من قلب الرصاص والدخان: شاب مالطي يروي رحلة الهروب المرعبة من جحيم طرابلس

طرابلس، ليبيا – 22 مايو 2025 – في قصة تُشبه أفلام الإثارة، انتهت رحلة عمل روتينية لشاب مالطي في طرابلس الليبية بتحول مفاجئ إلى كابوس مرعب، حيث وجد نفسه عالقاً في قلب صراع ميليشيات متجدد.

يروي بنيامين فاروجيا (23 عاماً)، في لقاء خاص مع صحيفة “The Malta Independent” المالطية تفاصيل هذه التجربة المروعة وكيف تمكن و37 مالطياً آخرين من الهروب بأعجوبة من فك الموت.

بداية طبيعية.. ونهاية مفزعة

وصل فاروجيا إلى طرابلس في 11 مايو 2025، ضمن رحلة عمل استمرت أسبوعًا مع زملائه من شركة “Seamless Surfaces”، بهدف زيارة أحد أكبر المعارض التجارية في شمال إفريقيا.

كانت الأيام الأولى مثمرة، قضتها المجموعة في التواصل وتوسيع آفاق أعمالهم.

لكن سرعان ما انقلبت الأوضاع رأساً على عقب مساء الاثنين، عندما بدأ السيناريو الأسوأ في الظهور مع تصاعد التوترات بين الميليشيات الليبية في العاصمة.

“كانت الفكرة تراودني قبل الرحلة بأن شيئاً كهذا قد يحدث، لكنني طمأنت نفسي بأن المنطقة لم تشهد قتالاً منذ فترة”، يقول فاروجيا، الذي وجد نفسه فجأة محاصرًا في فوضى عارمة.

رصاص ودخان: تفاصيل من قلب الخطر

وصل فاروجيا إلى طرابلس في 11 مايو 2025، ضمن رحلة عمل استمرت أسبوعاً مع زملائه من شركة “Seamless Surfaces”، بهدف زيارة أحد أكبر المعارض التجارية في شمال إفريقيا.

كانت الأيام الأولى مثمرة، قضتها المجموعة في التواصل وتوسيع آفاق أعمالهم.

لكن سرعان ما انقلبت الأوضاع رأسًا على عقب مساء الاثنين، عندما بدأ السيناريو الأسوأ في الظهور مع تصاعد التوترات بين الميليشيات الليبية في العاصمة.

“كانت الفكرة تراودني قبل الرحلة بأن شيئاً كهذا قد يحدث، لكنني طمأنت نفسي بأن المنطقة لم تشهد قتالاً منذ فترة”، يقول فاروجيا، الذي وجد نفسه فجأة محاصراً في فوضى عارمة.

رصاص ودخان: تفاصيل من قلب الخطر

خلال الأيام القليلة التي قضاها في طرابلس، شاهد فاروجيا بأم عينه حجم الدمار: “سحب كثيفة من الدخان تتصاعد، سيارات مدمرة، وثقوب رصاص ضخمة في جوانب المركبات وجدران المنازل والمباني، والأرض مغطاة بالذخيرة المستخدمة”.

حتى المباني المحيطة لم تسلم، حيث اخترقتها الرشاشات وتسببت في ثقوب كبيرة بواجهاتها.

تلقى فاروجيا وزملاؤه تعليمات بالبقاء في الداخل بعد أن علموا أن إطلاق النار كان على بعد شارعين فقط من مسكنهم، حيث كان أحد قادة الميليشيات المستهدفين متمركزًا في مكتب قريب.

ورغم أنه لم يشاهد العنف مباشرة، إلا أن أصوات إطلاق النار المتواصلة طوال الليل كانت تملأ الأجواء.

ليالٍ من الرعب قضاها فاروجيا ورفاقه يطلون بحذر من نوافذهم، خلف ستائرهم المغلقة، يراقبون الوضع في الشوارع.

تفاقم الوضع عندما أغلق مطار طرابلس الدولي ونُقلت الطائرات، ليدركوا أنهم عالقون في خضم حرب متجددة.

كانت ليلة الثلاثاء هي الأكثر رعباً، كما يصف فاروجيا: “لقد اندلعت [اشتباكات] بشكل أقوى بكثير من المرة الأولى”.

في حوالي الساعة الواحدة صباحاً، تردد صدى الضجيج المتواصل لإطلاق النار والمدافع في أرجاء العاصمة.

“لم نتمكن من سماع طلقة تلو الأخرى، كان إطلاق النار كثيفاً لدرجة أننا لم نعد نسمع أي شيء باستثناء الضجيج العالي”، يتذكر الشاب.

اهتزت النوافذ مراراً وتكراراً، مما دفع فاروجيا وزملاءه للانحناء في غرفهم، بلا حول ولا قوة، بعيداً عن النوافذ، خوفًا من أن يكون مكان إقامتهم هو الهدف التالي. استمرت هذه الفوضى “بشكل متواصل ودون توقف” حتى حوالي الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم التالي.

لحظات عصيبة والنجاة بأعجوبة

في هذه اللحظات العصيبة، أدرك فاروجيا حقيقة الحرب، والفرق الهائل بين مشاهدتها على شاشات التلفزيون والوقوع في شركها.

“كنت أخشى ألا أتمكن من رؤية أحبائي مرة أخرى”، يقول.

طوال ثلاث ليالٍ مرعبة، لم يتمكن من النوم سوى ثلاث أو أربع ساعات بالكاد، مستيقظاً مراراً بسبب إطلاق النار أو قلقه الشخصي.

كانت الهواتف المحمولة هي شريان الحياة الوحيد، حيث اعتمد عليها المالطيون العالقون في العاصمة لتلقي إشعارات حول موعد استئناف إطلاق النار والتواصل مع السلطات المالطية لترتيب إجلائهم.

خطة الإنقاذ والعودة المفاجئة

وضعت السلطات المالطية، بالتنسيق مع السفارة المالطية والعقيد أليكس دالي المتمركز في ليبيا، خطة لإجلاء المالطيين.

تمثلت الخطة في الوصول إلى نقطة التقاء آمنة الساعة التاسعة صباح يوم الخميس، ثم رحلة بالسيارة لمدة ثلاث ساعات ونصف إلى مطار خارج المدينة، ومن هناك رحلة العودة إلى مالطا.

تم إجلاء 38 مواطناً مالطياً في حافلتين، برفقة السفير المالطي والشرطة.

يصف فاروجيا الجزء الأكثر خطورة في عملية الإجلاء بأنها كانت الساعة والنصف الأولى من القيادة، أثناء مغادرتها طرابلس.

“الحمد لله، عملية الإخلاء سارت بشكل جيد يوم الخميس، وكانت مخططة بشكل جيد للغاية”، يقول فاروجيا.

لم يخبر فاروجيا عائلته عن هذه المحنة إلا عندما وصل إلى المنزل بشكل مفاجئ يوم الخميس، قبل ثلاثة أيام من الموعد المتوقع. كان هذا قراره لكي لا يقلق أحد، معتمدًا على دعم اثنين من أقرب أصدقائه الذين كانوا على علم بما يحدث.

“لم يتوقع أحد عودتي [في وقت مبكر جداً]، ثم وجدوني على عتبة بابنا”، يروي فاروجيا لحظة عودته المؤثرة.

عاد فاروجيا إلى وطنه مع تذكار فريد من نوعه من هذه المحنة: رصاصة مستعملة التقطها من شوارع طرابلس.

ومنذ عودته، لاحظ أن الألعاب النارية المحلية التي تُطلق في الأعياد باتت تؤثر عليه، مذكرة إياه بالرعب الذي كان قريباً جداً منه.

كانت هذه هي أول تجربة لفاروجيا في ليبيا، ويؤكد أنه لا يخطط للعودة إلى هناك في أي وقت قريب.

قصته تذكير حي بالهشاشة التي يمكن أن تتحول بها رحلة عمل عادية إلى صراع من أجل البقاء.

انعكاسات قصة بنيامين: هل تهتز الثقة في ليبيا؟

لا شك أن قصة بنيامين فاروجيا، التي تُبرز الهشاشة الأمنية في طرابلس، ستترك تأثيراً عميقاً على الرأي العام في مالطا وأوروبا، ومن المحتمل أن تُشكل تصورات سلبية تؤثر على العلاقات والاستثمار والسياحة في ليبيا.

التأثير على التصورات العامة

صورة ليبيا كمنطقة خطرة: إن رؤية شاب يعيش تجربة مرعبة في قلب العاصمة الليبية ستُعزز صورة ليبيا كبلد غير مستقر وغير آمن. هذا السرد الشخصي والمفصل، بعيداً عن التقارير الإخبارية العامة، يلامس المشاعر ويثبت في الأذهان الخطر الحقيقي الذي قد يواجهه الأفراد.

الخوف من المجهول: قصص مثل هذه تثير القلق والتردد لدى المواطنين العاديين، سواء كانوا رجال أعمال أو سياحاً محتملين. ففكرة التعرض لإطلاق نار عشوائي أو الوقوع في صراع ميليشيات هي كابوس يخشاه الكثيرون، وتزيد هذه الروايات من إحساسهم بالخطر.

التأثير على مستوى الحكومات الأوروبية

زيادة الحذر الدبلوماسي: ستُعزز هذه الروايات من حذر الحكومات الأوروبية في التعامل مع ليبيا.

قد تُجدد التحذيرات من السفر، وتُشدد الإجراءات الأمنية حول السفارات والبعثات الدبلوماسية. كما قد يؤثر ذلك على تقييم المخاطر لرجال الأعمال والموظفين الذين يفكرون في العمل هناك.

تأخير أو إلغاء المشاريع: أي تقلبات أمنية، تُبرزها قصص شخصية كهذه، قد تدفع الحكومات والشركات الأوروبية إلى إعادة النظر في المشاريع الاستثمارية الكبرى أو تأخيرها.

الاستقرار الأمني هو حجر الزاوية لأي استثمار أجنبي، والغياب المتكرر له يُعيق التقدم.

الضغط على السياسات: قد تُمارس هذه القصص ضغطاً على الحكومات الأوروبية لتبني سياسات أكثر صرامة تجاه ليبيا، أو لزيادة الدعم للجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار.

إذا استمر هذا الوضع: عواقب وخيمة على الاقتصاد الليبي

إذا استمرت حالة عدم الاستقرار والصراع في ليبيا، فإن التأثيرات السلبية على الاقتصاد ستكون أعمق وأكثر تدميراً، مما يُعيق أي فرصة للتعافي أو التنمية المستدامة.

تراجع الدخل القومي (GDP) بشكل حاد: تعتمد ليبيا بشكل كبير على قطاع النفط والغاز، الذي يشكل حوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 90% من الإيرادات الحكومية.

أي اضطرابات في إنتاج النفط أو تصديره، بسبب الصراعات أو إغلاق الموانئ، ستؤدي إلى انخفاض فوري وكبير في الدخل القومي.

لقد شهدت ليبيا بالفعل خسائر تقدر بمئات المليارات من الدولارات في ناتجها المحلي الإجمالي منذ عام 2011 بسبب النزاعات.

انهيار الاستثمار وفرص التنمية:

-الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI): البيئة غير المستقرة تُطرد المستثمرين الأجانب. الشركات تبحث عن الاستقرار القانوني والأمني لضمان عائد استثمارها.

قصة بنيامين تُرسخ فكرة أن المخاطر في ليبيا لا تزال مرتفعة جدًا، مما يُعيق تدفق رؤوس الأموال الجديدة التي هي ضرورية للتنمية والتحديث.

-الاستثمار المحلي: حتى المستثمرون الليبيون سيفقدون الثقة في إمكانية تحقيق عوائد مستقرة في ظل الفوضى. ضعف البنية التحتية، ونقص الخدمات الأساسية (مثل الكهرباء والمياه)، وصعوبة التنقل بين المدن بسبب الأوضاع الأمنية، كلها عوامل تُثبط أي مبادرة استثمارية داخلية.

-تدهور البنية التحتية: الصراعات المستمرة لا تُعيق الاستثمار في البنية التحتية الجديدة فحسب، بل تُدمر أيضاً الموجودة.

هذا يؤثر على جميع القطاعات، من الصناعة إلى الزراعة والنقل، مما يُعقد أي جهود لإعادة الإعمار.

شلل قطاع السياحة بالكامل: إذا كان الوضع الأمني يهدد حياة رجال الأعمال، فمن المستحيل تصور عودة السياحة الترفيهية. الصورة الذهنية لليبيا كوجهة سياحية ستظل مرتبطة بالعنف والنزاعات، مما يُبعد أي سائح محتمل ويبقي هذا القطاع الواعد في حالة شلل تام.

ليبيا كانت تجذب حوالي 120 ألف زائر سنوياً قبل عام 2011، ولكن هذا الرقم انخفض بنسبة 90% بعد الاضطرابات.

زيادة البطالة والفقر: تراجع الاستثمار وهروب الشركات يعني تراجع فرص العمل، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب.

هذا بدوره يُفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ويُمكن أن يُغذي المزيد من عدم الاستقرار.

تفاقم الأزمة المالية والاجتماعية: استمرار الصراع يُرهق الميزانية العامة للدولة، ويُحول الموارد بعيداً عن الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.

هذا يؤثر مباشرة على جودة حياة المواطنين ويزيد من معاناتهم. الأزمة المالية، وارتفاع معدلات التضخم، ونقص السيولة، كلها عوامل تُسهم في تدهور الأوضاع المعيشية.

عزلة دولية: استمرار الفوضى سيُبقي ليبيا معزولة على الصعيد الدولي، مما يُعيق قدرتها على بناء شراكات اقتصادية قوية والحصول على الدعم الفني والمالي اللازم لإعادة الإعمار والتنمية.

باختصار، إذا استمرت ليبيا في دوامة عدم الاستقرار، فإن ذلك لن يؤدي فقط إلى خسائر اقتصادية فادحة، بل سيُحرم الأجيال القادمة من فرصة بناء مستقبل مزدهر، وسيُغرق البلاد في عزلة وصراع مستمر.

هل يمكن أن تكون قصة بنيامين نقطة تحول تدفع إلى جهود أكبر لتحقيق السلام والاستقرار؟

المزيد من الكاتب

عناوين الصحف المالطية: من مؤامرات الاغتيال إلى هروب درامي من جحيم طرابلس

صرخة قيادية لإنقاذ الوطن من الانزلاق الوشيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *