بوركينا فاسو: “الزعيم الشاب” وقصة العرش الملغوم.. آخر المستجدات: إلغاء لجنة الانتخابات وقبضٌ على المستقبل!

بوركينا فاسو: "الزعيم الشاب" وقصة العرش الملغوم.. آخر المستجدات: إلغاء لجنة الانتخابات وقبضٌ على المستقبل!

واغادوغو، بوركينا فاسو - الأثنين، 21 يوليو 2025

في خطوة مدوية هزت الأوساط السياسية والإقليمية، ألغى الحكام العسكريون في بوركينا فاسو “لجنة الانتخابات” في البلاد، واصفين إياها بـ”إهدار للمال”، ومُعلنين أن وزارة الداخلية ستتولى إدارة الانتخابات المُقبلة.

هذا القرار، الذي جاء بعد ثلاث سنوات من استيلاء الكابتن إبراهيم تراوري على السلطة، يُعيد تسليط الضوء على مستقبل غامض لدولة الساحل التي تُعاني من صراعات داخلية وتوترات جيوسياسية.

تراوري على العرش: وعود الثورة وصدمة الواقع!

عندما استولى الكابتن إبراهيم تراوري على السلطة في سبتمبر 2022، كان المشهد السياسي في بوركينا فاسو مضطرباً، ووعوده بإنهاء العنف الجهادي وبسط الأمن لاقت ترحيباً واسعاً، خاصة بين الشباب.

تصريحاته النارية المناهضة للإمبريالية، وتوجهه نحو شركاء جدد مثل روسيا وإيران، وانسحابه من بعض الأطر الإقليمية، كلها رسمت له صورة “الزعيم السيادي” الذي يُعيد الفخر لأفريقيا.

لكن بعد ثلاث سنوات في السلطة، تبدو الصورة أكثر تعقيداً وقسوة.

كان من المُقرر إجراء انتخابات عامة العام الماضي، لكن المجلس العسكري مدّد “الفترة الانتقالية إلى الديمقراطية” حتى يوليو 2029، مما يسمح لتراوري بالبقاء في السلطة وحرية الترشح في الانتخابات الرئاسية المُقبلة.

وهو القرار الذي يُشير إليه مراقبون كـ”تمكين ذاتي” أكثر منه “تمكيناً شعبياً”.

وزير الإدارة الإقليمية، إميل زيربو، برر إلغاء اللجنة الانتخابية بأنها تتلقى دعماً مالياً سنوياً يبلغ حوالي 870 ألف دولار أمريكي، وأن الإلغاء سيعني “تعزيز سيطرتنا السيادية على العملية الانتخابية، وفي الوقت نفسه الحد من النفوذ الأجنبي”.

لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون: هل هذا الإجراء يخدم “السيادة” أم “السلطة”؟

"سانكارا الجديد" أم حاكم يجمع السلطات؟

لقد أصبح الكابتن إبراهيم تراوري رمزًا لمقاومة النفوذ الغربي، وخاصة الفرنسي، ويحظى بشعبية واسعة بين السكان الشباب.

موقفه الثوري والتزامه بالوحدة الأفريقية يذكّر الكثيرين بـ”أبو الثورة البوركينابية” توماس سانكارا.

كلاهما وصل إلى السلطة في سن الـ 34، وكلاهما تبنى خطابًا قوميًا مناهضًا للإمبريالية.

يقول الصحفي والكاتب سيدك أبا: “أنا أؤيد موقفه المناهض للإمبريالية… نحن نسير بشكل جيد مع الشباب الأفارقة، ولا نتعب من النظام القديم الذي بموجبه يتلقى الأفارقة الأوامر أو يطلبونها من القوى الاستعمارية السابقة.

” ويضيف الكاتب النيجيري نظرة دي ماتا: “هذه أيضًا الطريقة التي نتبعها… والرئيس إبراهيم تراوري يتجول في الخارج، وكيف نتحول من بعض الاحتياطات الدبلوماسية، ونريد تفجير فرنسا ووسائل الإعلام التي نتهمها بأننا قريبون من الغرب.”

لكن هل تتوقف المقارنات عند الرتبة والعمر؟ يجيب الباحث دانييل إيزينجا من مركز الدراسات الاستراتيجية لأفريقيا: “صحيح أن كلا القائدين وصلا إلى السلطة في سن الرابعة والثلاثين.

لكن المقارنات تتوقف عند الرتبة والعمر.

” فسانكارا حكم في سياق الحرب الباردة، وسعى لإصلاحات سياسية واجتماعية جذرية.

أما تراوري، فيحكم في وضع أكثر خطورة وتدهوراً، حيث يرى البعض أن شعبيته بين “البيبوا العاديين” لا تُذكر في سياق تراجع الديمقراطية وقمع حرية التعبير.

وهم الأمن: واقع مؤلم وتكاليف باهظة!

تراوري وعد بجعل مكافحة الإرهاب أولوية قصوى، وأطلق حملات تجنيد واسعة لمتطوعي الدفاع عن الوطن. لكن الأرقام ترسم صورة قاتمة:

. في النصف الأول من عام 2025، نفذت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الجهادية أكثر من 280 هجوماً في بوركينا فاسو، وهو ضعف العدد المسجل في الفترة نفسها من عام 2024.

. تدهور الوضع الأمني بشكل كبير منذ توليه السلطة، وتضاعفت أعداد القتلى جراء عنف المتشددين الإسلاميين.

. قُتل مئات الجنود في هجمات عام 2024، وارتفع عدد النازحين قسراً إلى أكثر من 10% من السكان.

. أُجبرت آلاف المدارس على الإغلاق، مما ترك جيلًا من الأطفال بلا تعليم.

والمثير للقلق هو أن هذا التدهور يحدث في وقت ارتفع فيه الإنفاق العسكري بنسبة تقارب 70% في العامين الماضيين، ليصل إلى ما يقرب من مليار دولار، أي حوالي 18% من الإنفاق العام.

يتساءل إيزينجا: “من الصعب فهم كيف يمكن أن ترتفع ميزانية الدفاع دون تحقيق مكاسب تُضاهي مكاسب ساحة المعركة أو تحسينات الوضع الإنساني.

أبسط تفسير هو أن تراوري استخدم هذه الأموال في المقام الأول لحماية نظامه.”

قبضة على الثروات وقمع على الأصوات!

تراوري لم يُظهر تردداً في تعزيز سيطرة الدولة على موارد التعدين، وخاصة الذهب.

في أكتوبر 2024، أعلن سحب تراخيص تعدين من شركات أجنبية، قائلاً: “نحن نعرف كيف نستخرج ذهبنا، ولا أفهم لماذا نسمح للشركات متعددة الجنسيات بالقيام بذلك نيابةً عنا.

” كما استحوذت الحكومة على إدارة منجمي ذهب بقيمة 90 مليون دولار.

هذا التوجه نحو “استعادة السيادة الاقتصادية” لاقى استحسانًا شعبيًا، لكنه يتزامن مع اتهامات حقوقية خطيرة.

جماعات حقوق الإنسان تتهم الجيش باستهداف المدنيين في محاولته قمع المسلحين، بالإضافة إلى قمع النشاط السياسي وحرية التعبير.

يشدد دانييل إيزينجا على أن “المواطنين يطالبون بالتغيير، لكنهم يُختطفون ويُحتجزون ويُخفون ويُرسلون إلى خطوط المواجهة لإجبارهم على الانضمام إلى ميليشيات المعارضة.

” ويضيف أن المجلس العسكري لا يستهدف الصحفيين، قادة المجتمع المدني، قادة الأحزاب السياسية، وحتى القضاة فحسب، بل يستخدم “التعبئة القسرية والقمع العنيف”.

حرب الدعاية والتزييف العميق: وجه آخر للصراع

في سياق هذا المشهد المعقد، تلعب الدعاية دوراً محورياً. فمنذ أواخر أبريل، غمرت مئات الفيديوهات المُولّدة بالذكاء الاصطناعي منصات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء، مصورة تراوري كبطل أفريقي.

هذه الفيديوهات، التي تُصوّر شخصيات مثل بيونسيه وهي تقاتل إلى جانبه، أو تُظهر تراوري نفسه يطلق النار في فيديوهات موسيقية مع كلمات مثل: “الله يحمي إبراهيم تراوري في معركة سبيله، ويكسر قيود الإمبراطورية”، تنتشر على نطاق واسع في نيجيريا وغانا وكينيا، مستغلة خيبة أمل “الأفارقة العموميين” من الوضع الراهن.

هذه الموجة من “التزييف العميق” تُثير علامات استفهام خطيرة حول تلاعب الأنظمة بالرأي العام واستغلال التكنولوجيا لنشر معلومات مضللة وتمجيد القادة، في ظل تراجع الديمقراطية.

الخاتمة: بوركينا فاسو.. على مفترق طرق خطير!

تُشير التطورات الأخيرة في بوركينا فاسو إلى دولة على مفترق طرق خطير. بين خطاب السيادة المناهض للإمبريالية، والواقع الأمني والإنساني المتدهور، وقمع الأصوات المعارضة، وحرب المعلومات التي تعتمد على التزييف العميق، يبقى مصير “أرض الرجال الشرفاء” معلقاً.

هل ستُترجم وعود تراوري بـ”استعادة السيادة والفخر” إلى تحسين حقيقي في حياة المواطنين، أم أنها ستُغرق البلاد في مزيد من عدم الاستقرار؟

كمراقبين محايدين، من المهم أن نُدرك أن الصورة في بوركينا فاسو ليست بالأبيض والأسود.

هناك تطلعات مشروعة للسيادة الوطنية والكرامة الأفريقية، تتصادم مع واقع أمني وإنساني متدهور يُلقي بظلاله على كل إنجاز مزعوم.

بينما يُمكن لبعض الإجراءات أن تبدو جذابة على السطح، فإن فعاليتها على المدى الطويل ووطأتها على حقوق الإنسان تبقى محط تساؤل.

التاريخ وحده سيُظهر ما إذا كانت هذه “الثورة” ستُحقق المجد لشعب بوركينا فاسو، أم ستكون مجرد فصل آخر في مسلسل البحث عن الاستقرار والتنمية في القارة.

المزيد من الكاتب

فوز سيدات المغرب على مالي: تأهل مستحق للمربع الذهبي بكأس الأمم الأفريقية 2025

لغز البيت الأبيض: هل أخفى ترامب مرضه.. ولماذا كشفت وسائل الإعلام السر؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *