17 يوليو 2025
كان الهواء في السويداء ثقيلًا، ليس فقط بحرارة صيف يوليو، بل بعبق الدماء والخوف. موجة جديدة من العنف الطائفي المميت كانت تمزق سوريا، كاشفةً عن هشاشة مشهدها الأمني، بينما كانت الحكومة الجديدة، التي يقودها الجهادي السابق أحمد الشرع، تسعى جاهدة لفرض سلطتها على أرضٍ مزقتها سنوات الحرب.
في يوم الأحد، الثالث عشر من يوليو، لم يكن اختطاف تاجر درزي مجرد حادثة عابرة. لقد كان الشرارة التي أشعلت أيامًا من الاشتباكات الدامية بين أبناء الطائفة الدرزية ومقاتلين بدو سنة في جنوب سوريا.كانت السويداء، معقل الدروز، تغلي.
ثم، في يوم الثلاثاء، الخامس عشر من يوليو، جاء التدخل الذي قلب الموازين. إسرائيل. تدخلت عسكريًا، ببيانٍ واضحٍ وصريح: “قواتنا ستحمي الدروز وتقضي على القوات الموالية للحكومة المتهمة بمهاجمتهم في السويداء.
” وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، كان الثمن باهظًا: ما لا يقل عن 350 قتيلًا في السويداء وحدها منذ يوم الأحد.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتأجج فيها السويداء. فقبل أشهر، في أبريل ومايو، اندلع قتال بين المقاتلين الدروز وقوات الأمن السورية الجديدة، مخلفاً عشرات القتلى. وقبل ذلك، في مارس، كانت المحافظات الساحلية السورية قد شهدت اشتباكات أدت إلى مقتل المئات من أفراد الأقلية العلوية، الطائفة التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد.
هذه الاضطرابات العنيفة، بالإضافة إلى الضربات الإسرائيلية الموجعة، أعادت مخاوف الانهيار الأمني إلى الواجهة في سوريا. فالبلاد كانت لا تزال تعاني من تداعيات عقد من الحرب الأهلية، ومن صدمة سيطرة المتمردين الإسلاميين على دمشق في ديسمبر 2024.
ورغم تعهد الزعيم السوري الحالي، أحمد الشرع، بحماية الأقليات، إلا أن الواقع كان أكثر تعقيدًا.
من هم الدروز؟
الدروز، تلك الأقلية العرقية الدينية الناطقة بالعربية، المنتشرة في سوريا ولبنان وإسرائيل ومرتفعات الجولان المحتلة، هم نتاجٌ فريدٌ للإسلام الشيعي، يتميزون بهوية ومعتقدات خاصة بهم.
يحيط معظم ممارساتهم الدينية بالسرية، ويُمنع الغرباء من اعتناق دينهم، ويُمنع الزواج المختلط بشدة.
أكثر من نصف أتباعهم، أي ما يقارب مليون نسمة، يعيشون في سوريا، ويشكلون حوالي 3% من سكانها. أما في إسرائيل، فيُعتبر الدروز موالين بشكل كبير للدولة، ويشاركون في الخدمة العسكرية، ويبلغ عددهم حوالي 152,000 نسمة في إسرائيل ومرتفعات الجولان المحتلة.
لطالما شغل الدروز موقعاً غير مستقر في النظام السياسي السوري. خلال الحرب الأهلية السورية التي استمرت قرابة 14 عامًا، أدار الدروز ميليشياتهم الخاصة في جنوب سوريا، مستفيدين من استقلالية نسبية منحها لهم الأسد، الذي كان حريصًا على إبعادهم عن جبهات القتال.
منذ سقوط الأسد في ديسمبر 2024، لم يقاوم الدروز محاولات الدولة الجديدة لفرض سلطتها على جنوب سوريا بشكل موحد. فالفصائل الدرزية في سوريا منقسمة بشأن موقفها من السلطات الجديدة، وتتراوح مواقفها بين الحذر والرفض القاطع. يعترض الكثيرون على الوجود الأمني السوري الرسمي في السويداء، ويرفضون الاندماج في الجيش السوري، معتمدين بدلاً من ذلك على ميليشياتهم المحلية.
ورغم إدانة الحكومة السورية للهجمات الأخيرة على الطائفة الدرزية وتعهدها باستعادة النظام، إلا أن تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، التي وثّقت “إعدامات ميدانية” للدروز على يد القوات الحكومية، قد أججت انعدام الثقة بين بعض أفراد الطائفة الدرزية تجاه سلطات دمشق.
لماذا تهاجم إسرائيل سوريا الآن؟
بعد سقوط الأسد المفاجئ، لم تتواصل إسرائيل مع الطائفة الدرزية قرب حدودها الشمالية في محاولة لعقد تحالفات مع الأقليات السورية.
بل سعت بشكل متزايد إلى ترسيخ مكانة الدروز كحامية إقليمية للأقليات، بما في ذلك الأكراد والدروز والعلويين في سوريا، بينما تهاجم مواقع عسكرية تابعة لسوريا والقوات الحكومية.
الضربات الأخيرة لم تكن مجرد تحذير للجيش السوري للانتشار في جنوب سوريا، بل كانت جزءاً من محاولة إسرائيل لإنشاء منطقة منزوعة السلاح في المنطقة. فإسرائيل تخشى، على وجه الخصوص، من وجود مقاتلين إسلاميين قرب حدودها الشمالية، على طول مرتفعات الجولان التي تحتلها.
في حين أن الضربات الجوية الإسرائيلية في 15 يوليو استهدفت فقط قوات الأمن والمركبات في السويداء، وسع الجيش الإسرائيلي نطاق هجماته في 16 يوليو، حيث ضرب وزارة الدفاع ومقرًا للجيش السوري في دمشق. هذه الضربات كانت أخطر تصعيد إسرائيلي في سوريا منذ ديسمبر 2024، حيث دمرت مئات المواقع العسكرية في جميع أنحاء البلاد، واستولت على منطقة عازلة تسيطر عليها الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان السورية.
لم تشن إسرائيل غارات جوية على سوريا عدة مرات، بهدف منع السلطات الجديدة من بناء قدراتها العسكرية – التي اعتبرتها تهديداً محتملاً لأمن إسرائيل. وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، على مواقع التواصل الاجتماعي في 16 يوليو: “التحذيرات الموجهة لدمشق لم تنتهِ – الآن ستأتي الضربات الموجعة.”
أما في إسرائيل، فقد دعا أبناء الطائفة الدرزية إلى التدخل لحماية الدروز في سوريا.
لكن في أماكن أخرى من المنطقة، رفض زعماء الدروز التدخل الإسرائيلي، متهمين إسرائيل بتأجيج الانقسامات الطائفية لتعزيز طموحاتها التوسعية.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
يكشف العنف المستمر عن هشاشة المشهد الأمني والسياسي في سوريا بعد الحرب. فموجة العنف الأخيرة تغذي مخاوف من تجدد الهجمات الطائفية في جميع أنحاء البلاد.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الشرع إلى بسط سيطرته على سوريا وتوحيد مختلف الجماعات، لا تزال الحكومة التي يهيمن عليها الإسلاميون عاجزة عن حل الانقسامات الطائفية المتجذرة في سوريا، والتي أججتها سنوات من الحرب الأهلية.
الاشتباكات الطائفية، إلى جانب الضربات الإسرائيلية، تهدد بعرقلة محاولات بناء الدولة والتعافي بعد الحرب. ومن جانبها، من المرجح أن تواصل إسرائيل النظر إلى السلطات الجديدة، والمقاتلين الإسلاميين التابعين لها في الجنوب، كتهديد أمني كبير، مما يدفعها إلى السعي إلى تحالفات مع الجماعات التي قد تشعر بالعزلة تجاهها.
بين مطرقة الحكومة الجديدة وسندان التدخل الإسرائيلي، يظل الدروز في سوريا يعيشون على حافة الهاوية، متمسكين بهويتهم الفريدة، ومحاولين شق طريقهم الخاص للبقاء في هذا المشهد المتغير باستمرار.