مالطا: صوت الضمير الإنساني في المتوسط.. يد العون تُمَد لطبيبة غزة وعائلتها المنكوبة!

مالطا: صوت الضمير الإنساني في المتوسط.. يد العون تُمَد لطبيبة غزة وعائلتها المنكوبة!

في خطوة إنسانية وسياسية جريئة، أعلن رئيس الوزراء المالطي، روبرت أبيلا، استعداد بلاده الكامل لتوفير المأوى والرعاية الطبية للطبيبة الفلسطينية الدكتورة آلاء نجار وعائلتها، بعد أن فقدت 9 من أطفالها العشرة في قصف وحشي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

هذا الموقف المالطي ليس مجرد لفتة إنسانية، بل هو صرخة مدوية في وجه الصمت الدولي، ورسالة واضحة تُعيد رسم معالم السياسة الخارجية لجزيرة صغيرة تتبوأ مكانة أخلاقية واستراتيجية متنامية.

غزة.. مأساة لا تُطاق: موقف مالطا الأخلاقي

كلمات رئيس الوزراء أبيلا، التي نطق بها في نشاط سياسي لحزب العمال، حملت ثقل المأساة الإنسانية في غزة.

فبينما كانت الدكتورة آلاء نجار، طبيبة الأطفال في مستشفى ناصر، تؤدي واجبها الإنساني، دُمّر منزل عائلتها، لتفقد فلذات أكبادها. طفلها الوحيد الناجي، البالغ من العمر 11 عاماً، يصارع الموت في حالة حرجة.

في وجه هذه الفظائع، أكد أبيلا أن “مالطا، كجزء من المجتمع الدولي، ستظل حازمة وصريحة في موقفها بعدم السماح لهذه المآسي الإنسانية بالتفاقم بشكل مستمر”.

وتساءل بلهجة مؤثرة: “أخبرني، هل يمكن لمالطا أن تتجاهل هذه المأساة وتتظاهر وكأن شيئاً لم يحدث؟… ألا ينبغي لها أن توفر ملجأً لمن تبقى من هذه العائلة، ألا ينبغي لها أن تقدم لهم اللجوء والدعم النفسي؟

هذا الموقف يعكس رؤية مالطية عميقة بأن قتل الأطفال والرضع والأسر الجائعة “أبشع أشكال الفظائع، وأن التاريخ “لن يغفر لنا أبدا” إذا بقي جزء كبير من المجتمع الدولي صامتاً.

لقد كانت مالطا من بين 7 دول فقط من أصل 45 وقعت على إعلان حاسم يسمح بمرور المساعدات الإنسانية عبر غزة، مما يُظهر ريادتها الأخلاقية في مواجهة الأزمة.

تأثير سياسات مالطا: على العالم العربي وليبيا بشكل خاص

إن هذه الخطوة المالطية تتجاوز البعد الإنساني لتُصبح ذات أهمية استراتيجية وسياسية بالغة، وتُلقي بظلالها على العلاقات بين مالطا والعالم العربي، خاصة ليبيا.

على العالم العربي: يعكس هذا الموقف المالطي شجاعة دبلوماسية ووعياً إنسانياً قد يُعزز من مكانة مالطا كصوت معتدل ومؤثر في المتوسط.

الدول العربية، التي لطالما طالبت بمواقف دولية أكثر صرامة تجاه القضية الفلسطينية، ستجد في هذا الموقف المالطي سابقة تستحق الإشادة والدعم.

يمكن أن يُشجع ذلك دولاً أوروبية أخرى على إعادة تقييم سياساتها، خاصة وأن مالطا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وتُؤكد على أن قيم الاتحاد لا ينبغي أن تتجاهل المعاناة الإنسانية.

هذا يفتح آفاقاً لتعزيز التعاون الدبلوماسي بين مالطا والدول العربية في المحافل الدولية.

. على ليبيا بشكل خاص: في سياق مقالتنا السابقة حول دعوة مالطا لأوروبا “بالتخلي عن وهم الاستقرار” في ليبيا، يُصبح هذا الموقف الجديد أكثر أهمية.

مالطا التي تُدرك حجم التحديات الأمنية والإنسانية التي تُواجهها ليبيا، وتُطالب أوروبا بتبني سياسات أكثر واقعية لبناء الدولة الليبية، تُرسل الآن رسالة واضحة لليبيا بأنها شريك إنساني موثوق به.

كيف ينبغي للسياسات الليبية تبني سياسات أكثر تقرباً من مالطا بعد هذه المواقف؟

يجب على الحكومة الليبية، بجميع أطيافها، أن تُدرك أن مالطا ليست مجرد جار جغرافي، بل شريك استراتيجي وإنساني. ينبغي لليبيا أن:

1-تعزيز التعاون الدبلوماسي: الاستفادة من مبادرات مالطا في المحافل الدولية، خاصة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا، لتسليط الضوء على الأزمة الليبية وحشد الدعم الدولي لعملية سياسية مستدامة.

2-بناء الثقة: العمل على بناء علاقات ثقة قوية مع مالطا، بما في ذلك تبادل المعلومات الأمنية ومكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية بطرق إنسانية ومنسقة.

3-توسيع الشراكات الإنسانية: التعاون مع مالطا في المبادرات الإنسانية المشتركة، مثل تقديم المساعدة الطبية أو اللوجستية، مما يُعزز الروابط الإنسانية بين الشعبين.

4-التعاون الاقتصادي: استكشاف فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري، خاصة في قطاعات الطاقة، الموانئ، والخدمات، والاستفادة من خبرة مالطا كمركز لوجستي ومالي في المتوسط.

5-تطوير العلاقات الشعبية: تشجيع التبادل الثقافي والأكاديمي والتعليمي لتقريب الشعبين وتعزيز التفاهم المشترك.

دلالات الموقف المالطي: داخلياً، إقليمياً، وعربياً

. محلياً (مالطا): يُعزز هذا التصرف من صورة حكومة روبرت أبيلا كحكومة ذات قيم أخلاقية وإنسانية قوية.

يُظهر للناخبين المالطيين أن حكومتهم لا تكتفي بالكلام، بل تتخذ خطوات عملية في مواجهة الظلم العالمي، وتُعلي من قيم التعاطف والتضامن.

هذا قد يُساهم في تعزيز شعبيته وثقة الناخبين.

. إقليمياً (أوروبا): يُعكس هذا الموقف ضغطاً مالطياً واضحاً على بروكسل لتبني سياسات أكثر توازناً وإنسانية تجاه الصراعات في المنطقة.

مالطا، التي تولت رئاسات هامة في منظمات دولية (مجلس الأمن، OSCE، مجلس أوروبا)، تُرسل رسالة بأنها لن تبقى صامتة. هذا الموقف قد يُشجع دولاً أوروبية أخرى على مراجعة مواقفها وتوحيد الصف الأوروبي حول قضايا القيم الإنسانية، بدلاً من التركيز على المصالح الضيقة.

. عربياً (المنطقة): تُقدم مالطا نفسها كصديق ومناصر للقضايا الإنسانية في العالم العربي. هذا التصرف قد يُعزز من النفوذ الدبلوماسي لمالطا في المنطقة ويُفتح آفاقاً جديدة للتعاون مع الدول العربية، خاصة في مجال الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والهجرة، نظراً لتوافق الرؤى حول أهمية الاستقرار.

أهمية هذه الخطوة: استراتيجياً وإنسانياً

هذه الخطوة المالطية لها أهمية كبرى:

. إنسانياً: هي تجسيد حقيقي للتعاطف الإنساني في أسمى صوره. إنها تُقدم الأمل والملجأ لعائلة منكوبة، وتُثبت أن الإنسانية تتجاوز الحدود والجغرافيا.

إنها دعوة قوية للمجتمع الدولي للتحرك بشكل أكثر فعالية لوقف المعاناة في غزة وغيرها من بؤر الصراع.

. استراتيجياً: تُرسخ مالطا موقعها كدولة ذات مبدأ ومصداقية على الساحة الدولية.

هي لا تخشى أن تُخالف التيار السائد أو أن تُعبر عن موقف أخلاقي صريح، حتى لو كان ذلك يتعارض مع مواقف بعض حلفائها الأكبر.

هذا يُعزز من مكانتها كلاعب دبلوماسي مستقل وذو وزن في حوض البحر الأبيض المتوسط، ويُمكنها من لعب دور وساطة أو قيادة في المستقبل.

إنها تُبرهن على أن القوة لا تكمن فقط في الحجم الاقتصادي أو العسكري، بل في الشجاعة الأخلاقية والالتزام بالقيم.

باختصار، موقف مالطا هذا يُرسل رسالة قوية بأن الكرامة الإنسانية لا تُساوم عليها، وأن الصمت في وجه الظلم هو مشاركة فيه.

إنه يُعلي من شأن الدبلوماسية الإنسانية ويُعيد التأكيد على أهمية القيم في تشكيل السياسات الدولية، وهو ما ينبغي أن تسترشد به جميع الدول لضمان عالم أكثر عدلاً واستقراراً.

المزيد من الكاتب

“إسكندر” يرقص في سماء كييف: كابوس “باتريوت” يتحقق بصواريخ روسية لا تُقهر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *