ليبيا على حافة الهاوية: تحليل شامل لتقرير الإيكونوميست

ليبيا على حافة الهاوية: تحليل شامل لتقرير الإيكونوميست

في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها ليبيا، والتي تعيد إلى الأذهان سنوات من الصلافات والاضطرابات، تتناول مجلة “الإيكونوميست” البريطانية الوضع الراهن بتحليل عميق يصفه بالانهيار.

اليوم، سنغوص في تقرير “الإيكونوميست” الصادر في 22 مايو 2025، والذي عنونته المجلة بـ “الشرق الأوسط وأفريقيا | الأمور تنهار من جديد: أسوأ مؤتمر في العالم… جحيم على الأرض في دبي على البحر المتوسط”.

سنقدم تحليلاً شاملاً للموقف العام ووضع حكومة الدبيبة، وسنتوقف عند كل فقرة من فقرات التقرير لنحللها بدقة، ثم نناقش التوقعات المحتملة، ورد الفعل والموقف الدولي، وصولاً إلى تقييمنا الخاص لواقعية التقرير وتأثيره.

الوضع العام وحكومة الدبيبة: فوضى متفاقمة وسلطة تتهاوى

يستهل التقرير وصفه للأحداث بـ قذائف الهاون تتساقط و مسلحون يسيطرون على نصف العاصمة طرابلس، وهو ما يعكس الانهيار الأمني السريع وغير المتوقع.

هذه الأحداث، التي أدت إلى إغلاق المدارس والأسواق والبنوك واقتحام البنك المركزي، تشير إلى غياب شبه كامل لسيطرة الدولة على مقاليد الأمور.

انسحاب بريطانيا وتحذيرها من السفر، وإجلاء تركيا لمواطنيها، يؤكدان مدى خطورة الوضع وتدهور ثقة المجتمع الدولي في قدرة الحكومة على توفير الأمن.

يصف التقرير جهود طرابلس لإعادة ضبط البلاد بعد الإطاحة بالقذافي بأنها تتعثر، مشيراً إلى كسر الجمود بين حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها دولياً وقوات خليفة حفتر.

هذه العبارة توحي بأن الصراع لم يكن وليد اللحظة، بل كان كامناً وينذر بالعنف منذ فترة. يبرز التقرير ضعف موقف الدبيبة كـ قطب بناء وليس أمير حرب، واعتماده على تحالف متوتر من الميليشيات.

هذا التحليل دقيق، إذ أن بنية سلطة الدبيبة الهشة تعتمد بشكل كبير على ولاءات متغيرة وغير مستقرة، وهو ما أثبتته الأحداث الأخيرة.

تحليل الفقرات: دوافع الصراع وانهيار الثقة

يركز التقرير على المال كسبب مباشر للصراع، متهماً الدبيبة وعائلته بـ إفراغ خزائن ما كان ينبغي أن تكون أغنى دولة نفطية في أفريقيا.

هذا الاتهام يضع الأصبع على الجرح، ففساد النخب هو أحد أكبر التحديات التي تواجه ليبيا، ويسهم بشكل مباشر في تأجيج الصراعات.

انخفاض أسعار النفط، وبالتالي تقلص مكافآت السيد الدبيبة، دفع الميليشيات للبحث عن مصادر دخل بديلة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة.

قتل عبد الغني الككلي، أحد قادة الميليشيات، وانقلاب قوات الدبيبة على قوة الردع الخاصة، يكشف عن ديناميكية داخلية خطيرة حيث تتصارع الميليشيات على النفوذ والموارد، وتتآكل سلطة الحكومة المركزية تدريجياً.

أما الفقرة التي تصف رد فعل سكان طرابلس بـ لقد ضاق معظم سكان طرابلس ذرعاً، فتؤكد على حالة الإحباط الشعبي العميق. تعب الشعب من زعيمٍ أفسد جشعه وعد دبي على البحر المتوسط، وتعبهم من انتظار الانتخابات التي وعدت بها الأمم المتحدة، يبرز تآكل الشرعية الشعبية لحكومة الدبيبة. اتهام الدبيبة بأنه واحد من الفلول، أو بقايا نظام القذافي، يربطه بماضٍ مكروه لدى قطاع كبير من الليبيين، ويقوض أي أساس شعبي لسلطته.

المظاهرات التي تدفقت إلى الشوارع مرددة مطالب عام 2011 بـ إنهاء النظام، وإجراء انتخابات، وإعادة توحيد الشرق والغرب، تشير إلى أن الأزمة الحالية ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي تعبير عن سخط شعبي متجذر ورغبة في تغيير حقيقي.

التوقعات المحتملة والموقف الدولي

يُقيّم التقرير فرص حفتر في استغلال حالة السخط في الغرب، مع سيطرة قواته على البرلمان في الشرق ومعظم حقول النفط وحوالي 80% من مساحة البلاد.

هذا يضع حفتر في موقع قوة يمكنه من استغلال الوضع لصالحه.

الإشارة إلى مؤيديهم في الزاوية والزنتان في حالة نزوح وتقارير عن حشد في سرت وغدامس، توحي بتحركات عسكرية محتملة تهدف إلى تشتيت الميليشيات المتحالفة مع الدبيبة، وربما تمهيد الطريق لتقدم قوات حفتر.

إعلان البرلمان في بنغازي أن السيد الدبيبة غير شرعي واقتراح بدائل، يعمق الأزمة السياسية ويفتح الباب أمام تشكيل حكومة موازية.

استقالة بعض وزراء الدبيبة وإرساله لعائلته إلى لندن، بينما يتمسك هو بمنصبه، يعكس محاولة يائسة للتشبث بالسلطة في ظل انهيار الثقة.

محاولات الدبيبة لاستدعاء أتباعه من مصراتة وفتح مطار طرابلس الدولي وإطلاق الوعود بتحويل ثكنات الككلي إلى منتزه، هي محاولات يائسة لاستعادة السيطرة المفقودة، لكن التقرير يشير إلى أنها قد تزيد من هشاشة نفوذه.

الموقف الدولي يبدو حذراً، فالأمم المتحدة رحبت بوقف إطلاق النار، لكنها لم تتدخل بشكل حاسم حتى الآن.

هروب السفن وإجلاء تركيا لمواطنيها وانسحاب بريطانيا، كلها مؤشرات على أن المجتمع الدولي يفضل الابتعاد عن التدخل المباشر في ظل هذا المشهد المعقد، وقد يكتفي بالدعوة إلى الحوار والحلول السلمية دون الضغط الفعلي على الأطراف المتصارعة.

تقييمنا للتقرير وتأثيره: رؤية واقعية ومؤشرات مقلقة

يُعتبر تقرير “الإيكونوميست” تحليلاً واقعياً ودقيقاً للوضع في ليبيا.

فقد نجح في التقاط اللحظة الحرجة التي تمر بها البلاد، وقدم وصفاً تفصيلياً للأحداث الميدانية في طرابلس، إضافة إلى تحليل عميق لدوافع الصراع وجذوره.

قوة التقرير تكمن في قدرته على ربط الأحداث الجارية بالخلفيات السياسية والاقتصادية المعقدة، مثل الفساد وتراجع أسعار النفط، وهو ما يعطي صورة شاملة للأزمة.

مؤشرات التقرير مقلقة للغاية. فهو لا يشير فقط إلى ضعف حكومة الدبيبة وتآكل شعبيتها، بل يلمح أيضاً إلى تصاعد نفوذ حفتر وتوقعات بتحركات عسكرية جديدة.

الوصف القاسي لطرابلس بأنها جحيم على الأرض ليس مبالغة، بل هو انعكاس لمعاناة السكان جراء الفوضى والاشتباكات.

التقرير يؤكد على أن الحلول المؤقتة لم تعد كافية، وأن ليبيا بحاجة ماسة إلى حل سياسي جذري ينهي الانقسام ويؤسس لسلطة شرعية ومستقرة.

تأثير هذا التقرير، الصادر عن مجلة مرموقة كـ “الإيكونوميست”، يكمن في قدرته على لفت انتباه المجتمع الدولي بشكل أكبر إلى الأزمة الليبية المتفاقمة.

يمكن أن يدفع هذا التحليل صانعي القرار الدوليين إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم تجاه ليبيا، وربما يزيد من الضغط باتجاه عملية سياسية شاملة وذات مصداقية.

كما أنه بمثابة تحذير واضح بأن الوضع الحالي غير مستدام، وأن عدم التدخل الفعال قد يؤدي إلى مزيد من الانهيار.

طريق مسدود ومستقبل غامض

يختتم التقرير بعبارة مؤثرة: بدأ الليبيون والدبلوماسيون الأجانب يتحدثون عن حكمه بصيغة الماضي.

هذه الجملة تلخص مصير حكومة الدبيبة، وتؤكد على أن شرعيته تلاشت فعلياً، سواء على الصعيد الشعبي أو الدولي.

ومع بقاء مطار طرابلس الدولي مفتوحاً كـ سبيل للنجاة، فإن هذا لا يغير حقيقة أن ليبيا تقف على مفترق طرق خطير، فإما أن تغرق في دوامة عنف أعمق، أو أن يتم التوصل إلى حل سياسي ينهي حالة الانقسام والفوضى، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل الأوضاع الراهنة.

السؤال المطروح الآن هو: من سيملأ الفراغ بعد انهيار سلطة الدبيبة، وما هو الثمن الذي سيدفعه الشعب الليبي في هذه المعادلة؟

المزيد من الكاتب

سيلفر نوت”: أصل استثماري لا يُقدر بثمن لجودولفين.. وعوائد بيع “إيكو تاون” تؤكد حيوية السوق العالمي!

تصريحات صادمة.. نائب أمريكي يدعو لـ “قصف غزة نووياً” و”كير” يندد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *