أبوجا، نيجيريا - الأحد، 20 يوليو 2025
في دوامة من التكهنات والجدل، انفجرت قنبلة “الأخبار الكاذبة” في المشهد السياسي النيجيري، مُلقيةً بظلالها على قضية حساسة لطالما أثارت الشغف والنزاعات: إنشاء ولايات جديدة.
بينما تداولت رسائل الواتساب بسرعة البرق “موافقة” مجلس الشيوخ على إنشاء 31 ولاية جديدة، خرجت أصوات رسمية لتدحض هذه المزاعم بقوة، واصفةً إياها بـ”الأخبار الكاذبة”.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: من يقف وراء هذه المعلومات المضللة، وما هي الأجندة الخفية وراء إثارة هذا الجدل في نيجيريا؟
وهم الـ 67 ولاية: كشف زيف "الخبر العاجل" المدبر!
كانت الرسائل المنتشرة عبر تطبيق واتساب تُشير بوضوح إلى أن مجلس الشيوخ النيجيري قد منح “الضوء الأخضر” لإنشاء 31 ولاية جديدة، وهو ما كان سيجعل نيجيريا تتفوق على الولايات المتحدة بعدد ولاياتها، لتصل إلى 67 ولاية بدلاً من 36 حالياً.
لكن هذه الأخبار، التي سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم، هي محض تضليل مُتعمد.
عضو مجلس الشيوخ البارز ييمي أدارامودو، وفي تصريح قاطع لبي بي سي نيوز بيدجين، فند هذه الادعاءات بحزم: “الجمعية الوطنية وحدها غير كافية لإنشاء ولايات في نيجيريا، بالإضافة إلى أن المقترح سيخضع لمراحل مختلفة من التعديلات الدستورية، وسيتضمن المزيد من جلسات الاستماع العامة.
” وأكد السيناتور أدارامودو أن العملية “شاملة” وتتطلب موافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، ناهيك عن مراحل أخرى معقدة. هذا التصريح، الذي جاء بعد ملاحظة انتشار مكثف للشائعات على واتساب، يُشير إلى محاولة منظمة لنشر معلومات مُضللة.
من مقترح الـ 31 ولاية إلى فخ الدستور: رحلة طويلة وشاقة!
فلنتتبع خيوط القصة الحقيقية. في فبراير 2025، أعلنت لجنة مراجعة الدستور في مجلس النواب أنها ستتلقى مقترحات (وليس موافقات) لإنشاء 31 ولاية جديدة للاتحاد.
رئيس اللجنة، بنيامين كالو، كان قد اقترح توزيعًا جغرافيًا لهذه الولايات في مختلف أنحاء البلاد:
. ست ولايات في الشمال الأوسط.
. أربع في الشمال الشرقي.
. خمس في الشمال الغربي.
. خمس في الجنوب الشرقي.
. أربع في الجنوب الجنوبي.
. سبع في الجنوب الغربي.
لكن ما يغفله مروجو “الأخبار الكاذبة” هو أن الدستور النيجيري، في بنده الثامن، يُحدد بدقة كيفية إنشاء ولاية جديدة.
إنها عملية طويلة الأمد تُشبه ماراثوناً دستورياً لا يُمكن اختصاره برسالة واتساب:
1 . دعم الأغلبية العظمى:
يجب أن يحظى طلب إنشاء ولاية جديدة بتأييد أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يمثلون المنطقة المطالبة، وذلك في الجمعية الوطنية (مجلسي الشيوخ والنواب)، ومجلس نواب المنطقة، والمجالس المحلية فيها.
2 . الاستفتاء الشعبي:
يُطرح الاقتراح للاستفتاء العام، ويُشترط الحصول على أغلبية ثلثي أصوات الناخبين المؤيدين.
3 . اعتماد النتيجة:
تُعتمد نتيجة الاستفتاء بأغلبية بسيطة من جميع ولايات الاتحاد، مدعومة بأغلبية بسيطة من أعضاء مجلسي نواب المنطقة.
4 . الموافقة النهائية: الخطوة الأخيرة هي موافقة نهائية على الاقتراح بقرار يُقره أغلبية ثلثي أعضاء كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
هذه العملية المعقدة تؤكد أن ما نُشر كان محض كذب، وأن إنشاء هذه الولايات، حتى لو تم الإجماع عليه، سيستغرق سنوات.
هل نيجيريا بحاجة للمزيد من الولايات؟ الجدل يتجدد!
ما وراء ضجيج “الأخبار الكاذبة”، يتجدد النقاش العميق حول ما إذا كانت نيجيريا، في الأساس، بحاجة إلى المزيد من الولايات.
الإجابة البسيطة والصادمة هي: “لا، لسنا بحاجة إلى المزيد من الولايات”، وفقاً للدكتور بيلو مايسودان، المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة بايرو، كانو.
يشرح الدكتور مايسودان أن إنشاء الولايات يعتمد على أربعة عوامل حاسمة: الطلب، السكان، مساحة الأرض، والاكتفاء الذاتي.
بناءً على الطلب، قد تنشأ الدعوة لولاية جديدة بسبب التهميش الملحوظ لمجموعة عرقية أو صراعات بين الأعراق، مثل نشأة ولاية نصراوة من بلاتو، وبايلسا من ريفرز.
لكن التحدي الأكبر يكمن في الاكتفاء الذاتي. يتساءل مايسودان بمرارة: “حتى مع وجود 36 ولاية لدينا الآن، كم منها يستوفي المعايير، وخاصةً القدرة على دعم التنمية دون دعم الحكومة الفيدرالية؟” ويُضيف: “في رأيي، إذا أُنشئت ولايات جديدة، فلا يُفترض أن يكون هناك أكثر من خمس ولايات أخرى، بالنظر إلى عوامل أخرى مثل عدد السكان، والشكوى من تهميش المجموعات العرقية الصغيرة.”
المخاطر الخفية: زيادة تكلفة الحكم وتأجيج الانفصال!
يشدد الدكتور مايسودان على أن عيوب إنشاء المزيد من الولايات تفوق بكثير مزاياها المزعومة. ومن أبرز هذه العيوب:
. زيادة تكلفة الحكم:
مع وجود العديد من الولايات الحالية التي تعتمد بشكل كبير على المخصصات الفيدرالية لدعم التنمية، فإن إضافة المزيد من الولايات سيزيد العبء المالي على الحكومة المركزية، ويُعيق التنمية المستدامة.
. تأجيج النزعات الانفصالية:
بدلاً من تعزيز الوحدة، يمكن أن يؤدي إنشاء ولايات جديدة بناءً على اعتبارات عرقية أو إقليمية إلى زيادة التحريض على الانفصال عن البلاد، وتفكيك النسيج الوطني الهش.
كلمة أخيرة: الحذر من زيف "الأخبار العاذبة" ومستقبل نيجيريا!
إن انتشار “الأخبار الكاذبة” حول إنشاء الولايات الجديدة ليس مجرد خطأ عابر، بل هو مؤشر خطير على كيفية التلاعب بالرأي العام في نيجيريا.
في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية الهائلة التي تواجهها البلاد، فإن نشر معلومات مُضللة يُمكن أن يُشعل الفتن ويُقوض الثقة في المؤسسات الرسمية.
على الشعب النيجيري، وعلى كل متابع للشأن الأفريقي، أن يكون يقظاً وحذراً للغاية تجاه مثل هذه الروايات، وأن يعود دائماً إلى المصادر الرسمية الموثوقة. فمستقبل نيجيريا يعتمد على الحقائق، لا على الأوهام التي تُبث عبر رسائل الواتساب.