صدمة في دمشق: رئيس سوريا الجديد يغازل إسرائيل بعبارة "لدينا أعداء مشتركون" - إلى أين يتجه محور المقاومة؟
كانـت سوريا، لعـقـود طويلة، قلب العروبة النابـض بصلـف المواجهة لإسرائيل، وعماداً أساسياً لما عُرف
بـ “محور المقاومة” المدعوم من إيران.
دمشق، التي احتضنت فصائل المقاومة الفلسطينية وباركت صعود حزب الله في لبنان، كانت تمثل خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية ورمزاً للرفض العربي للهيمنة الإسرائيلية.
لكن اليوم، يشهد هذا الثابت التاريخي زلزالاً مدوياً يهدد بتقويض كل ما بُني على مدار عقود.
فبعد السقوط المروع لنظام بشار الأسد، ووسط تداعيات كارثية طالت كل شـبـر مـن الأراضي السورية يطل رئيس جديد برؤية صادمة. أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ “أبو محمد الجولاني”، وفي تصريحات لم تكن لتخطر على بال أكثر المتشائمين، يعلن انفتاحه على الحوار مع إسرائيل، بل ويذهب أبعد من ذلك بالإشارة إلى وجود “أعداء مشتركون” بين البلدين.
هذه التصريحات تأتي في ظل واقع مرير تعيشه سوريا: الجولان السليب الذي يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، أراضٍ سورية واسعة ما زالت تحت السيطرة الإسرائيلية بشكل أو بآخر، وبنية تحتية عسكرية مُدمرة بفعل الضربات الإسرائيلية التي استباحت الأجواء السورية عقب سقوط نظام الأسد.
هذا السقوط المدوي، الذي كان بمثابة الزلزال الذي كشف هشاشة التحالفات وصلابة العداوات، ترك سوريا في حالة من التفكك والضياع.
فإلى أين تتجه سوريا، التي كانت حتى الأمس القريب الداعم الأقوى لحزب الله وحماس، والرافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل؟ كيف يمكن فهم هذا التحول المفاجئ من “المواجهة” إلى لغة “الأعداء المشتركون”؟ وهل يمثل هذا بداية حقبة جديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية، أم مجرد محاولة يائسة من قيادة جديدة تسعى لإنقاذ ما تبقى من سوريا المحطمة؟
"دعونا ننهي عصر القصف المتبادل": رسالة سلام أم استسلام؟
في حديثه مع صحيفة “جويش جورنال”، دعا الشرع إلى إحياء اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، ليس فقط كهدنة، بل كإطار لـ “الضبط المتبادل وحماية المدنيين”.
وطالب بوقف الغارات الجوية الإسرائيلية، قائلاً بوضوح: “دعوني أكون واضحاً.
يجب أن ينتهي عصر القصف المتبادل الذي لا ينتهي.
لا تزدهر أي دولة عندما يملؤها الخوف”.

هذه الكلمات، التي تحمل في طياتها نداءً للسلام، تبدو في نظر الكثيرين بمثابة استسلام أمام واقع القوة الإسرائيلية المتفوقة.
فسوريا، التي خرجت منهكة من سنوات الحرب الطاحنة وفقدت قدرتها على الردع، ربما لم تجد خياراً آخر سوى مد يد الحوار، ولو على حساب المبادئ التي تأسست عليها لعقود.
محور المقاومة في مهب الريح: إيران وحزب الله في موقف حرج
لا شك أن هذه التصريحات ستثير عاصفة من ردود الفعل الغاضبة في أوساط “محور المقاومة” الذي تقوده إيران. فسقوط سوريا في هذا المنعطف، وتحولها المحتمل نحو التقارب مع إسرائيل، يمثل ضربة قاصمة لهذا المحور الذي لطالما رأى في سوريا عمقه الاستراتيجي وحلقة الوصل الأساسية مع حركات المقاومة في فلسطين ولبنان.
إيران، التي استثمرت الكثير في دعم نظام الأسد والحفاظ على سوريا كجزء من نفوذها الإقليمي، تجد نفسها اليوم أمام واقع جديد ومقلق. وحزب الله، الذي نشأ وترعرع تحت المظلة السورية، قد يجد نفسه في موقف حرج، يفقد فيه العمق الاستراتيجي والدعم اللوجستي الذي كان يتمتع به في السابق.
إشادة بترامب ورغبة في "إعادة بناء سوريا العظيمة"
في خطوة أخرى تثير الدهشة، أشاد الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واصفاً إياه بـ “رجل السلام”، معربًا عن أمله في أن يلعب دور الوسيط النزيه في المنطقة.
كما استعار شعار ترامب الشهير “جعل سوريا عظيمة من جديد”، مؤكدًا أن قبوله للمنصب جاء إيماناً بضرورة “طي الصفحة” والمساهمة في كتابة تاريخ جديد لسوريا.

هذه الإشارات إلى ترامب قد تعكس رغبة في الحصول على دعم دولي وإقليمي لـ “سوريا الجديدة”، وربما محاولة للاستفادة من علاقات ترامب المتوترة مع إيران.
لكن يبقى السؤال: هل يثق المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية التي لطالما دعمت القضية الفلسطينية، في قيادة نشأت من رحم الصراع والفوضى؟
مستقبل غامض وتساؤلات مشروعة
تبقى الحقيقة أن سوريا اليوم تقف على مفترق طرق حاسم.
هل ينجح أحمد الشرع في قيادة بلاده نحو حقبة جديدة من الاستقرار والسلام، ولو على حساب تحالفاتها القديمة؟ وهل يتمكن من إقناع شعبه والعالم بصدق نواياه في بناء سوريا “متعددة الثقافات والتعددية”؟
إن الإجابات على هذه الأسئلة معلقة في الهواء، لكن المؤكد أن تصريحات الشرع قد أحدثت صدمة حقيقية في المنطقة، وأعادت فتح ملفات صراع قديمة، وطرحت تساؤلات مشروعة حول مستقبل “محور المقاومة” ودور سوريا في الشرق الأوسط الجديد.
فهل نشهد بالفعل تحولاً استراتيجياً مدوياً، أم أنها مجرد مناورة تكتيكية في لعبة إقليمية معقدة؟
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.