إحاطة هانا تيتيه من طرابلس: رؤية معمقة لتعزيز الاستقرار الليبي عبر شراكة أفريقية-أممية وتحديات المصالحة والجمود السياسي

إحاطة هانا تيتيه من طرابلس: رؤية معمقة لتعزيز الاستقرار الليبي عبر شراكة أفريقية-أممية وتحديات المصالحة والجمود السياسي

نافذة من طرابلس على مستقبل ليبيا

في خطوة ذات دلالة عميقة، قدمت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، السيدة هانا تيتيه، إحاطة هامة عبر الإنترنت لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يوم الخميس الماضي من العاصمة طرابلس.

تأتي هذه الإحاطة عقب زيارتها الأخيرة إلى مقر الاتحاد في أديس أبابا، لتؤكد على الأهمية المتزايدة للتعاون الإقليمي والدولي في دفع عجلة الحل الليبي.

لم تكن الإحاطة مجرد عرض للوضع الراهن، بل كانت بمثابة خارطة طريق تبرز المحاور الأساسية التي ترى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي أنها مفتاح تجاوز الأزمة الليبية المستمرة.

المحور الأول: تعزيز الشراكة الأفريقية-الأممية.. ركيزة للاستقرار

أكدت السيدة تيتيه بشكل قاطع على “أهمية تعزيز التعاون بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دعم العملية السياسية في ليبيا”.

هذه الكلمات تحمل أبعاداً متعددة وتوقعات لنتائج إيجابية:

. بعد الكلمات:

يشير التأكيد على التعاون إلى إدراك عميق بأن الحل الليبي لا يمكن أن يكون أحادي الجانب. فالاتحاد الإفريقي، بحكم قربه الجغرافي ومعرفته الأعمق بالنسيج الاجتماعي والقبلي في ليبيا، يمتلك رؤى ومسارات قد لا تكون متاحة دائماً للمنظمات الدولية الأبعد.

التعاون هنا يعني تكاملاً في الأدوار والخبرات، وتبادلاً للمعلومات والاستراتيجيات.

. توقع النتائج:

من المرجح أن يؤدي هذا التعاون المتزايد إلى تنسيق أفضل للجهود الدبلوماسية، وتوحيد للرسائل الموجهة للأطراف الليبية، وربما إنشاء آليات مشتركة لتسهيل الحوار أو تنفيذ مبادرات السلام.

قد يسهم ذلك في تقليل الازدواجية في العمل الدبلوماسي ويزيد من فعاليته. كما أن الدعم الإفريقي يمكن أن يمنح الشرعية لبعض المساعي التي قد تواجه مقاومة لو جاءت من جهات دولية فقط.

المحور الثاني: المصالحة الوطنية.. أولوية قصوى ودعامة لمستقبل موحد

شددت الممثلة الخاصة على أن “المصالحة الوطنية تظل أولوية قصوى”. هذه العبارة تحمل في طياتها تحديات جسيمة وآمالاً كبيرة:

. بعد الكلمات:

المصالحة الوطنية في سياق ليبيا ليست مجرد مصافحة بالأيدي، بل هي عملية معقدة وطويلة تتطلب معالجة لجروح عميقة ناتجة عن سنوات من الصراع، انتهاكات حقوق الإنسان، النزوح، والخسائر البشرية والمادية.

هي تشمل جبر الضرر، العدالة الانتقالية، عودة النازحين والمهجرين، وتفكيك بنى الكراهية والتفرقة.

وضعها كـ”أولوية قصوى” يعني إدراكاً بأن أي تقدم سياسي أو اقتصادي لن يكتمل دون تضميد هذه الجروح الاجتماعية.

. توقع النتائج:

إذا تم المضي قدماً في ملف المصالحة بشكل فعال وشامل، فإنه سيسهم في بناء الثقة بين المكونات الليبية المختلفة.

هذا بدوره يمكن أن يقلل من احتمالات العودة للعنف، ويهيئ بيئة مواتية لقبول النتائج الانتخابية وأي حلول سياسية.

نجاح المصالحة سيخلق أساساً اجتماعياً متينًا للدولة المستقبلية، ويحول دون استغلال الانقسامات من قبل الأطراف المتصارعة.

الفشل في تحقيق مصالحة حقيقية قد يبقي جذور النزاع قائمة، حتى لو تم التوصل لاتفاقات سياسية مؤقتة.

المحور الثالث: استقرار الوضع الأمني وتجاوز الجمود السياسي.. ضرورة حتمية

أكدت تيتيه على “ضرورة العمل على استقرار الوضع الأمني وتجاوز حالة الجمود السياسي”. هذان الملفان مرتبطان ببعضهما البعض بشكل عضوي:

. بعد الكلمات:

.. استقرار الوضع الأمني:

يعني السيطرة على الجماعات المسلحة، توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، جمع السلاح المنتشر، وتأمين الحدود.

هذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية ودعماً دولياً في بناء القدرات الأمنية للدولة الليبية.

.. تجاوز الجمود السياسي:

يشير إلى الحاجة الملحة لكسر الحلقة المفرغة من عدم القدرة على التوافق على خارطة طريق واضحة نحو الانتخابات، أو على تشكيل حكومة موحدة قادرة على إدارة البلاد.

هذا الجمود يغذي الفراغ الذي تستغله الجماعات المسلحة والجهات الخارجية.

. توقع النتائج:

تحقيق الاستقرار الأمني سيوفر بيئة آمنة للمواطنين لممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وسيشجع الاستثمار، ويسمح بعودة النشاط الاقتصادي.

تجاوز الجمود السياسي سيفتح الباب أمام عملية انتخابية شفافة ومقبولة، تؤدي إلى مؤسسات شرعية تمثل إرادة الشعب. الفشل في هذه النقطة سيعني استمرار حالة الفوضى والانقسام، مما يعيق أي جهود للمصالحة أو التنمية.

الخاتمة: نحو بيئة مواتية لدولة مزدهرة وآمنة

ختاماً، دعت السيدة تيتيه إلى “خلق بيئة ملائمة تتيح للمواطنين الليبيين التقدم بثبات نحو بناء دولة مستقرة ومزدهرة تضمن الأمن والكرامة لجميع أبنائها”.

هذه الرؤية الجامعة هي الهدف الأسمى للجهود الدولية والإقليمية:

. بعد الكلمات:

هذه الدعوة تلخص كل ما سبق. فالمصالحة، والاستقرار الأمني، وتجاوز الجمود السياسي ليست أهدافًا في حد ذاتها، بل هي وسائل لبناء هذه “البيئة الملائمة” التي تمكن الليبيين من استعادة كرامتهم وبناء مستقبلهم.

التركيز على “جميع أبنائها” يؤكد على الشمولية وعدم الإقصاء، وهو أمر حيوي في مجتمع يعاني من انقسامات حادة.

. توقع النتائج:

إذا تمكنت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، بالتعاون مع الأطراف الليبية، من تحقيق تقدم ملموس في هذه المحاور، فإن ليبيا ستكون على أعتاب مرحلة جديدة من البناء والازدهار.

سيمكن ذلك من استغلال ثرواتها الهائلة لصالح شعبها، والتحول من دولة متأثرة بالصراعات إلى لاعب إقليمي مستقر ومؤثر. على النقيض، استمرار التحديات دون حلول جذرية سيعمق الأزمة ويجعل ليبيا عرضة لمزيد من التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية.

إن إحاطة هانا تيتيه من طرابلس لا تمثل مجرد خبر عابر، بل هي تذكير دائم بأن الحل في ليبيا يتطلب مقاربة شاملة ومتكاملة، تُدمج فيها الجهود الدبلوماسية والأمنية والاجتماعية، وتستند إلى شراكة قوية بين الفاعلين الدوليين والإقليميين، وبمشاركة حقيقية من الأطراف الليبية نحو مستقبل موحد ومزدهر.

المزيد من الكاتب

إنجلترا تُبهر العالم وتُتوَّج بطلة لليورو 2025: اللبؤات يُحققن إنجازاً تاريخياً في سويسرا!

تحول رقمي في تأشيرات المملكة المتحدة: فرص وتحديات للمواطن الليبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *