في ليلة كروية حافلة بالتوتر والإثارة على أرض ملعب بركان، حجزت غانا مقعدها في نصف نهائي كأس الأمم الأفريقية للسيدات (توتال إنرجيز) بعد فوزها المثير على الجزائر بركلات الترجيح بنتيجة 4-2.
لم تكن هذه المواجهة مجرد مباراة؛ بل كانت اختباراً حقيقياً للعزيمة والصلابة، وخطوة إضافية لـ”الملكات السوداء” في مشوارهن بالبطولة.
أما الجزائر، فقد واصلت كتابة تاريخها في البطولة، وإن كان بنهاية درامية تُبقي الكثير من الحسرة.

خلفية تاريخية وتصريحات ما قبل المعركة: جدار الجزائر وسعي غانا للمجد الغائب!
قبل هذه المواجهة الحاسمة، كانت الأعين كلها تتجه نحو الدفاع الجزائري الحديدي.
“ثعالب الصحراء” سجلت إنجازاً تاريخياً ببلوغ هذه المرحلة لأول مرة على الإطلاق، والأكثر إثارة هو أنها لم تتلقَ شباكها أي هدف طوال دور المجموعات، محققة انتصاراً على بوتسوانا وتعادلين سلبيين مع تونس وحتى مع العملاق نيجيريا!
هذه الصلابة الدفاعية الاستثنائية جعلت حارستهم، كلوي نغازي، تُتوّج بلقب أفضل حارسة مرمى في دور المجموعات، وكانت مرشحة قوية لمواصلة تألقها في ركلات الترجيح.
وقد صرحت نغازي بثقة قبل المباراة: “نحاول الوصول إلى الدور نصف النهائي.

هذه مسؤولية علينا. لن ندع أي شيء يزعجنا.” أما زميلتها غوطية كرشوني، التي سجلت الهدف الوحيد للجزائر في البطولة ضد بوتسوانا، أكدت عزم الفريق على تقديم كل ما لديهم.
مدرب الجزائر، فريد بن ستيتي، أدرك قوة المنافس لكنه كان مليئاً بالثقة: “هذه أول مرة نتأهل فيها إلى ربع النهائي، ونعرف أن غانا فريق قوي، ولكن كما هو الحال في دور المجموعات، سنبذل قصارى جهدنا.
” وأضاف بن ستيتي: “كل شيء ممكن في كرة القدم، أعتقد أن غانا قريبة من نيجيريا، وأنهم رياضيون، لكننا نريد أن نثبت جدارتنا بالتأهل إلى ربع النهائي.

” واعترف بتحدي ضعف القوة الهجومية لفريقه، الذي لم يسدد سوى هدف واحد من 13 تسديدة في دور المجموعات، ولم يسدد أي تسديدة على المرمى ضد نيجيريا، لكنه أكد: “صحيح أننا سنسجل هدفاً واحداً فقط، لكن لدينا نفس الهدف (التأهل إلى الدور التالي)… في ربع النهائي، وفي مباراة متكافئة، علينا أن نكون أكثر فعالية من غانا، وسنواصل الهجوم.”
على الجانب الآخر، غانا، “الملكات السوداء”، وصلت إلى ربع النهائي لأول مرة منذ عام 2016 بعد سحقها لتنزانيا 4-1 في آخر مباريات المجموعة. تاريخياً، بلغت غانا النهائي ثلاث مرات (1998، 2002، 2006) لكن اللقب استعصى عليها.
بعد سنوات من الأداء المتذبذب، جاء هذا الجيل مصمماً على كسر الحاجز والوصول إلى النهائي مجدداً.
مدرب غانا، كيم لارس بيوركغرين، كان على دراية تامة بقوة الجزائر الدفاعية: “الجزائر فريق جيد دفاعياً، ولديهم حارس مرمى قوي.

سنجعل الأمور صعبة عليهم.” وشدد على أهمية الفعالية الهجومية: “لا يمكننا التسديد من مسافة 45 ياردة ونتوقع التسجيل، بل علينا خلق فرص حقيقية واستغلالها… المباراة صعبة، لكنني متأكد من أننا سنقدم أداءً جيداً ضدهم.”
جماهير غانا كانت تنتظر مباراة قوية، خاصة مع عودة المهاجمة دوريس بوادوا من الإيقاف بعد أن غابت عن المباراة السابقة أمام تنزانيا (التي حلت فيها برينسيلا أدوبييا بدلاً منها وسجلت هدفاً).
كما عولت غانا على تألق لاعبات رئيسيات مثل صانعة الألعاب شانتيل بوي-هلوركا، ولاعبة الوسط جينيفر كودجو، والقائدة بورتيا بواكي.
120 دقيقة من الشطرنج الكروي: حرب أعصاب تكتيكية!
انطلقت المباراة بآمال عريضة من الجانبين، وبدت الرغبة في التقدم واضحة، لكن الحذر التكتيكي خيّم على الأجواء.
كلا الفريقين بدأ بقوة، مختبراً دفاعات الخصم، لكن حارسات المرمى صمدن بثبات. شهدت أول ربع ساعة فرصاً قليلة، حيث عانت غانا في بناء الهجمات، بينما وجدت الجزائر صعوبة في اختراق دفاع “الملكات السوداء” رغم سيطرتها النسبية على الكرة (استحواذ الجزائر 55.9% مقابل 44.1% لغانا).

عند الدقيقة 27، اهتزت الشباك أخيراً! توغل متقن لغانا من الجهة اليمنى، وتمريرة قطرية ذكية من شانتيل هلوركا وجدت ستيلا نياميكي في منطقة الجزاء، التي شقت طريقها ببراعة وسددت بقوة في الشباك.
انفجرت المدرجات فرحًا، لكن تقنية الفيديو المساعد (VAR) تدخلت لتُلغي الهدف بداعي التسلل، ليتحول الاحتفال إلى إحباط ويستمر التعادل السلبي 0-0 حتى نهاية الشوط الأول، وحتى بعد إضافة 4 دقائق وقت بدل ضائع.
الشوط الثاني لم يختلف كثيراً، استمرت المباراة متكافئة مع تفوق طفيف للجزائر في الاستحواذ. الدقائق الأخيرة كانت الأكثر إثارة، فعند الدقيقة 87، كادت غانا أن تسجل هدف الافتتاح القاتل حين أضاعت البديلة إيفلين بادو فرصة ذهبية داخل منطقة الجزاء. استمرت الأنفاس محبوسة حتى أطلق الحكم صافرة النهاية بعد 5 دقائق من الوقت بدل الضائع (90+5)، لتتجه المباراة إلى الوقت الإضافي.
وقت الإضافة: معركة اللحظات الأخيرة وحرب الاستنزاف!
تراجع مستوى الطاقة مع بداية الوقت الإضافي، حيث بدا التعب واضحاً على اللاعبات. شهدت الدقائق الأخيرة من الشوط الأول الإضافي (104″) فرصة خطيرة للجزائر، لكن الحارسة كونلان تصدت لها ببراعة.
ومع الدقيقة 100″، أضاعت هلوركا فرصة ذهبية أخرى لغانا داخل منطقة الجزاء بعد خطأ في السيطرة على كرة خطيرة.

في الدقيقة 110″، انفردت دوريس بوادوا بحارسة المرمى لكنها لم تتمكن من التسجيل، تبعتها محاولات من إيفلين بادو في الدقيقة 119″ التي سددت كرة قوية ذهبت بعيداً.
الجزائر بدورها لم تستغل فرصها المتفرقة، بما في ذلك تسديدة بعيدة تصدت لها كونلان (107″)، وفرصة أخرى عبر نهاد نايلي لم تُستغل (92″).
57 خطأ و5 بطاقات صفراء خلال المباراة عكست التوتر والإحباط بين الفريقين.
في قلب هذه المعركة، كانت غريس أسانتيوا هي المحرك الأساسي لغانا.
وكأنها “ساحرة الأوركسترا”، كانت تملي وتيرة اللعب وتمرر الكرات بدقة متناهية، وتنسق ببراعة بين الدفاع والهجوم، محافظة على توازن الفريق واستقراره التكتيكي، مؤكدة كلمات مدربها: “كلما كانت المباراة أكثر أهمية، ستقدم أداءً أفضل”.

لم يُسفر الوقت الإضافي عن أي أهداف. كان من الواضح أن المصير سيُحسم عبر ركلات الترجيح، حيث لم يتمكن أي فريق من كسر الجمود.
الترجيح ركلات: "كونلان" البطلة تنهي الحلم الجزائري!
كانت الأجواء مشحونة قبل ركلات الترجيح. الجزائر، بفعل تألق نغازي الدفاعي طوال البطولة، كانت تُعتبر قادرة على الفوز. لم يجهز أي من المدربين منفذي ركلات الترجيح مسبقاً، مما أضاف عنصر المفاجأة.

ألقى القائدتان جيلاتي (الجزائر) وبواكي (غانا) القرعة، وبدأت الجزائر بتسديد الركلة الأولى.
1 . الجزائر (الركلة الأولى): مارين دافور تتقدم للتسديد، لكن سينثيا كونلان تتألق بتصدٍّ رائع! النتيجة: 0-0.
2 . غانا (الركلة الأولى): جوزفين بونسو تسدد بثقة وتُسجل! النتيجة: 0-1 لغانا.
3. الجزائر (الركلة الثانية): القائدة صوفيا جيلاتي تتقدم وتُسجل بنجاح. النتيجة: 1-1.
4 . غانا (الركلة الثانية): دوريس بوادوا تسدد بقوة وتُسجل، لتُعيد غانا للتقدم. النتيجة: 1-2 لغانا.
5 . الجزائر (الركلة الثالثة): إيناس بيلومو تتقدم، لكن كونلان تتصدى مجدداً ببراعة، لتُطفئ شعلة الأمل الجزائري! النتيجة: 1-2، وغانا متقدمة بثبات.
6 . غانا (الركلة الثالثة): شانتيل بوي-هلوركا تُسجل بثقة. النتيجة: 1-3 لغانا.
7 . الجزائر (الركلة الرابعة): نورا طالب مولر تُسجل. النتيجة: 2-3.
8 . غانا (الركلة الرابعة): برينسيلا أدوبييا تتقدم لتُسدد ركلة الفوز الحاسمة، وتُسجل بنجاح! النتيجة النهائية: 2-4 لصالح غانا!
انفجر لاعبو غانا احتفالاً بالتأهل التاريخي.

بفضل تصديات كونلان الحاسمة ودقة لاعبات غانا، حجزت “الملكات السوداء” مكاناً مستحقاً في المربع الذهبي.
ما بعد المعركة: نهاية مشرفة وبداية فصل جديد!
هذه هي نهاية الطريق للجزائر في هذه البطولة. في إنجاز تاريخي، وصلوا إلى هذه المرحلة لأول مرة وحافظوا على نظافة شباكهم من الأهداف في اللعب المفتوح طوال البطولة، مؤكدين أنهم فريق قوي وقادر على التأهل والمنافسة بقوة. يجب أن يفخر “ثعالب الصحراء” بما حققوه.

أما غانا، فقد أكدت مكانتها كقوة لا يستهان بها في البطولة. إنها الآن تتطلع لمواجهة المغرب، الدولة المضيفة، في نصف النهائي يوم الثلاثاء 22 يوليو، في تمام الساعة 19:00 بتوقيت غرينتش (20:00 بتوقيت غرب أفريقيا) في الرباط، في مواجهة مرتقبة ستحدد من سيتأهل للنهائي الكبير!
هل سيستمر حلم غانا باللقب أم ستتوقف رحلتهم أمام زئير “لبؤات الأطلس”؟