يوم حول إيران: صدى “مطرقة منتصف الليل” يتردد في الدول المجاورة.. ترقب دولي وحراك دبلوماسي على وقع التصعيد

مع حلول اليوم العاشر لمعركة “مطرقة منتصف الليل” التي دكت بها الولايات المتحدة منشآت إيران النووية، باتت عواصم العالم، والمنطقة المحيطة بالجمهورية الإسلامية تحديداً، تعيش حالة من الترقب والحراك الدبلوماسي غير المسبوق.

فكل خطوة على رقعة الشطرنج الإقليمية والدولية تحمل في طياتها تداعيات قد تغير وجه الخريطة الجيوسياسية. من الشمال البارد إلى الشرق الصحراوي، مروراً بالجنوب الدافئ وصولاً إلى الغرب المتربص، تتفاعل الدول المحيطة بإيران مع صدى الضربات، محاولةً احتواء الفوضى وحماية مصالحها.

من الشمال: أذربيجان وتركمانستان في مرمى التداعيات الجيوسياسية

على الحدود الشمالية لإيران، حيث تتشارك المياه الهادئة لبحر قزوين والأراضي الوعرة لجبال القوقاز، تتجلى مواقف متباينة لدول ثلاث: تركمانستان، أذربيجان، وأرمينيا.

تُعتبر أذربيجان النقطة المحورية في هذه المنطقة. فحدودها البرية الطويلة، وروابطها التاريخية والثقافية والدينية العميقة مع إيران (حيث توجد أقلية أذربيجانية كبيرة في إيران)، تجعلها لاعباً رئيسياً.

في خضم التوترات، أكد وزير خارجية أذربيجان، جيهون بايراموف، لنظيره الإيراني أن باكو “لن تسمح تحت أي ظرف من الظروف للإسرائيليين باستخدام مجالها الجوي أو أراضيها ضد إيران”.

هذا التصريح جاء رداً على تكهنات وتقارير استخباراتية تفيد بأن إسرائيل قد تكون قد نفذت عمليات ضد إيران انطلاقاً من دول مجاورة.

وعلى هامش الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، شارك بايراموف في اجتماع لفريق الاتصال التابع للمنظمة بشأن جامو وكشمير، مؤكداً دعم أذربيجان للحل السلمي للنزاع وفقاً للقانون الدولي، ومرحباً باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان كخطوة نحو الحوار.

أما تركمانستان، المعروفة بحيادها، فقد سارعت إلى التأكيد على موقفها. في اتصال هاتفي جرى بمبادرة من الجانب الأمريكي بين وزير خارجيتها رشيد ميريدوف والنائب الأول لوزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لاندو، جرى تبادل وجهات النظر حول الوضع الراهن في الشرق الأوسط. أكدت تركمانستان “استعدادها للمشاركة في حل الوضع الراهن في الشرق الأوسط باستخدام جميع الوسائل والأساليب الدبلوماسية”، في خطوة تعكس حرصها على لعب دور بناء في ظل التوترات.

أرمينيا: عُزلة جيوسياسية وتداعيات أمنية واقتصادية

تُشكل الحرب الإسرائيلية الإيرانية تهديداً وجودياً لـأرمينيا، الجارة الوحيدة لإيران التي تجمعها بها علاقات ودية واستراتيجية من الشمال الغربي.

ففي حين أدانت أرمينيا الضربات العسكرية الإسرائيلية ودعت إلى وقف العمل العسكري، يُحذر خبراء أرمينيون من أن ضعف إيران قد يترك يريفان في مواجهة مباشرة مع أذربيجان المدعومة من تركيا، التي قد تستغل الفوضى الإقليمية لفرض “ممر زانجيزور” الذي طالما عارضته إيران.

يرى تقرير صادر عن معهد أبحاث العلاقات الدولية في أرمينيا (APRI Armenia) أن غياب الدور الإيراني في حفظ وحدة أراضي أرمينيا قد يُمكن باكو وأنقرة من الضغط على أرمينيا لفتح هذا الممر ذي “الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بأسرها” وفقاً لتصريحات مساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف.

ليس هذا فحسب، فالقلق يتزايد حول احتمال دعم أذربيجان وتركيا لحركات انفصالية كردية وأذرية داخل إيران، مما قد يزعزع استقرار الحدود التركية نفسها، ويهدد الأمن القومي لأرمينيا بـ”كيانات تركية” من ثلاث جهات.

اقتصادياً، تواجه أرمينيا تحديات جمة. فالبضائع الأرمينية عالقة في ميناء بندر عباس، كما أن امتداد الحرب يهدد الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب (INSTC) الذي يعتمد بشكل كبير على الموانئ الإيرانية الجنوبية مثل بندر عباس وتشابهار.

إغلاق مضيق هرمز سيكون كارثياً على هذا الممر، مما يدفع الهند وروسيا للبحث عن بدائل أكثر تكلفة وخطورة.

كل هذا يزيد الضغط على أرمينيا، ويدفعها نحو إعادة تقييم علاقاتها الدولية، مع دعوات لاستعادة العلاقات الجيدة مع روسيا وتنويع مصادر توريد الأسلحة لمواجهة العزلة المتزايدة. كما أنها تحتاج لسياسة شاملة للاجئين تحسباً لتدفقات محتملة من إيران.

من الشرق: باكستان تُدين وتدعو للدبلوماسية

على الحدود الشرقية لإيران، تقف باكستان موقفاً واضحاً يدعو إلى التهدئة والحوار. في سلسلة من التصريحات والاتصالات رفيعة المستوى، أدان رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف الضربات الجوية الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، واصفاً إياها بـ”انتهاك خطير للقانون الدولي والنظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية“.

في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أعرب شريف عن “تضامن باكستان الثابت” مع إيران، مؤكداً حق إيران في الدفاع عن نفسها بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

ودعا رئيس الوزراء الباكستاني إلى “العودة الفورية إلى الحوار والدبلوماسية باعتبارهما السبيل الوحيد القابل للتطبيق للمضي قدمًا”، معبراً عن استعداد بلاده للعب “دور بناء في هذا السياق”. وأشار البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء إلى أن الرئيس بزشكيان قدّر عميقاً دعم باكستان وتضامنها.

كما أعلن السفير الباكستاني عاصم افتخار أحمد موقف بلاده المبدئي في مجلس الأمن الدولي، الذي يرتكز على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. أدان السفير بشدة “العدوان الإسرائيلي والهجمات الأمريكية على المنشآت النووية الخاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ودعا إلى “إنهاء هذا العدوان ووقف الأعمال العدائية والعودة إلى الحوار والدبلوماسية”.

وأكد أحمد أن “الدعوات العالمية لخفض التصعيد والتوصل إلى حل سلمي لهذه الأزمة عبر الحوار لم تُؤخذ على محمل الجد للأسف“.

مواقف إيران الداخلية وتداعيات مضيق هرمز

على الصعيد الداخلي، أدان الحرس الثوري الإيراني الهجوم الأمريكي بشدة، واعتبره “جريمة فادحة تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”، متوعداً بـ”ردود مؤلمة” ستتجاوز حسابات المعتدين.

وأكد الحرس الثوري أن الهجوم تم “بالتنسيق الكامل مع النظام الإسرائيلي”، مشدداً على أن “التكنولوجيا النووية الوطنية والسلمية لإيران لن تدمر بأي هجوم، بل ستعزز عزيمة العلماء الشباب”.

كما أشار إلى “استمرار عملية ‘الوعد الصادق 3′” التي تستهدف مصالح إسرائيل، مع تحذير المعتدين من “ردود مؤسفة قد تتجاوز توقعاتهم”.

في خطوة تصعيدية محتملة، صوّت البرلمان الإيراني على إغلاق مضيق هرمز، الممر المائي الحيوي الذي يمر عبره حوالي 20% من نفط وغاز العالم، رغم أن القرار النهائي يعود للمجلس الأعلى للأمن القومي.

وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو حذر من أن إغلاق المضيق سيكون “انتحاراً اقتصادياً” لإيران وسيؤدي إلى “تصعيد هائل”. ورغم هذا التهديد، أفادت مجموعة ميرسك للشحن البحري بأن سفنها “تُواصل الإبحار عبر مضيق هرمز”، لكنها “مستعدة لإعادة تقييم الوضع بناءً على المعلومات المتاحة”.

المشهد الدولي: دعوات متضاربة وترقب عالمي

بينما تترقب الأنظار اجتماع مجلس الأمن الدولي الطارئ، تصدرت الأصوات الدولية التي تدعو للتهدئة أو تنتقد التصعيد:

. الأمم المتحدة: الأمين العام أنطونيو غوتيريش وصف الهجمات بأنها “تصعيد خطير في المنطقة وتهديد مباشر للسلم والأمن الدوليين”.

بينما تترقب الأنظار اجتماع مجلس الأمن الدولي الطارئ، تصدرت الأصوات الدولية التي تدعو للتهدئة أو تنتقد التصعيد:

. الأمم المتحدة: الأمين العام أنطونيو غوتيريش وصف الهجمات بأنها “تصعيد خطير في المنطقة وتهديد مباشر للسلم والأمن الدوليين”.

. الوكالة الدولية للطاقة الذرية: صرح مديرها العام رافائيل غروسي بأن الغارات الجوية الأمريكية أصابت موقع فوردو النووي، لكن “من غير الممكن حتى الآن تقييم الأضرار التي لحقت به تحت الأرض”، معرباً عن أمله في عودة المفتشين قريباً.

. النمسا: وزيرة الخارجية بياته ماينل-رايزينغر وصفت الضربة بأنها “خطوة دراماتيكية”، ودعت إلى عدم التضحية بالقانون الدولي، مؤكدة على دعم الدبلوماسية.

. الترويكا الأوروبية (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا): دعت إيران إلى الامتناع عن أي أعمال “تزعزع استقرار” المنطقة، وأكدت أن “إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحاً نووياً أبداً”، ودعت إلى المفاوضات ودعم أمن إسرائيل.

. إيطاليا: رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني أجرت اتصالات مع شركاء دوليين وإقليميين، مؤكدة على ضرورة استئناف المفاوضات لتجنب تفاقم الصراع.

كما أدان الأمين العام لـ CGIL الهجمات، فيما حذر رئيس أركان الدفاع الإيطالي من ردود إيرانية محتملة، مؤكداً عدم مشاركة إيطاليا المباشرة.

. الولايات المتحدة: دعا السيناتور الديمقراطي الأمريكي كريس ميرفي إلى كبح صلاحيات الرئيس الأمريكي بشن حروب استباقية، مؤكداً أن “الكونغرس وحده يمتلك سلطة إعلان الحرب”، مشيراً إلى أن المفاوضات كانت واعدة قبل أن تقوضها الضربات الإسرائيلية.

. إسرائيل: أعلن وزير الدفاع بيني غانتس ووزير المالية بيزائيل سموترش “النصر التاريخي”، مؤكدين “تدمير برنامج التخصيب الإيراني” وأن الهجوم ألحق ضرراً بالغاً به قد يؤخره “أكثر من عشر سنوات”.

تُشير هذه التطورات إلى أن منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة جديدة وخطيرة من الصراع، تتطلب مراقبة دقيقة وترقباً للخطوات القادمة من جميع الأطراف المعنية.

كيف تنظر إيران لمواقف جيرانها؟

تُظهر ردود الفعل الإيرانية الواردة في المقالة تقييماً دقيقاً لمواقف جيرانها. فمن ناحية، تُقدّر طهران بشكل كبير الدعم الصريح والموقف المندد من باكستان بالهجمات الأمريكية، وهو ما عبّر عنه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بـ”التقدير العميق لدعم باكستان لإيران”، وشكره لقيادة وحكومة وشعب باكستان على “تضامنهم”.

هذا يؤكد على أن إيران ترى في باكستان حليفاً قوياً ومؤيداً لموقفها في الأزمة الراهنة.

أما بخصوص أذربيجان، فإيران تُدرك أهمية تأكيد باكو على عدم السماح باستخدام أراضيها أو مجالها الجوي ضد إيران، وهو ما يشير إلى أن طهران ترى في هذا الموقف نوعاً من الضمانة الأمنية على حدودها الشمالية. ومع ذلك، تُعبر المقالة عن قلق خبراء أرمينيين من أن ضعف طهران قد يُشكل فرصة لباكو وأنقرة للضغط على أرمينيا فيما يتعلق بممر زانجيزور، مما قد يعكس قلقاً إيرانياً ضمنياً من استغلال بعض الأطراف للوضع الراهن لتحقيق مكاسب جيوسياسية.

فيما يخص أرمينيا، يبدو أن إيران تنظر إليها كشريك تاريخي وحليف حيوي في حفظ التوازنات الإقليمية، خاصة في مواجهة الأطماع التركية والأذربيجانية.

دور إيران “المحوري في الحفاظ على وحدة أراضي أرمينيا” يشير إلى أنها تعتبر أمن أرمينيا جزءاً لا يتجزأ من أمنها الإقليمي، وأن أي زعزعة لاستقرار يريفان هي تهديد لطهران.

أما بالنسبة لتركمانستان ودول الجوار الأخرى التي لم ترد تصريحات إيرانية مباشرة بشأنها، فإن الموقف الإيراني يُستشف من عموم مواقفها المعلنة تجاه التطورات الإقليمية.

تُظهر هذه التحركات والبيانات أن الدول المجاورة لإيران، رغم تباين مواقفها، تُشاركها قلقاً عميقاً من تداعيات هذا الصراع، وتُحاول كل منها التكيف مع هذه الأوضاع المعقدة والدفع باتجاه التهدئة، أو على الأقل حماية مصالحها الحيوية.

المزيد من الكاتب

ليلة “مطرقة منتصف الليل”: الشرق الأوسط على صفيح ساخن واللعبة الكبرى تتكشف

الكشف المفاجئ: لماذا يتجنب بوتين دعم إيران؟ “إسرائيل دولة روسية… تقريباً”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *