

في يومٍ تاريخي من أيام ويمبلدون 2025، كتب الملعب المركزي فصلًا جديداً في سجلات الدراما الرياضية، حيث شهد العالم سقوط العملاق وعودة الأمل في معركة تنس تُحبس فيها الأنفاس.
لم تكن مجرد مباراة نصف نهائي، بل كانت ملحمة من ثلاثة فصول، صراعاً للإرادات، قصة عن الصمود والعودة، وعن لحظات الحظ التي قلبت الموازين.
البطلة؟ الأمريكية أماندا أنيسيموفا التي صدمت المصنفة الأولى عالمياً، أرينا سابالينكا، في مواجهة ثلاثية المجموعات انتهت بنتيجة 6-4، 4-6، 6-4 لصالح أنيسيموفا.
مع تصفيق حار من الجمهور الذي بدأ يتوافد إلى الملعب الرئيسي، دخلت أرينا سابالينكا بحماس تلتها أماندا أنيسيموفا التي لوحت للجمهور، بينما كانت الشمس تُشرق على الملعب الأخضر المميز مع توقعات بطقس حار جداً خلال نصف النهائي والنهائي.
حتى المقصورة الملكية امتلأت بكبار الشخصيات، منهم أسطورة التنس بيورن بورغ، و”الرجل الأكثر صلابة” روس كوك.
انطلقت شرارة المباراة بـ أماندا أنيسيموفا التي فازت بالقرعة واختارت الإرسال أولاً.
ساد صمت مترقب الملعب الرئيسي وانطلقت المباراة! حافظت أنيسيموفا على إرسالها بسهولة لتبدأ المجموعة الثانية، لتُعوض كسر إرسالها في نهاية المجموعة الأولى وتُقدم أداءً مريحاً.
في الأجواء الحارة التي دفعت المشجعين للاحتماء من الشمس والتنصت على شاشة كبيرة تنصحهم بوضع واقي الشمس، كانت كلتا اللاعبتين تُقدمان أداءً مذهلاً.
صوت الكرة، وهي تصطدم بالمضرب وكأنها تنفجر، كان يتردد في أرجاء الملعب المركزي، مُبرزاً قوة الضربات من كلتا اللاعبتين.
حافظت أنيسيموفا على إرسالها حتى النهاية لتتقدم 2-1 في المجموعة الأولى، بضربة هجومية قوية وضربة خلفية طائرة.
المباراة كانت متكافئة للغاية في المراحل الأولى، حيث تمكنت سابالينكا من معادلة النتيجة 2-2 بضربة إرسال افتتاحية قوية.
لكن الدراما لم تتأخر؛ اضطرت سابالينكا لإنقاذ نقطتين لكسر إرسالها وهي متأخرة 15-40 لتُعادل المجموعة الأولى 3-3.
ثم توقفت المباراة لأكثر من خمس دقائق – عندما كانت في وضعية التعادل – حيث تلقى أحد المشجعين العلاج في المدرجات بسبب الحرارة.
سارعت سابالينكا لإحضار زجاجة ماء، في لفتة إنسانية رائعة أشاد بها الجميع.
سارعت سابالينكا لإحضار زجاجة ماء، في لفتة إنسانية رائعة أشاد بها الجميع.
هذا التوقف، والعودة بعده بضربات إرسال قوية، ساعد سابالينكا في الفوز بالشوط.
كان الجمهور يدعم اللاعبتين بكل قوة، حيث تعالت صيحات “هيا يا أماندا!” من المدرجات.
أنيسيموفا، التي وصفها محللوا شبكتنا بأنها “استقرت بوضوح على إيقاع جيد في بداية المباراة”، واجهت أربع نقاط لكسر إرسالها في شوطها التالي، لكنها حافظت على شجاعة ضرباتها، وتفوقت على سابالينكا لتتقدم 4-3.
نتيجة للخطأ المزدوج من أرينا سابالينكا، حصلت أنيسيموفا على أول كسر للإرسال، ومعه المجموعة الأولى بنتيجة 6-4.
كانت تلك أطول مباراة في المجموعة حتى تلك اللحظة، بست نقاط تعادل ونقطتين لحسم المجموعة، ونعتقد أن سابالينكا قد ندمت بشدة على إهدارها بعد أن كافحت بقوة للبقاء فيها.
بعد أن أظهرت أنيسيموفا رد فعل بسيط بعد فوزها بالمجموعة الأولى، عادت إلى مقعدها دون احتفال واضح لتُجلس في الظل بمنشفة ثلجية حول رقبتها، بينما غادرت سابالينكا الملعب للحظات قصيرة قبل بداية المجموعة الثانية، ربما لقضاء حاجة شخصية.
مع بدء المجموعة الثانية، كان الملعب الرئيسي يشهد أجواءً رائعة، حيث بدأ الجمهور، الذي عانى البعض منه من الحرارة الشديدة (خاصة الجالسين في المقاعد التي لا توفر أي ظل)، يدعم كلتا اللاعبتين بقوة.
في المجموعة الثانية، شهدنا مباراة إرسال صعبة لأرينا سابالينكا، لكنها حافظت على إرسالها بضربة إرسال ساحقة قوية، وأطلقت صرخة احتفالية وهي تُعادل النتيجة 3-3.
كانت هذه المباراة تُقدم لحظات من السحر الخالص من كلتيهما.
ورغم أن أنيسيموفا حافظت على إرسالها بسهولة لتبدأ المجموعة الثانية، إلا أن سابالينكا بدأت تتقن ضرباتها، مما دفع أنيسيموفا لبعض الإحباط.
في لحظة حاسمة، كسرت سابالينكا إرسال أنيسيموفا أخيراً، بعد أن أنقذت الأخيرة أربع نقاط كسر إرسال في المباراة.
جاء الكسر بعد خطأين كبيرين وخطأ مزدوج من أنيسيموفا، لتتقدم سابالينكا 4-3 في المجموعة الثانية، وتُعادل النتيجة 6-4 و6-4 بعد أن حسمت المجموعة بإرسال قوي لا يُرد.
هذا التحول في الزخم دفع سابالينكا للجلوس فوراً بين نهايتي اللعب، وهي حريصة على مواصلة هذا الإيقاع.
مع دخول اللاعبتين إلى المجموعة الحاسمة، كان التوتر يسيطر على الأجواء.
في لمح البصر، فرضت أرينا سابالينكا سيطرتها مبكراً، حيث تقدمت 0-40 على إرسال أنيسيموفا، وحصلت على كسر إرسال مبكر بضربة خلفية من اللاعبة الأمريكية في الشبكة. بدا الطريق ممهداً أمام المصنفة الأولى.
لكن الدراما الحقيقية لم تتأخر! في اللحظة التي بدت فيها سابالينكا متقدمة في هذه المباراة، ردت أنيسيموفا بقوة مذهلة.
استغلت اللاعبة الأمريكية ثاني فرصتين لكسر إرسالها، حيث سددت سابالينكا كرةً خارج الملعب.
كان هذا أول كسر إرسال لأنيسيموفا منذ حسم المجموعة الافتتاحية، ليتعادل الشوط 1-1 في المجموعة الحاسمة ويُشعل التنبؤات.
المباراة تحولت إلى قصة عن الشد والجذب، حيث كانت كل نقطة بمثابة معركة حياة أو موت.
أنيسيموفا أظهرت صلابة ذهنية خارقة، أنقذت 11 من أصل 14 نقطة كسر واجهتها، مما يعكس ذكاءها التكتيكي ورباطة جأشها.
كانت اللقطات “المحظوظة” للشبكة تميل لصالحها في بعض اللحظات الحاسمة، ففي إحدى النقاط المرهقة التي منحتها التقدم 5-2 في المجموعة الأخيرة، ارتطمت كرتها بالشبكة بشكل موفق، مما دفعها لرفع قبضتها احتفالاً.
هنا، أظهرت سابالينكا استياءها بشكل واضح، حيث كانت تنتظر اعتذاراً من أنيسيموفا بعد ارتطام الكرة بالكرة بالشبكة وسقوطها بشكل محظوظ، لكن اللاعبة الأمريكية كانت مشغولة بالاحتفال، مما دفع سابالينكا للحديق بها وهي تغادر الملعب.
هذه اللحظات أضافت توتراً نفسياً كبيراً للمباراة.في المقابل، عانت سابالينكا من إرسالها تحت الضغط. أخطاؤها المتكررة كلفتها غالياً، ففي إحدى اللحظات الحماسية، أطلقت أنيسيموفا صرخة مدوية عندما سجلت التعادل، ثم حصلت على نقطة كسر إرسال عندما سددت سابالينكا ضربة أمامية في الشبكة.
ورغم محاولاتها لإنقاذ الموقف، كانت ضرباتها أحياناً تخرج عن الخطوط، مما منح أنيسيموفا التقدم 3-1.
الجهد البدني كان واضحاً أيضاً، حيث ركضت سابالينكا أكثر قليلاً من أنيسيموفا في هذه المباراة (1516.6 متراً مقارنةً بـ 1483.5 متراً).
ورغم عدم وجود علامات إرهاق واضحة على أي من اللاعبتين، كان التوتر يؤثر على الأداء.
“فجوة كبيرة جداً” كانت واضحة في الإحصائيات، كما ذكرت مارتينا نافراتيلوفا، بين اللاعبتين في الأداء العام.
مع تقدم أنيسيموفا 5-2 في المجموعة الحاسمة، بدا الأمر محسوماً.لكن سابالينكا، المعروفة بروحها القتالية، رفضت الاستسلام.
قلصت الفارق لتصل النتيجة إلى 5-3، ثم حافظت على إرسالها بشكل طبيعي لتصبح النتيجة 5-4، ووضعت الكرة في ملعب أنيسيموفا لترسل للفوز بالمباراة.
الجمهور كان يدرك أن لحظة تاريخية تقترب، وتعلت صيحات “هيا يا أماندا!” من المدرجات.
أنيسيموفا، التي وصفت شعورها قائلة: “كانت مباراة مثيرة للغاية. كان عليّ حقاً أن أبذل قصارى جهدي للقتال هناك لتحقيق الفوز”، [شبكة ESPN] أظهرت رباطة جأش مذهلة.
وقد كشفت عن استخدامها لـ “العلاج النفسي العكسي” على نفسها، قائلة: “كنت أقول لنفسي: ‘أنتِ تقومين بعمل رائع’.
كنت أقول لنفسي عكس ما تقولينه عادةً لنفسك كلاعبه تنس، وأن أحافظ على هدوئي بصراحة لأنني كنت أعرف أنه يجب عليّ أن أتماسك وأبذل قصارى جهدي. كان عليّ فقط أن أحافظ على هدوئي لأتمكن من مواصلة القتال.”
في الشوط الأخير المثير، احتاجت أنيسيموفا إلى ثلاث نقاط حاسمة في المباراة -والرابعة إجمالًا- لتحقيق النصر.
وعندما سددت ضربة أمامية ساحقة تغلبت بها على خصمتها، انفجر الملعب احتفالاً.
يا لها من مباراة مذهلة، مليئة بالتقلبات والمنعطفات، والتقلبات لكلتا اللاعبتين، لكن أنيسيموفا هي من حسمت المباراة، متمسكةً بأعصابها في مجموعة نهائية مثيرة.
“لا أشعر بأن هذا حقيقي الآن”، قالت أنيسيموفا في مقابلتها على أرض الملعب، وهي بالكاد تستطيع إخفاء حماسها، وتُغطي فمها بيديها، بينما غادرت سابالينكا الملعب مسرعة، مستوعبةً مرارة الهزيمة.
هذا الانتصار لم يكن مجرد فوز في مباراة تنس، بل كان تتويجاً لرحلة شخصية ملهمة لـ أماندا أنيسيموفا.
بعد وصولها إلى نصف نهائي بطولة فرنسا المفتوحة 2019 في سن السابعة عشرة، أخذت أنيسيموفا استراحة لنحو سبعة أشهر من التنس من أجل صحتها النفسية، حيث وجدت أن حضور بطولات التنس “لا يُطاق”.
لم تلمس مضرباً لشهور، وأمضت وقتاً في قضاء العطلات، ورؤية الأصدقاء والعائلة، وحضرت جامعتها شخصياً لفصل دراسي، وابتعدت عن التنس حتى عاد إليها الشغف. “تعلمت الكثير عن نفسي، وعن اهتماماتي خارج الملعب، وعن قضاء بعض الوقت في التنفس وعيش حياة طبيعية لفترة.
ما تعلمته هو الاستماع بصدق إلى نفسي، وإلى حدسي، وما يخبرني به جسدي”، صرحت اللاعبة البالغة من العمر 23 عامًا. [بي بي سي 5 لايف] هذا الفوز يُتوّج أفضل أداء لها في بطولات الجراند سلام حتى الآن.
تتجه أنيسيموفا الآن إلى أول نهائي لها في البطولات الأربع الكبرى، وقد تغلبت على خمسة منافسين في طريقها، بدءاً من الفوز الساحق على يوليا بوتينتسيفا 6-0، 6-0، مروراً بانتصاراتها على ريناتا زارازوا، ودالما غالفي، وليندا نوسكوفا، وصولاً إلى أنستازيا بافليوتشينكوفا في ربع النهائي.
على الرغم من أن مباراة نصف النهائي ضد سابالينكا كانت أصعب اختبار لها، إلا أن التاريخ كان في صفها، حيث تتقدم أنيسيموفا في المواجهات المباشرة مع سابالينكا بنتيجة 5-3
بالنسبة لـ أرينا سابالينكا، تمثل هذه الهزيمة المرة الثالثة لها في نصف نهائي ويمبلدون، وستكون مؤلمة بالتأكيد.
بعد أن أضاعت فرصة تحقيق مجد ويمبلدون، قالت: “الخسارة مُرهقة.
دائماً ما تشعر برغبة في الموت. في كل مرة تُشارك فيها في البطولة وتصل إلى هذه المراحل الأخيرة، تعتقد أنك تقترب من حلمك، فتخسر المباراة، وتشعر وكأنك تقول: حسناً، هذه هي النهاية.”
على الرغم من مرارة الخسارة، بدت سابالينكا في مزاج مرح بعض الشيء خلال مؤتمرها الصحفي بعد المباراة.
مازحت الصحفيين قائلةً إنها لن تُثير أي اهتمام هذه المرة،
وأضافت أنها استغرقت وقتًا أطول للاسترخاء، واعترفت بأن أنيسيموفا كانت “اللاعبة الأفضل” و”أكثر شجاعةً اليوم، ولعبت بشراسةٍ أكبر.”
أما عن سبب أصوات التذمر التي تُصدرها اللاعبات في المباريات، مثل سابالينكا، فهو موضوع نقاش طويل في عالم التنس.
بينما يُنظر إليه كعلامة على الجهد المبذول، اشتكى البعض من كونه يسبب ضغطاً زائداً.
وقد حاولت رابطة التنس النسائية (WTA) معالجة هذه الشكاوى عام 2012، لكنه لا يزال جزءًا من المشهد.
ستُصبح إحدى لاعبات نصف النهائي الأربع (سابالينكا، أنيسيموفا، سوياتيك، بنسيتش) بطلة ويمبلدون للمرة الأولى هذا العام، وهو توجه لافت استمر في البطولات السبع الماضية.
هذه المجموعة من المتأهلات لنصف النهائي، باستثناء المصنفة الأولى سابالينكا، تُعد غير متوقعة، فقد فتحت المفاجآت في الجولات الأولى الباب أمام لاعبات في مراتب أدنى.
ستواجه أماندا أنيسيموفا الآن الفائزة في نصف النهائي الثاني بين إيغا سوياتيك وبليندا بنسيتش في نهائي يوم السبت، في قمة تُتوقع أن تكون تاريخية.
أنيسيموفا تغادر الملعب مبتسمة، موقِّعةً توقيعها على بعض هدايا المشجعين، وتعهدت بقضاء بعض الوقت مع عائلتها قبل نهائي يوم السبت.