تصعيد الظلال: الشركات الأمريكية في مرمى صراع إسرائيل وإيران السيبراني

بينما تتبادل إسرائيل وإيران الضربات الجوية المباشرة، تتكشف خلف الكواليس جبهة صراع رقمية أكثر هدوءاً، وإن كانت مدمرة.

هذه المواجهة السيبرانية المتصاعدة تُنذر بأن الشركات الأمريكية قد تجد نفسها قريباً في دائرة الانفجار.

خلف الكواليس: صراع سيبراني بأبعاد عالمية                                                                       

تُعد كل من إيران وإسرائيل موطنًا لبعض أمهر قراصنة الإنترنت في العالم.

ومع تصاعد التوترات العسكرية بينهما، يُحذر خبراء الأمن السيبراني من أن هذا الصراع قد يمتد إلى الفضاء الإلكتروني بشكل أوسع. هذا الامتداد الرقمي قد لا يقتصر على الأهداف المباشرة في البلدين، بل يهدد بتعطيل البنية التحتية الحيوية، والشبكات التجارية، وسلاسل التوريد العالمية.

دعوات أمريكية لليقظة: تعزيز الدفاعات السيبرانية

في ظل هذه التطورات، تحث منظمات الأمن السيبراني الأمريكية الشركات على البقاء في حالة تأهب قصوى.

فقد حذرت لجنة استخبارات الأمن السيبراني في مجال الغذاء والزراعة (Food and Ag-ISAC) ولجنة استخبارات الأمن السيبراني في مجال تكنولوجيا المعلومات (IT-ISAC) في بيان مشترك يوم الجمعة الشركات من هجمات إيرانية محتملة على البنية التحتية المحلية.

ودعت اللجنتان الشركات إلى تعزيز دفاعاتها بشكل استباقي، مستذكرتين تاريخ القراصنة والقرصنة الإلكترونية التي ترعاها الدولة الإيرانية، والتي استهدفت البنية التحتية الحيوية الأمريكية خلال نزاعات سابقة.

تُشير التقديرات إلى حجم التهديد المتصاعد؛ فقد رصدت شركة رادوار، المتخصصة في الأمن السيبراني ومقرها الولايات المتحدة، زيادة بنسبة 700% في الهجمات الإلكترونية الإيرانية ضد أهداف إسرائيلية منذ أن شنت إسرائيل هجومها الصاروخي الأول على طهران في 12 يونيو.

مستوى التهديد: مرهون بالموقف الأمريكي

من المرجح أن يعتمد حجم وطبيعة الهجمات الإلكترونية الإيرانية المحتملة على المنظمات الأمريكية بشكل كبير على كيفية رد الولايات المتحدة على الصراع العسكري الأوسع.

حتى الآن، أبلغت إدارة ترامب حلفاءها بأنها لن تتدخل ما لم تستهدف إيران الأمريكيين بشكل مباشر.

لكن أوستن وارنيك، مدير استخبارات الأمن القومي في فلاش بوينت، حذر لموقع “أكسيوس” من أنه إذا تغير هذا القرار، فقد تعيد إيران توجيه مواردها السيبرانية نحو حملات برامج الفدية التي ترعاها الدولة أو هجمات البرامج الضارة التي تمسح البيانات على البنية التحتية الأمريكية.

حرب المعلومات: التضليل وبث الذعر

لم يقتصر النشاط السيبراني على الهجمات المباشرة. فقد صرح جيل ميسينج، رئيس الأركان في شركة تشيك بوينت سوفتوير تكنولوجيز الإسرائيلية، لموقع “أكسيوس” أنه لاحظ العديد من حملات التضليل التي يبدو أنها صادرة عن جهات مرتبطة بإيران في الأيام التي تلت الضربات.

من أبرز الأمثلة على ذلك، رسالة نصية أُرسلت إلى آلاف الإسرائيليين تحذر زوراً من توقف إمدادات الوقود في محطات الوقود لمدة 24 ساعة.

وحذرت رسالة أخرى من هجوم إرهابي محتمل على ملجأ إقليمي، وحثت المتلقين على تجنب المنطقة في محاولة واضحة لبث الذعر أثناء الهجمات الصاروخية.

أكد ميسينغ أن هذه الرسائل، رغم أنها صيغت لتبدو صادرة عن قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، كانت مزيفة.

كما لاحظ نشاطاً إلكترونياً منخفض المستوى يُحتمل ارتباطه بإيران، بما في ذلك هجمات حجب الخدمة الموزعة (DDoS) وحملات التصيد الاحتيالي.

ويرى ميسينغ أن الهدف الرئيسي لإيران حالياً هو “الترهيب والأخبار الكاذبة والتضليل، أكثر بكثير من أي شيء آخر“.

ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن طهران تُركز الجزء الأكبر من مواردها على الحرب المادية في الوقت الحالي. ففي النزاعات العسكرية التقليدية، غالباً ما تُستخدم الهجمات الإلكترونية لإثارة الخوف والارتباك بين المدنيين، بينما تميل العمليات الأكثر تدميراً للبنية التحتية إلى الظهور قبيل الضربات أو الغزوات الكبرى، كما حدث قبل الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022. هذا هو السبب في تركيز إيران على التضليل والهجمات الأصغر نطاقًا حتى الآن؛ فالهدف الحالي هو إثارة الخوف.

القوة الإسرائيلية المضادة: هجمات مركزة

في المقابل، تُشكل إسرائيل أيضاً تهديداً إلكترونياً هائلاً في هذا الصراع.

ومع ذلك، من المتوقع أن تظل هجماتها الرقمية مُركزة على الأهداف الإيرانية، وفقاً لوارنيك. وقد أعلنت مجموعة قرصنة مؤيدة لإسرائيل مسؤوليتها عن هجوم إلكتروني صباح اليوم على بنك سبه الإيراني، مما تسبب في انقطاعات واسعة النطاق، وزعمت المجموعة أنها “دمرت” جميع بيانات البنك.

لإسرائيل تاريخ طويل من العمليات الإلكترونية المتطورة، أبرزها هجوم ستوكسنت الذي استهدف البرنامج النووي الإيراني.

كما تُعرف وحداتها الاستخباراتية، وخاصة الوحدة 8200، بقدراتها المتقدمة في مجال التجسس الإلكتروني.

ما يجب متابعته: تصاعد نشاط القراصنة السياسيين

كما حدث بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يتوقع خبراء الأمن السيبراني ارتفاعاً في نشاط القراصنة ذوي الدوافع السياسية الذين يسعون إلى تضخيم نفوذهم أثناء الصراع.

هذا يعني أن الشركات، لا سيما في الولايات المتحدة، يجب أن تظل يقظة وتستعد لموجات جديدة من الهجمات التي قد لا تكون بالضرورة مباشرة من الجهات الحكومية، بل من جماعات مرتبطة أو مدفوعة بالصراع الجاري. إن التطورات الأخيرة تُؤكد أن الجبهة السيبرانية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أي صراع حديث، وتحدياً عالمياً يستدعي استجابة جماعية وحذراً متواصلاً.

المزيد من الكاتب

المقاومة الأمريكية: من الصمت إلى الصرخة المدويّة في عهد ترامب الثاني

الشرق الأوسط على شفير الهاوية.. تعزيزات أمريكية ضخمة تقترب وعمق الصراع يتكشف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *