الجزائر والمغرب: صراع الصحراء الغربية… لعبة التوازنات الدولية وذاكرة التاريخ

في قلب شمال أفريقيا، تشتعل نيران أزمة الصحراء الغربية مرة أخرى، لكن هذه المرة على خلفية تصريحات دولية متتالية تُلقي بظلالها على العلاقات المعقدة بين الجزائر والمغرب، وتكشف عن خيوط متشابكة من المصالح الجيوسياسية وذاكرة تاريخية لا تزال حية.

المملكة المتحدة تنضم إلى الركب: غضب جزائري وموقف ثابت

في يوم (الأحد الماضى، 1 يونيو 2025)، أعلنت المملكة المتحدة بشكل علني دعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي بشأن الصحراء الغربية، واصفة إياه بـ”الأساس الأكثر مصداقية وواقعية وعملية” لتسوية النزاع.

هذا الموقف، الذي جاء في بيان مشترك وقعه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ونظيره المغربي ناصر بوريطة في الرباط، لم يمر مرور الكرام في الجزائر.

تعبيراً عن أسفها الشديد، أصدرت الخارجية الجزائرية بياناً في الأحد الماضى ، وتم تحديثه قبل 3 ساعات)، أكدت فيه أن “الغاية من مخطط الحكم الذاتي المغربي لم تكن يوماً الاستناد إليه كأساس حلّ سياسي لهذا النزاع”.

وبلهجة حادة، اعتبرت الجزائر أن المقترح المغربي، الذي لم يُعرض على الصحراويين كأساس للتفاوض طوال ثمانية عشر عاماً، هو “فارغ المحتوى وغير قادر على الإسهام في التوصل إلى تسوية جادة وذات مصداقية”.

الجزائر ترى أن الهدف الحقيقي من هذا المخطط هو “شغل الساحة من أجل قطع الطريق أمام أي مساعٍ جادة للتوصل إلى تسوية حقيقية، والسماح للمغرب بكسب المزيد من الوقت، وتعويد المجموعة الدولية بشكل تدريجي على الأمر الواقع الاستعماري المتمثل في الاحتلال غير الشرعي للصحراء الغربية“.

ومع ذلك، لم تغفل الجزائر عن نقطة دقيقة في الموقف البريطاني، مشيرة إلى أن “المملكة المتحدة لم تتطرق للسيادة المغربية المزعومة على إقليم الصحراء الغربية، ولم تُقدّم أي دعم لها، وهي بذلك لا تُزكي الاحتلال غير الشرعي لهذا الإقليم المصنف كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي وفقاً للشرعية الدولية”.

هذا التمييز يترك نافذة أمل للجزائر، التي تأمل في أن تُواصل المملكة المتحدة، بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن، “العمل على مساءلة المغرب عن مسؤولياته الدولية، والسهر على احترام الشرعية الدولية، وعلى وجه الخصوص عقيدة الأمم المتحدة في مجال تصفية الاستعمار“.

تأكيد أمريكي.. وأسف جزائري متكرر

هذا الموقف البريطاني ليس الأول من نوعه.

ففي أبريل/ نيسان الماضي (2025)، أعربت الجزائر أيضاً عن أسفها لموقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي اعتبر مخطط الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية “الحل الأوحد” لنزاع الصحراء الغربية.

بيان الخارجية الجزائرية آنذاك كان واضحاً: “الجزائر تأسف لتأكيده هذا الموقف من قبل عضو دائم في مجلس الأمن يفترض فيه الحرص على احترام القانون الدولي بشكل عام وقرارات مجلس الأمن بشكل خاص“.

وقبل ذلك، جددت الولايات المتحدة الأمريكية، في الأربعاء (28 مايو 2025)، تأكيد موقفها الثابت من قضية الصحراء المغربية، مشددة على دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط كحل “جدي وواقعي وذي مصداقية”.

هذا التأكيد الأمريكي، الذي جاء خلال لقاء بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الأمريكي ماركو روبيو في واشنطن، يضاف إلى تصريحات مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الأفريقية، الذي أكد أن موقف واشنطن “صريح ولا لبس فيه” ويعترف “صراحة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية“.

هذه المواقف المتكررة من قوى دولية كبرى تضع الجزائر في موقف حرج، وتطرح تساؤلات حول طبيعة ردها المستقبلي.

الجزائر وفرنسا: تاريخ من التوتر وتصعيد مستمر

تختلف مقاربة الجزائر تجاه واشنطن عن تعاملها مع باريس. الخلاف مع فرنسا يحمل أبعاداً تاريخية وثقافية واجتماعية عميقة، تجعل أي تصعيد أكثر حساسية.

في فبراير/ شباط الماضي (2025)، أدانت وزارة الخارجية الجزائرية زيارة وزير الثقافة الفرنسية رشيدة داتي إلى إقليم الصحراء المتنازع عليه، واصفة الزيارة بأنها “أمر خطير للغاية” و”تنم عن استخفاف سافر بالشرعية الدولية من قبل عضو دائم في مجلس الأمن الأممي”.

هذه الزيارة، بحسب الجزائر، “تدفع نحو ترسيخ الأمر الواقع المغربي في الصحراء الغربية“.

التوتر بين البلدين تصاعد بشكل كبير منذ سنوات، فاقمته الأزمات التاريخية والموقف الفرنسي من دعم مقترح الحكم الذاتي. في ديسمبر 2024 (2024-12-19، 17:17 GMT)، أفادت وسائل إعلام جزائرية باستدعاء السلطات الجزائرية لسفير باريس لديها وتوجيه “تحذير شديد اللهجة” بشأن ما قيل إنها “مخططات عدائية تقف وراءها المخابرات الفرنسية” لزعزعة استقرار البلاد عبر تجنيد عناصر إرهابية جزائرية وفرنسية ووضع السفارة والمركز الثقافي الفرنسي في خدمة هذا المخطط. البرلماني الجزائري علي ربيج اعتبر أن العلاقات تمر بـ”مرحلة حساسة ومعقدة”، متوقعاً “رداً جزائرياً قاسياً” ومراجعة دقيقة للعلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

في هجوم حاد وغير مسبوق، اتهم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في ديسمبر 2024 (2024-12-31، 08:10 GMT) فرنسا بـ”صياغة خطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية”، مؤكداً أن “فكرة الحكم الذاتي، هي فكرة فرنسية بالأساس وليست مغربية، لم تولد في الرباط أو مراكش”.

هذه التصريحات تكشف عن عمق الأزمة التاريخية بين البلدين، حيث استغل تبون خطابه السنوي للبرلمان لمهاجمة تاريخ فرنسا الاستعماري في الجزائر، مطالباً إياها بـ”الاعتراف بجرائمكم، إذا كنتم صادقين”، ومذكراً بـ”500 جمجمة لشهداء الجزائر ما زالت بفرنسا”، والآثار المدمرة للتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.

المغرب: دعم متزايد لـ"مغربية الصحراء

على الجانب الآخر، يواصل المغرب حشد الدعم الدولي لمقترحه للحكم الذاتي. فبالإضافة إلى بريطانيا والولايات المتحدة، أعلنت المملكة العربية السعودية، في مارس 2025 (2025-03-06، 17:17 GMT)، دعمها لـ”مغربية الصحراء” واعتبرت مبادرة الحكم الذاتي “حلاً وحيداً لهذا النزاع الإقليمي”، مؤكدة أن أي حل “لا يمكن أن يكون إلا في ظل سيادة المغرب ووحدتها الترابية”.

هذا الدعم السعودي، الذي جاء خلال اجتماع اللجنة المشتركة المغربية – السعودية في مكة المكرمة، يعزز الموقف المغربي الإقليمي.

كما أشار البيان البريطاني الأخير إلى نية هيئة التمويل التصديري البريطانية النظر في تمويل مشاريع تنموية في الصحراء، ضمن التزامها بتخصيص 5 مليارات جنيه إسترليني لدعم مشاريع بالمغرب، واصفة المملكة المتحدة المغرب بأنه “بوابة أساسية للتنمية بأفريقيا”.

هذا البعد الاقتصادي يضيف ثقلاً للموقف البريطاني ويدعم الرؤية المغربية لتنمية الإقليم.

مصير الصحراء: حق تقرير المصير أم أمر واقع؟

الصراع حول الصحراء الغربية، الذي يعود إلى انتهاء الحقبة الاستعمارية الإسبانية عام 1975، يضع المغرب وجبهة البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) في مواجهة مستمرة.

المغرب يسيطر على نحو ثلثي مساحة الإقليم ويقترح منح “البوليساريو” حكماً ذاتياً واسعاً تحت سيادته.

في المقابل، تطالب الجبهة بتنظيم استفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو طرح تدعمه الجزائر بقوة.

الجزائر تشدد على أن “قضية الصحراء الغربية تتعلق بالأساس بمسار تصفية استعمار لم يستكمل.. وبحق في تقرير المصير لم يستوف”، وأن الإقليم “لا يزال إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي بالمعنى الوارد في ميثاق الأمم المتحدة”.

في المقابل، تواصل روسيا، التي تدعم مبدأ الحق في تقرير المصير، موقفها الثابت بأن “لا يمكن تحقيق السلام العادل والدائم إلا بالوسائل السياسية على أساس إطار قانوني دولي معروف، وفي المقام الأول قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن إطار الشرعية الدولية“.

هذه الأزمة، التي شهدت خرقاً لوقف إطلاق النار في منطقة الكركرات عام 2020، لا تزال تمثل نقطة احتكاك رئيسية في شمال أفريقيا، وتكشف عن تعقيدات الجغرافيا السياسية حيث تتداخل المصالح الاقتصادية والأمنية والتاريخية في تحديد مصير منطقة بأكملها.

المزيد من الكاتب

اختبار ذوبان الجليد: ميلوني وماكرون.. لقاء الزيت والنار في روما! ليبيا: هل تُحل عقدة الطاقة والهجرة في ظل صراع السلطة وعودة الجيش؟

تصعيد دبلوماسي: إيطاليا تهاجم “مجلس أوروبا” وتصفه بـ”عديم الفائدة” بعد اتهامات بـ”التنميط العنصري”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *