27يونيو 2025 – في عالم تتراقص فيه الأحداث الجيوسياسية على حافة الهاوية، وتتوالى فيه الأزمات بضراوة، يترقب العالم تصرفات القادة الكبار. ووسط هذه الضبابية، برز اسمٌ لطالما أثار الجدل: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فبعد ضربة أمريكية على مواقع إيرانية، باتت تصرفات ترامب خارج كل التوقعات.
هل نحن على أعتاب سلامٍ مفاجئ أم ضربة أخرى تُشعل المنطقة؟ لا أحد يعلم. حتى كبار الإعلاميين والمحللين، أمريكيين وإسرائيليين، يجمعون على أن ترامب “رجل المفاجآت”، عصيٌ على التنبؤ.
لكن في خضم هذه الدراما الدولية، ومع قمة النيتو التي تعقد في ظلال التوترات، حدث ما لم يتوقعه أحد.
بينما كانت الأنظار تتجه نحو الشرق الأوسط وتداعيات الضربة على إيران، انحرف مسار اهتمام الرئيس الأمريكي بشكل صادم نحو هدفٍ واحدٍ ومحدد: الصحفية ناتاشا برتراند.
عاصفة في فنجان: تغريدة تُشعل حرباً شخصية
تصوّروا المشهد: رئيس أكبر قوة في العالم، يترك خلفه ملفات الأمن القومي المعقدة، ليُركز جهده على صحفية، مُغرّداً باسمها على الملأ. لقد فعلها ترامب.

في تغريدةٍ لاذعة، كشف الرئيس الأمريكي عن مراقبته المستمرة لبرتراند، قائلاً: “أنني لي 3 أيام وأنا أراقب الصحفية ناتاشا. 3 أيام تكتب أخبار مزورة، وهذا يؤثر على أرواح وعزيمة طيارينا، فيجب أن تُطرد ويجب على شبكة سي إن إن تطردها طرد الكلاب ‘أطردوا ناتاشا’.”

يالها من كلماتٍ قاسِية! أن يصف رئيسٌ صحفيةً بهذا الشكل المهين، وأن يُطالب بطردها “ككلب”، لهو أمرٌ غير مسبوق في عالم السياسة والإعلام. لماذا ناتاشا تحديداً؟ وما هو ذنبها؟
التقرير الصحفي الذي كتبته ناتاشا لشبكة CNN حول “الضربة الأمريكية على النووي الإيراني” كان الشرارة. ترامب اتهمها بنشر “أخبار كاذبة” و”محاولة تدمير طياري الباتريوت لدينا بتشويه صورتهم، بينما في الواقع، قاموا بعمل رائع وحققوا ‘نجاحاً باهراً’ – تدمير كامل!” لم يكتفِ بذلك، بل عاد ليُذكر بقصة سابقة حول “الكمبيوتر المحمول من الجحيم” (في إشارة إلى قصة حاسوب هانتر بايدن)، زاعماً أنها “كذبت” فيها أيضاً.

واختتم بيانه غير المتوازن بعباراتٍ لاذعة تصف ناتاشا بأنها لا تمتلك المؤهلات اللازمة لتكون مراسلة وأن “أشخاصاً مثلها هم من دمروا سمعة شبكة عظيمة في يوم من الأيام”.
صدمة الهجوم: ماذا يتبقى لنفسية صحفية؟
تخيلوا وقع هذه الكلمات على نفسية صحفية شابة.أن تجد نفسها في مرمى هجوم مباشر من رئيس بلدها، يصفها بألفاظ مهينة ويدعو لطردها “مثل الكلاب”.
كيف يمكن لناتاشا برتراند أن تستوعب هذه الصدمة؟

أن يتم تشويه سمعتها ومهنيتها علناً، ليس من خصم عادي، بل من أعلى سلطة في البلاد. هذا الهجوم ليس مجرد نقدٍ أو خلافٍ صحفي، بل هو محاولة واضحة لكسر الروح المعنوية، والتشكيك في النزاهة، وربما ترهيب أي صوت قد لا يتفق مع الرواية الرسمية.

فجأة، أصبحت ناتاشا محور جدلٍ واسع، وتعرضت لهجوم شرس من بعض الإعلاميين والمسؤولين في الولايات المتحدة، والذين انضموا إلى دعوات ترامب لطردها.
كارولين ليفيت، على سبيل المثال، شنّت هجوماً تحليلياً على “تاريخ ناتاشا برتراند في نشر الأخبار الكاذبة”، مستشهدة بقصة حاسوب هانتر بايدن واتهامات بأنها روّجت لـ “خدعة الحمقى والفاشلين”.
صمود في وجه العاصفة: رد CNN والدفاع عن الحقيقة
في خضم هذه العاصفة، لم تقف شبكة CNN مكتوفة الأيدي. سرعان ما أصدرت الشبكة رداً حاسماً على تغريدة ترامب، مؤكدةً أن ما نشرته ناتاشا برتراند كان “وفقاً لتقرير رسمي صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية المركزية الأمريكية”.
وأضافت CNN بكل وضوح: “ونحن قمنا بنشر الخبر بناءً على تلك المعلومات ولم نأتِ بشيء من عندنا.”

هذا الرد يؤكد أن ناتاشا لم تكن سوى ناقلٍ لمعلوماتٍ استخباراتية رسمية. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل باتت مهمة الصحافة في أمريكا مجرد جريمة في نظر البعض؟
وهل أصبح البحث عن الحقيقة، حتى لو كانت مزعجة، سبباً للهجوم الشخصي والتهديد الوظيفي؟
إن قضية ناتاشا برتراند ليست مجرد هجوم على صحفية واحدة، بل هي درس قاسٍ عن هشاشة مهنة الصحافة في زمن تسيطر فيه الأصوات الشعبوية.
إنها تذكير بأن كلمة “حرية الصحافة” قد تكون تحت التهديد، وأن الضغوط النفسية والمعنوية التي يمكن أن يتعرض لها الصحفيون قد تكون أشد فتكاً من أي رقابة مباشرة.

فهل ستصمد ناتاشا برتراند في وجه هذا الهجوم المدوي؟ وهل ستخرج الصحافة الأمريكية أقوى من هذه التجربة، أم أنها ستُدفع نحو الانكفاء والخوف من غضب “رجل المفاجآت”؟
الأيام القادمة وحدها من ستكشف مصير هذه الصحفية، ومستقبل العلاقة الشائكة بين السلطة والإعلام في أمريكا.