهاقاً ومعاناة لا داعي لها.
نقطة تحول تاريخية: المرتب بكبسة زر!
لكن، يبدو أن عصر هذه المعاناة قد ولّى، بفضل جهود حثيثة تبشر بتحول رقمي جذري.
في خبر مفرح للمواطنين الليبيين، سيتم اختصار الكثير من الوقت والجهد، حيث سيعالج المرتب مباشرة إلى حساب المستفيد.
في خطوة تاريخية تعد إنجازاً بارزاً لمدير مصرف ليبيا المركزي الجديد، السيد ناجي محمد عيسى، عقد اجتماع موسع يوم الأحد الموافق 27 يوليو 2025 بمكتب المحافظ، جمع سيادته مع وزير المالية بحكومة الوحدة الوطنية، السيد د. خالد المبروك عبدالله.
بحضور مدراء الإدارات المختصة من الجانبين، ناقش الاجتماع عدة مشاريع مشتركة لضمان رسم سياسات نقدية ومالية متناغمة من شأنها تحسين الوضع الاقتصادي العام.
تحول جذري: من الورقة إلى التحويل الآلي والفوري
النتيجة الأبرز والأكثر تأثيراً لهذا الاجتماع هي الاتفاق على البدء الفعلي في تنفيذ مرتبات القطاع العام بشكل آلي وفوري لكافة القطاعات بدءاً من مرتبات شهر سبتمبر القادم. هذا يعني وداعًا للحافظات الورقية والانتظار الطويل. فبكبسة زر، سيتم تسييل المرتب مباشرة إلى حساب المستفيد، مما يوفر وقتاً وجهداً هائلين على الموظفين، ويخفف عنهم عبء العملية البيروقراطية المعقدة.

ما الذي يعنيه هذا التحول للمواطن الليبي؟
.توفير الوقت والجهد:
لن يضطر الموظف بعد الآن إلى متابعة حافظة مرتبه أو زيارة المصرف مراراً وتكراراً.
. سرعة الوصول للمال:
سيصل المرتب إلى الحساب البنكي بشكل فوري تقريباً، مما يوفر السيولة اللازمة في الوقت المناسب.
. شفافية أكبر:
تتبع آلي يضمن وضوحاً أكبر في عملية صرف المرتبات.
. راحة نفسية:
التخلص من القلق المرتبط بتأخر استلام المرتبات.
آتمتة المرتبات ومشاريع التحول الرقمي: بناء منظومة مالية حديثة
لم يقتصر الاجتماع على المرتبات فحسب، بل شمل محاور أخرى بالغة الأهمية تركز على التحول الرقمي الشامل لوزارة المالية والمصرف المركزي:
. أتمتة تنفيذ مرتبات القطاع العام:
هذه العملية هي حجر الزاوية في بناء نظام مالي حديث وفعال، يقلل من الأخطاء البشرية ويعزز الكفاءة.
. مشاريع التحول الرقمي لوزارة المالية:
تهدف هذه المشاريع إلى رقمنة كافة الخدمات المالية الحكومية، مما يسهل على المواطنين والجهات الحكومية التعاملات المالية.
. الشروع في تصميم وإعداد منظومة حساب الخزانة الموحد:
هذه المنظومة ستوحّد جميع حسابات الخزانة العامة، مما يمنح الدولة رؤية واضحة وشاملة لتدفقاتها المالية، ويعزز الرقابة والشفافية ويحد من الهدر.
وللمضي قدمًا في هذه المشاريع الطموحة، تم الاتفاق على تشكيل فرق عمل مشتركة بين المصرف المركزي ووزارة المالية لضمان تطبيق أساليب التحول الرقمي بفاعلية.
خلاصة: قيادة حكيمة نحو مستقبل اقتصادي أفضل
إن هذا الاتفاق التاريخي يؤكد على رؤية استراتيجية واضحة من قبل محافظ مصرف ليبيا المركزي ووزير المالية لتبسيط الإجراءات المالية وتحقيق التحول الرقمي.

هذه الجهود المشتركة ليست مجرد تحسينات إدارية، بل هي خطوات حاسمة نحو بناء نظام مالي أكثر كفاءة وشفافية في ليبيا، وستنعكس إيجاباً بشكل مباشر على حياة المواطن الليبي.
هذا هو نموذج للقيادة التي تضع مصلحة المواطن في صلب أولوياتها، مستفيدة من التكنولوجيا لتجاوز التحديات البيروقراطية.