في خطوة جريئة ومحورية نحو الإصلاح الإداري وتحسين جودة الخدمات العامة، وقعت وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة في ليبيا اتفاقية تعاون مشترك بتاريخ 28 يوليو 2025.
هذه الاتفاقية، التي جرى توقيعها بمقر وزارة التربية والتعليم بطرابلس، لا تُعد مجرد تنسيق إداري بل تمثل نقلة نوعية في إدارة الموارد البشرية وتبادل الكفاءات بين قطاعين حيويين، وهي خطوة تعكس رؤية ثاقبة للتوظيف الأمثل للكفاءات الوطنية.
أهمية الاتفاقية: كفاءة الأداء وجودة الخدمات
تكمن الأهمية القصوى لهذه الاتفاقية في منهجها القائم على إعادة توزيع العناصر الوظيفية بناءً على المؤهلات العلمية والتخصصات الفنية.
هذا النهج يعود بالنفع على القطاعين والمواطن الليبي على حد سواء:
. رفع كفاءة الأداء:
من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ستتمكن كل وزارة من الاستفادة القصوى من كوادرها.
فالكفاءات التربوية ستُوجه لدعم العملية التعليمية، بينما ستعزز التخصصات الطبية والفنية الكادر الصحي.
هذا التخصص سيقلل من الأعباء الوظيفية غير المرتبطة بالتخصصات، ويزيد من فعالية العمليات اليومية.
. تحسين جودة الخدمات:
عندما يعمل المعلم في مجال تخصصه وتعمل الكفاءات الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية، فإن جودة الخدمات المقدمة للمواطنين ستتحسن بشكل ملموس.
الأطفال سيتلقون تعليماً أفضل، والمرضى سيحظون برعاية صحية أكثر احترافية.
. معالجة الفوائض والنقص:
جاءت الاتفاقية كنتيجة لسلسلة من الاجتماعات التنسيقية التي كشفت عن وجود فائض في تخصصات معينة في وزارة، ونقص في تخصصات أخرى بالوزارة المقابلة.
فعدد (3613) موظفاً من وزارة الصحة يحملون مؤهلات تربوية سيُعاد توزيعهم لخدمة قطاع التعليم، بينما سيتم نقل (8237) من العاملين بوزارة التربية والتعليم (خاصة من إدارة الاحتياط العام) إلى وزارة الصحة لسد النقص في التخصصات الطبية والفنية.
هذا التوزيع الدقيق يعالج تحديات هيكلية طال أمدها.
. إصلاح إداري شامل:
أكد الوزير والوكيل العام لوزارة الصحة أن هذا التعاون يأتي في إطار “الإصلاح الإداري وضمان التوزيع العادل والفعال للكوادر”.
هذا يؤكد على أن الاتفاقية ليست حدثاً معزولاً، بل هي جزء من عملية إصلاح أوسع تهدف إلى تحديث الجهاز الإداري للدولة الليبية وتعزيز كفاءته.
جهود استثنائية من وزير التربية والتعليم (المكلف)
تبرز هذه الاتفاقية حجم الجهد المبذول في ظل الظروف الراهنة، لا سيما مع تولي وزير العمل والتأهيل مهام وزير التربية والتعليم بالوكالة، بعد إيقاف الوزير السابق موسى المقريف عن العمل.
هذا الوضع الاستثنائي يضيف بعداً إيجابياً لأهمية الاتفاقية:
. قيادة فعالة تحت الضغط:
قيام الوزير المكلف بهذا الدور المحوري، الذي يشمل قيادة وزارتين كبيرتين وحيويتين، يعكس قدرة استثنائية على الإدارة والتنسيق.
توقيع هذه الاتفاقية المعقدة في ظل هذه الظروف يؤكد التزامه بالإصلاح وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين.
. رؤية للتكامل الحكومي:
إن نجاح وزير مكلف في تنسيق جهود وزارتين مختلفين إلى هذا الحد يشير إلى إمكانية تعزيز التعاون والتكامل بين مختلف مؤسسات الدولة، وهو ما يعد نموذجًا يحتذى به لحل التحديات البيروقراطية.
. المرونة والإصرار على الإصلاح:
توقيع هذه الاتفاقية يعكس إصراراً على المغيير والإصلاح الإداري رغم التحديات البيروقراطية وأي عوائق قد تنشأ عن التغييرات في الهيكل الإداري.
آفاق مستقبلية: استمرار الحصر والتنسيق
لم تكن هذه الاتفاقية هي نهاية المطاف، بل “يُعدّ جزءاً من عملية شاملة ما تزال قائمة، وتشمل استمرار أعمال حصر التخصصات داخل الوزارتين، بالتنسيق مع الجهات التابعة لهما، لضمان تنفيذ النقل والتوزيع بشكل دقيق ومنظم”. هذا يعني أن:
. العملية مستمرة:
هناك التزام بمواصلة حصر الكفاءات وتوزيعها بما يضمن التوظيف الأمثل للموارد البشرية على نطاق أوسع.
. الشمولية والدقة:
التركيز على “التنسيق مع الجهات التابعة لهما” و”النقل والتوزيع بشكل دقيق ومنظم” يؤكد على الحرص على أن تكون هذه العملية شاملة وعادلة وشفافة.
إن هذه الاتفاقية تمثل نموذجاً يحتذى به في التنسيق الحكومي الفعال، وتوفر خارطة طريق واضحة نحو تحسين كفاءة الأداء في القطاعات الحيوية، مما سينعكس إيجاباً على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين الليبيين ويدفع بعجلة الإصلاح الإداري في البلاد.